عندما كانت تقع على أسماع السوريين مفردة برميل، فإن هذه المفردة تذهب إلى فهمها العام والمعتاد، الذي تدواله الشعب السوري، وغيرهم من الشعوب الأخرى، إلى برميل محروقات أو ماء أو سوائل، أخرى، حيث لم تعهد الحياة البشرية أنسنة وفرح مثلما كانت الشعوب تتقبل مفردة برميل، فهذه الأخيرة مبعث للسرور، على عكس ما تبعثها هذه الأيام عندما تتهاوى فوق هاماتهم، فتخلف القتل والدمار والهجرة والتشرد.
براميل الأسد، غدت الكابوس اليومي، المخيف، فهي زلزال عنيف لا يفرق في ضحاياه بين طفل وامرأة ومسن، وبين محارب ومقاتل وإرهابي، إنها حياة الرعب اليومي. هي أسلحة شديدة العشوائية ولا تصيب أهدافاً عسكرية محددة، ما يعني أن الهدف من استخدامها لا يمكن أن يكون سوى “القتل والإرهاب”.
والبراميل المتفجرة، هي سلاح بدائي الصنع شديد الفتك رخيص التكلفة، شاع ذكره إثر استخدام النظام السوري له في مواجهته للثورة الشعبية التي اندلعت ضده، ويطالب الحقوقيون بتحريمه في القانون الدولي.
ولعل المؤسف في الأمر أن هذا السلاح الفتاك، الذي قتل آلالاف السوريين، معظمهم من الأبرياء الأطفال والنساء، وهجر عشرات الآلاف مازال ساري المفعول منذ ثلاث سنوات تقريباً في عموم الجمهورية العربية السورية، ومازال نظام الأسد ينكر بشد استخدامه لهذا السلاح الاختراع، ووصل به الأمر، إلى التهكم والسخرية، في ردوده الصحفية:” لا تقولي لي إنني أستخدم أواني الطبخ أيضاً”.
المكونات والخصائص
تتكون البراميل المتفجرة من قوالب معدنية أو إسمنتية مزودة بمروحة دفع في الخلف وبصاعق ميكانيكي في المقدمة، ولها روافع على أطرافها تعين على وضعها في الطائرة التي ستلقيها -تبعاً لقانون السقوط الحر- على المكان المستهدف.
تحمل هذه البراميل ما بين 200 و300 كيلوغرام من مادة “تي أن تي” المتفجرة، وتضاف إليها مواد نفطية تساعد في اندلاع الحرائق عند إصابة الهدف، وقصاصات معدنية مثل المسامير وقطع الخردة المستخدمة في صناعة السيارات، لتكون بمثابة شظايا تُحدث أضراراً مادية في البشر والمباني، خاصة إذا كان القصف مباغتاً.
ومن خصائص البراميل المتفجرة أنها سلاح رخيص نسبياً ولا يتطلب أي توجيه تقني، ويتم إلقاؤها من المروحيات على المناطق السكنية المكتظة، لتـحدث دماراً كبيراً وضغطاً هائلاً مصحوباً بكتل كبيرة من اللهب داخل دائرة قطرها 250 متراً دون أي دقة في إصابة الأهداف.
بداية الاستخدام
رغم أن استخدام البراميل المتفجرة فكرة سوفياتية الأصل “قنابل FAB”، فإنه لم يكن شائعاً قبل أن يستعملها النظام السوري منذ أغسطس 2012 على نطاق واسع في مواجهته للثورة الشعبية التي اندلعت في مختلف المحافظات السورية منذ مارس 2011.
وذلك بعد أن أوشكت ذخيرته من القنابل التقليدية على النفاد، ثم انتقل استعماله إلى العراق عام 2014، حيث بدأت الحكومة العراقية إلقاء البراميل المتفجرة على الأحياء السكنية في المناطق الخارجة عن سيطرتها في محافظة الأنبار.
ويُعزى اعتماد النظام السوري على هذا النوع من الأسلحة- 3000 برميلا متفجرا ألقاه سلاح الجو النظامي على مختلف المحافظات السورية حتى منتصف 2015- لكونه سلاحاً بدائياً رخيصاً، ولقدرته على إحداث الدمار بأوسع نطاق تطبيقاً لاستراتيجية “الأرض المحروقة”.
مطالبة بالتحريم
وتؤكد الإحصائيات مقتل ما لا يقل عن 5500 شخص منذ بدء الثورة ودمار وتضرر نحو 9000 مبنى “وذلك حتى منتصف العام 2015 الجاري، جراء إسقاط طائرات النظام للبراميل المتفجرة عشوائياً”.
ويصف حقوقيون هذه الأسلحة -التي لم يُسلط الضوء عليها كثيراً لندرة استخدامها في الحروب النظامية- بأنها شديدة العشوائية ولا تصيب أهدافاً عسكرية محددة، مما يعني أن الهدف من استخدامها لا يمكن أن يكون سوى “القتل والإرهاب”، خاصة أن نسبة 97% من ضحاياها مدنيون.
ويرى هؤلاء الحقوقيون أن مبدأ مسؤولية القيادة في القانون الدولي الإنساني “يعتبر كل من ارتكب تلك الجرائم مجرماً تجب على المجتمع الدولي محاكمته”.
ويثير استخدام سلاح البراميل المتفجرة تساؤلاً عن سبب اهتمام العالم بالسلاح الكيميائي إلى درجة التهديد أحيانًا بالتدخل العسكري لنصرة ضحاياه، بينما لا تكاد هذه البراميل تثير اهتمام أحد في المجتمع الدولي حتى لو بلغ عدد ضحاياها أضعاف ضحايا أي سلاح آخر.
ثلاثة براميل ونصف يومياً 1050 يوما هي 35 شهرا، وهي ثلاث سنوات تقريبا، إذا كانت البداية، تحسب من أغسطس- آب العام 2012، وبمعدل ثلاث براميل ونصف البرميل يومياً تلقى على المدنيين الأبرياء.
هذه الأرقام هي فقط عدد الشهداء الذين قضوا نتيجة البراميل، غير أن هناك عشرات الآلاف من الجرحى، ومئات الألوف من المهجرين والنازحين، وألالاف البيوت والمزاراع التي دمرت وحرقت.. براميل الأسد المتفجرة قتلت الزرع والضرع، ودكت البشر وهدمت الحجر، وحرقت الأخضر واليابس، على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، الذي كان يتعامل مع هذا السلاح، على مبدأ أذن من طين وأذن من عجين، وذلك بسبب إنكار الأسد لتهمة استخدامه هذه الآلة القاتلة التي تشبه إلى حد كبير سلاح الدمار الشامل، الذي لا يفرق بين مسلح ومدني بريء.
الأسد وأواني المطبخ
وكان مصدر دولي كشف في تصريحات صحفية، أن رئيس النظام السوري بشار الأسد وعد المبعوث الخاص للأمم المتحدة ستيفان دو ميستورا باستجابة مبدئية لاقتراحات تتعلق بوقف استخدام البراميل المتفجرة، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة، وإجراء انتخابات مبكرة في سوريا، في إطار جهود دي ميستورا لتفعيل بيان جنيف في 30 يونيو 2012
وقال المصدر إن: “دي ميستورا ناقش مسألة حماية المدنيين مع حكومة نظام الأسد والذي ذكر أن المبعوث الأممي أشار مرة أخرى إلى الاستخدام غير المقبول للبراميل المتفجرة وشدد على أن حماية مواطنيها واجب لا جدل فيه، لأية حكومة في جميع الظروف”.
وكان بشار الأسد قد أنكر في حوارات صحفية سابقة استخدام قواته للبراميل المتفجرة أساساً، وقال ساخراً بفجاجة وابتذال: “لا تقل لي إننا نستخدم أواني الطبخ لقتل الناس أيضاً” فيما أكد وزير الخارجية البريطاني “فيليب هاموند” في تصريح له أواخر “ مايو” المنصرم، “أن الشريط المصور الذي يظهر فيه جندي من طاقم مروحية تابعة لنظام بشار الأسد يلقي ببراميل متفجرة، يفضح أكاذيب بشار الأسد بشأن البراميل المتفجرة ويبين الطريقة العشوائية التي تلقي بها قوات النظام السوري هذه الأسلحة المروعة من المروحيات لتسقط على المدنيين على الأرض”.
ويضيف هاموند أن “الأمم المتحدة دعت لإنهاء هذه الاعتداءات لكن “بشار الأسد” يواصل تجاهل الشعور الدولي بالغضب” على حد قوله، مؤكداً أن “بريطانيا ستقدم المسؤولين عن هذه الأعمال الإجرامية للعدالة كما ستواصل مساعدة المتضررين من هذه الاعتداءات من خلال الدعم المستمر لفرق الإنقاذ العاملة على الأرض”.
إدانات واسعة
وبعد الفيلم المسجل الذي أظهر مروحية سورية، تلقي البراميل المتفجرة على أهداف عشوائية، دانت كل من بلجيكا ولوكسمبورغ وهولندا، إلقاء قوات الأسد براميل متفجرة على المدنيين في سورية، في رسالة وقعت عليها 67 دولة أخرى. ودانت الرسالة “القصف المتكرر الذي تنفذه مروحيات سلاح الجو السوري على المناطق المكتظة بالسكان في حلب بواسطة البراميل المتفجرة التي أوقعت مئات الضحايا.
وجاء في الرسالة الموجهة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي “كان شهر مايو 2015 الأكثر دموية في سورية”. وقال الموقعون إن “القانون الدولي يحظر الاستخدام الأعمى لأسلحة مثل البراميل المتفجرة، وكذلك عدة قرارات دولية يجب احترامها”. وأضافت الدول في رسالتها “على السلطات السورية أن توقف هذه الهجمات الجوية التي تنفذ عشوائياً”.