كتب - د.حابس السماوي*:
يعد قطاع السياحة من القطاعات الهامة، ويمكن لها أن تحدث تطوراً اجتماعياً واقتصادياً وبيئياً ملموساً؛ إذا ما تم تخطيطها بالشكل المناسب، فالزائر يريد أن يزور قلعة البحرين والمتحف الوطني والفورمولا1، ويهمه أن يجد أمامه مجموعة من الخيارات من الفنادق باختلاف درجاتها.
إن تطور السياحة في البحرين، لا يقاس بعدد السياح القادمين إلى البحرين، أو بحجم الدخل السياحي فحسب، وإنما من خلال مؤشرات أخرى، من مثل نسبة انخراط البحرينيين في العمل السياحي، حيث إن هذه النسبة لا تزال متواضعة في حدود 20%، علماً بأن البحرين من الدول التي تعاني من مشكلة البطالة.
بعد تخرجه من الكلية العليا للإدارة توجه الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك إلى الولايات المتحدة، ولأنه لم يمتلك مصاريف هذه الرحلة، فإنه توجه ليعمل في المطاعم. (شيراك) لم يكن طاهياً، فهذه مهمة صعبة وتحتاج إلى خبرة كبيرة، ولم يكن أيضاً نادلاً، فهذه مسألة تحتاج إلى شخص يتحدث الإنجليزية بلكنة سليمة ويفهم الأمريكيين بصورة ممتازة، وكان الحل هو أن يعمل في غسيل الأطباق، وهذه مهمة تستلزم بأن يقوم بتنظيف المطبخ، لم ينكر هذه المرحلة، ولعله افتخر بها أكثر من مرة في جميع مراحل حياته السياسية والمدنية.
مناسبة الحديث هو أن لدينا نحو 15 ألف وظيفة في قطاع السياحة، لا تجد من يشغلها من البحرينيين، فالشباب يعزف عن هذه المهن، وذلك لأسباب اجتماعية أو اقتصادية محضة تم بحثها ودراستها دون فائدة، وحتى لو التحق أحد الشباب بالقطاع السياحي في الفنادق والمطاعم، فإنه يكون في إطار عملية بحثه عن فرصة أفضل، وبعد ذلك لا يجد غضاضة في التضحية براتب جيد يحمل آفاقاً متواصلة للزيادة، ويمكن في المتوسط أن يتضاعف مرة كل ست أو سبع سنوات، ليصل إلى راتب لا يتجاوز نصف ما يحصل عليه في قطاع السياحة، وضحى به في سبيل الحصول على وظيفة حكومية.
هذه النقطة يعرفها الشباب وأصحاب العمل على السواء، ويلقي كل منهما اللوم على الآخر، ولكن المسؤولية تتخطى الطرفين، وتذهب إلى الجهات التنظيمية.
مشكلة أصحاب المشاريع السياحية في البحرين، يعلمون أن البديل متوفر من غير أبناء الوطن، وبالتالي تتراجع الفرصة لتشغيل أبناء الوطن، لأن شروط العمل الموجودة لا تناسبهم إلى حد كبير، أو أنها مصممة بناء على ما يمكن أن يقبل بها العامل الوطني، ويشعر العامل البحريني بالغبن في بعض الشروط والظروف، وأيضاً في الرواتب المتاحة مقابل طبيعة العمل الذي يبذله.
في البحرين، يعزف الشباب عن العمل في مهن السياحة والضيافة؛ لأنها غير مقبولة اجتماعيا، فهي من وجهة نظرهم تنتقص من المكانة الاجتماعية للفرد، ويفضل البعض أن يجلس في منزله، بدلاً من العمل في هذه الوظائف، والتغيير يتطلب حملة من التوعية الجدية، وزيادة الاحترام لهذه الوظائف في ثقافتنا الشعبية، وعدم الدعاية عن طريق قصص النجاح أو الإعلانات التلفزيونية، فهذه وسائل أثبتت عدم تمكنها من تحقيق أي شيء ملموس. والطرح الآخر هو تدني معدلات أجور العاملين في القطاع السياحة، سيما المبتدئين منهم.
والسؤال، هل توقفت القدرة الإبداعية على إدارة حملة توعية شاملة، تخاطب الجمهور بطريقة يتفهمها؟.
أو أن تفكك العقد الثقافية المستعصية، التي أخذت تسمى بثقافة العيب، وأصبح استخدام هذا المصطلح يمثل في حد ذاته مشكلة، فهو يجعل المسألة معومة وغير واضحة المعالم، ولا أحد يحاول أن يستمع لوجهة نظر من يوصمون بنشر أو تبني هذه الثقافة. القضية واسعة، والمشكلة ليست في آلاف الوظائف الضائعة على البحرينيين، ولكن أيضا في الأموال التي تخرج من البحرين في صورة تحويلات مالية، وهذه الأموال لو بقيت في البلد لدخلت العجلة الاقتصادية بصورة منتجة، وذلك يمثل استنزافاً اقتصادياً كبيراً.
وبينما يتطلع المختصون في الاقتصاد لتحويلات العامليــن المقيمين للخـــارج، فـــإن دول الخليج عندما توجهت لبناء اقتصادات تجارية، وفي جانب منها سياحية وترفيهية، تعمدت أن تستغل ليس الزوار وحدهم، ولكن المقيمين من مختلف الجنسيات أيضاً، وبالتالي تراجعت الأموال التي تخرج من هذه الدول، وبقيت تدور في العجلة الاقتصادية المحلية.
العمالة في القطاع السياحي هي التي يمكن أن تفرض شروطها إلى حدود معينة، ويبدو أن المنشآت السياحية تعتمد على معادلة غير منصفة، فهي تستعين بأيدي عاملة رخيصة من خارج البحرين، وفي الوقت نفسه لا تعمل على تخفيض أسعارها، ولا تحقق للبحرين أي ميزة تنافسية سياحياً، فهي تستنزف السائح في برامجها التي تستفيد منها بعض شركات السياحة، ولا تترك للسائح فرصة للخروج عمليا والإنفاق بما يفيد القطاعات الأخرى، وتطلب من الموظف الانصياع للعمل وفق شروطها، وقانون العمل لا يوفر الحماية لموظفي بعض القطاعات، مع أن الأصل أن يكون القانون مرناً في تعامله مع بعض القطاعات التي تعتبر قطاعات نامية. المطلوب؛ نظرة معمقة في القطاع السياحي من الداخل، والسعي نحو الاستعانة بالكفاءات الوطنية ضمن خطة تتسم بالفعالية وتتوفر لها المتابعة الدائمة، وليس الاستمرار في الفرجة على قطاع واعد يفيد الكثيرين باستثناء أهل البحرين.
جميل جدا أن نحتفل بالمنامة عاصمة للسياحة العربية، وأن نحتفل باليوم العالمي للسياحة، وأن نحافظ على مواردنا المائية والبيئية، ولكن أتمنى بأن يتم وضع خطط واستراتيجيات جديدة للسياحة في البحرين، بحيث يتم تنمية وتطوير الموارد البشرية العاملة في كافة القطاعات السياحية، فهل يعقل بأنه لغاية اليوم لا يوجد مرشدين سياحيين مرخصين في البحرين؟
* أستاذ بقسم الإعلام والسياحة
جامعة البحرين
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}