مريم القلاف




(وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه)؛ إن النفوس بطبيعتها تتغير وتتبدل بتغير الزمان والمكان، خاصة عندما ينعم الله على عبده بالمال والعافية والرزق فيفرح بهذه النعم ويعرض عن شكر ربه دون أن يدرك بأنها في الوقت نفسه ابتلاء من الله وأنها سوف تزول يوماً ما بمشيئته.
وإن المناصب امتحان من سبحانه وتعالى حتى يغري صاحبه ليختبره إذ لن يجعله هذا المنصب يغير مبادئه ويرمي بها عرض الحائط ويتكبر على الآخرين كأنه مالك زمانه وبيده زمام أمور الناس ويقوم باستغلال صلاحيات عمله لمصالحه وأغراضه الشخصية وينسى بأن هناك من سيحاسبه ويسأله فيم أفنى حياته وأين صرف أمواله.
في هذا الزمان، فعلاً رأينا أن المال والجاه والمناصب يغير نفوس الناس وجعلتهم ينكرون أفضال أصدقائهم ورفقاء دربهم وأهلهم وأقربائهم بعدما وصلوا إلى مناصب لم يظنوا يوماً بأنهم بالغوها، وفي الواقع إنهم لم يستحقوها أبداً، وأصبحوا يرون الناس الذين دون مستواهم المادي ومركزهم الاجتماعي بدونية واحتقار بعدما كانوا يسعون لكسب رضاهم للوصول إلى ما وصلوا إليه من مراكز في المجتمع.
ولا ننكر بأن هناك قليلاً هذبت الأموال نفوسهم وحولتهم إلى ناس يخافون الله في أنفسهم وأهلهم وعرفوا كيف يوظفونها في سبيل سعادتهم وسعادة أبنائهم وينفقونها بما يعود لهم من خير في الآخرة ويتصدقون فيها على الفقراء ولا يبخلون على أنفسهم ولا يكنزونها لأنهم وعوا حقيقة أن الدنيا لا تدوم لأحد وعلى الإنسان أن يبذل قصارى جهده ليترك شيئاً يذكره الناس به، وألا ينسى أصله والسبب في وجوده في هذه الدنيا وأن مرجعه في الأخير إلى التراب.
وبعد الإمعان نكتشف أن الأموال والمناصب في الواقع لا تغير النفوس بل تكشف حقيقة هذه النفوس ورداءتها، فعندما سألوا سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كيف تعرف أخلاق الناس وكيف تعرف فلاناً يستحق وفلاناً لا يستحق؟ قال: إذا أردت أن تعرف معدن الإنسان الحقيقي، أجلسه على كرسي!