مصطفى عبدالعزيز
وضع قبلة فوق جبين طفلته وهو يغادر لعمله صباحاً بعدما وعدها بشراء دمية أعجبتها في المحل المجاور للمنزل على ناصية الطريق، وحينما عاد في المساء لم يجد طفلته أو المنزل أو حتى المحل؛ فقد انهار كل شيء تحت القصف مثلما انهار هو في البكاء، فلم يكن يعرف أن قبلته لابنته ستكون الأخيرة وأن ابتسامتها له ستكون وداعاً رقيقاً قبل الرحيل بلا عودة.
هل تأثرت مشاعرك بقراءة السطور السابقة؟ هل شعرت بوجع ينتاب جوارحك؟ أرجوك لا تضجر ولا تكترث، القِ بالمقال بل والصحيفة بأكملها جانباً وامسك بهاتفك النقال واملأ فمك بالضحكات الساخرة من فيديوهات السناب شات والإنستغرام، وسأعتذر أنا عما سببته لك من إزعاج.
بعيداً عن الحسابات السياسية، فإن ما يجري من كوارث إنسانية في سوريا لا يجرؤ كاتب على التورط في وصفها، فلو استطعت أن تجمع كل ما في لغات العالم من كلمات ستعجز حروفك على أن ترصد لحظة واحدة فقد فيها أحدهم عزيزاً لديه أو رأى أشلاء جسده مبعثرة أمامه أو سمع صراخه من الألم وهو يقف عاجزاً عن فعل شيء، هذا قبل أن يرحل الشخص نفسه مهموماً بقهره وحسرته وألمه فتلتهمه مياه البحر أو تقتل كرامته نظرة شرطي قابله على شواطئ المهجر.
إن أكثر ما يصيبك بالدهشة -من وجهة نظر إنسانية بحتة- أن أهل سوريا ورغم قسوة ما يعيشونه من معاناة وألم يومي فإنهم يحمدون ربهم على ما هم فيه، يستيقظون صباحاً على ابتسامات الأمل في غد أفضل، يرضون بقضاء الله وقدره ويواصلون حياتهم بقوة الإيمان.
كنت قد قطعت وعداً على نفسي بعدم التطرق لأي مما يجري من قصص وكوارث إنسانية في سوريا، فالصمت الكتابي أكثر احتراماً وإجلالاً لمصائب أهلنا هناك، إلا أنني كسرت الصمت تعبيراً عن التقدير الكبير لما يحمله أهلنا داخل سوريا وخارجها من قوة إرادة وإيمان بالله وكأنهم فقدوا كل شيء إلا أنهم يمتلكون بنكاً من الرضا ينفقون منه لشراء عدد من أنفاس الهواء تمتلئ بها رئاتهم فيستطيعوا معها مواصلة الطريق.. طريق الأمل.
970x90
970x90