عبدالرحمن صالح الدوسري
«رجعت الشتوية
ضل افتكر فيي
ظل افتكر فيي
رجعت الشتوية
يا حبيبي الهوى مشاوير
وقصص الهوى مثل العصافير
لا تحزن يا حبيبي
إذا طارت العصافير»..
هذا الكوبليه الجميل من أغاني الفنانة الجميلة ابنة الثمانين عاماً، فيروز، والتي دائماً ما يبحث عنها محبوها كل صباح ومساء لتؤنسهم برفق وتدخل في قلوبهم السعادة والرومانسية بعيداً عن طبول المجانين ممن يدعون الغناء ويتسببون لبني البشر بالكثير من الصداع الذي لا ينفع معه لا «بندول» المفاصل والركب ولا «إكسترا» ولا خوفو ولا منقرع..
فيروز هذه الأيام ومع «رجعت الشتوية» الكل يدعو لها بطولة العمر، والكل يستمع لها مطلع كل صباح بعيداً عن الأرصاد الجوية التي لا تأتيك إلا بالأخبار اللي تحذر من كل شيء حتى «روحة الشغل والمدرسة» واللي يفرحون لها الطلبة علشان قعدت البيت واللعب في «البلي ستيشن» فأرصادنا تحذر البحارة من ارتياد البحر فيقعدون في البيت ويرفعون أسعار السمك و«احنه ناكلها»، والأرصاد يتنبئون بأمطار غزيرة وسيول كالتي مرت على سلطنة عمان والفلبين فيرتفع سعر «الدفايات» وتخلص «البرانيص» من السوق.. والأرصاد يحذرونك من الخروج في الشارع حتى لا «يقصفك» البرق وتروح من «صيد أمس».. والأرصاد «بهدلونه وخرعونه» ولا ندري الحل ولا نعرف صدقهم من «قشمرتهم»..
أما فيروز فإنها تجعلنا نرفع عيوننا وأكفنا إلى السماء وندعو بأن تتحقق الكلمات التي ترددها ونبحث عن غيمة ولو صغيرة بين النجوم تغسل القليل من قلوبنا وتنظف الكثير من جرائم البشر التي انتشرت في كل أرجاء المعمورة.. ونتراكض في البر علنا نصطدم بلغم من «الفقع» «يشدخنا» أرضاً ونقتلعه ونتراكض كمن اكتشف بئر غاز أو «ورثه لطرار» دافنها في الأرض.. نستمع لفيروز فنتلح بالمطر ونبلل شعرنا بنسمات الهواء العليلة ونستنشق رائحة الزهور بدلاً من رويد البقال أو مشموم «أم عنبر».. نستمع لفيروز فنحلق في السماء دون أجنحة ونتسابق في البحر دون أشرعة أو مجاديف تعلو شفاهنا الابتسامات والفرحة التي لا تنتهي من دربنا.
ودائماً ما نتذكر الصراع ما بين فيروز، قصدي محبي فيروز وأم كلثوم عندما كنا صغاراً في الحورة نستمع للكبار يتناقشون فيما بينهم ويفلسفون الأغنيات ويصنفونها بين اليسار واليمين، ومن يستمع لفيروز هو أكثر تحرراً من مستمعي أم كلثوم التي يعتبرونها «أفيون» لتخدير العقول و«بانجو» ينتهي مع حفلتها كل خميس في الصباح بأفيه «مسى الخير.. ياهنبكه»، كنا بين كفتي فيروز وأم كلثوم نصحو ونمسي كل يوم في «دكان حسن بابو»، نتطلع لعيون الكبار يفلسفون الكلمات ويرضخون بالألحان إلى الأرض على طريقة المصارع عدنان القيسي الذي اشتهر في الستينات أيام المعرض الزراعي في البحرين.
فإلى أن يصلح الله حال الأرصاد الجوية ويستقرون على حال سنبقى نردد أغاني السيدة فيروز من «نسم علينا الهوى» و«شادي» و«في قهوه عالمفرق» و«اعطني الناي وغني»..
وبكتب اسمك يا حبيبي ع الحور العتيق
تكتب اسمي يا حبيبي ع رمل الطريق
بكرة بتشتي الدني ع القصص لـ مْجَرَّحة
يبقى اسمك يا حبيبي واسمي بينمحا
بحكي عنك يا حبيبي لأهالي الحي
تحكي عني يا حبيبي لنبع المي
ولما بيدور السهر
تحت قناديل المسا
بيحكوا عنك يا حبيبي
وأنا بنتسى.