يعتبر الحديث علناً في إيران عن الخليفة المنتظر للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي «الولي الفقيه»، بمثابة كسر التابو، وتجاوزاً كبيراً، وخرقاً لأبرز المحرمات منذ قيام الجمهورية الإسلامية في عام 1979، في الوقت الذي يتنازع فيه متشددو الملالي والإصلاحيون، خلف الكواليس، كرسي «ولاية الفقيه»، الأمر الذي فسره مراقبون بأن إيران ستشهد شرخاً سياسياً كبيراً في عصر ما بعد خامنئي، كما شهدت تغييراً واسعاً وجذرياً في تشكيلة المشهد السياسي بعد حقبة مؤسس الجمهورية الإسلامية، آية الله روح الله الخميني في عام 1989.
والزعيم الأعلى، صاحب السلطة المطلقة في إيران، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة ويعين قيادات السلطة القضائية. ويتم اختيار الوزراء الرئيسيين بموافقته وله القول الفصل في السياسة الخارجية والبرنامج النووي الإيراني. ويتمتع الرئيس بصلاحيات محدودة مقارنة به. وخامنئي هو الزعيم الأعلى الثاني لإيران وتم اختياره في 1989 حين توفي الخميني، بناء على وصية الأخير.
ومن أبرز الأسماء المرشحة في الأوساط الإيرانية لخلافة خامنئي، محمود هاشمي شاهرودي، وصادق لاريجاني، وعبد الله جوادي آملي، إلى جانب تداول اسم حسن الخميني، حفيد مؤسس الثورة، ومجتبى خامنئي نجل المرشد لشغل المنصب.
وفجر الرئيس الإيراني الأسبق ورئيس لجنة تشخيص مصلحة النظام أكبر هاشمي رفسنجاني مفاجأة من العيار الثقيل عندما قال إن لجنة إيرانية تدرس المرشحين المحتملين لشغل منصب الزعيم الأعلى. كما أثار مقترح رفسنجاني حول تشكيل «مجلس قيادي» بدل منصب المرشد، بعد وفاة خامنئي، الجدل حول مصير القيادة في إيران، خاصة مع اقتراب الانتخابات النيابية وانتخابات مجلس الخبراء في فبراير المقبل. ووفقاً لمقترح رفسنجاني، تتم العملية من خلال ترشيح أعضاء لشورى القيادة وانتخابهم بالاقتراع المباشر من قبل مجلس خبراء القيادة بدل اختيار الولي الفقيه كمرشد للجمهورية الإيرانية.
وبعد أن خضع خامنئي «75 عاماً» لجراحة لاستئصال سرطان البروستاتا لم يكتسب النقاش العام عمن سيخلفه زخماً في الدوائر الرسمية تجنباً لخطر أن يعتبر ذلك تقويضاً لأقوى شخصية في إيران. ولكن مع إجراء انتخابات مجلس الخبراء وهو الهيئة الدينية التي تعين الزعيم الأعلى فإن من المؤكد أن تطفو المناقشات على السطح. وتعززت الترجيحات حول التمهيد لـ «تشكيل مجلس قيادي» يعقب شغور منصب المرشد مع ترشيح حسن الخميني، حفيد الخميني، لانتخابات مجلس الخبراء.
كما أعلن رفسنجاني نيته الترشح للانتخابات القادمة لمجلس الخبراء، مما يعزز التكهنات حول تطبيق مبدأ «شورى القيادة»، بدل اختيار مرشد أعلى للجمهورية، أي «مجلس فقهاء» بدل الولي الفقيه ذي الصلاحيات المطلقة.
ويقال إن حسن الخميني يحظى بمباركة متحفظة من خامنئي. وتحدث البعض عن تطلعه في نهاية المطاف إلى شغل منصب الزعيم الأعلى. وحسن الخميني مقرب من الرئيس حسن روحاني. ويأمل روحاني ورفسنجاني - وهما من الأعضاء المخضرمين لمجلس الخبراء - أن يؤدي تحالف يبدو أنهما يعملان على تشكيله مع الخميني الصغير إلى ضخ حيوية جديدة في معسكرهم. ويعتقد الإصلاحيون أن دخول الأخير المجلس، سيتيح تشكيل محور ثلاثي إصلاحي يقوده مع رفسنجاني وروحاني، في مقابل محور أصولي - يتضمن محور المرشد الأعلى واليمين المتشدد والحرس الثوري - يقوده الثلاثي، المرجع المتشدد محمد تقي مصباح يزدي، وسكرتير مجلس صيانة الدستور أحمد جنتي وسكرتير هيئة التدريسيين في المؤسسة الدينية محمد يزدي. والثلاثة أعضاء في مجلس الخبراء، ويُرجَّح ترشُّحهم لانتخابات فبراير.
في الوقت ذاته، رد اليمين المتشدد في إيران ممثلاً في رئيس تحرير صحيفة «رسالت» محمد كاظم انبار لوئي، بقوة على تصريحات رفسنجاني وما يدور في الكواليس، بل هدد وتوعد الأخير، بأنه سيلقى مصير آية الله حسين علي منتظري، الذي مات تحت الإقامة الجبرية، وذلك بسبب التصريحات التي أطلقها حول مرض خامنئي، وكشفه عن عقد قيادات النظام جلسات للبحث عن بدائل في حال موت المرشد بشكل مفاجئ. كما انتقد رئيس السلطة القضائية الإيرانية، صادق لاريجاني، تصريحات رفسنجاني، بشأن إشراف مجلس خبراء القيادة على أداء المرشد الأعلى والمؤسسات التابعة له، معتبراً إياها «غير قانونية وبلا أساس». وشبه لاريجاني تصريح رفسنجاني حول إشراف مجلس خبراء القيادة على أداء المرشد بـ «إشراف المقلدين على أداء مراجع التقليد». ورأى مراقبون أن «تصريحات رفسنجاني حول ضرورة الإشراف على المرشد والرد السريع من صادق لاريجاني، خلقت تكتلين في انتخابات مجلس خبراء القيادة، أسوة بالانتخابات البرلمانية». ويبدو أن الأيام والأسابيع القادمة حبلى بمفاجآت في المشهد السياسي الإيراني في ظل الصراع المحتدم بين المحافظين والإصلاحيين.