مرام بوكمال



تعاني الكثير من الأسر البحرينية من ظاهرة اختفاء مبالغ نقدية أو مجوهرات ثمينة أو أي أغراض أخرى من محتويات منازلهم بصورة مفاجئة من دون أن يشعر أصحاب المنزل في البداية، ولكن عندما تتكرر هذه الحالة مراراً و تكراراً يشعر أفراد الأسرة بالشك والتساؤلات، وأول من توجه إليه أصابع الاتهام من بعد التحقق من أفراد المنزل هي الخادمة. هذه الظاهرة تطرح العديد من التساؤلات لعل أهمها: هل البيئة المعيشية هي السبب في سرقة الخادمة؟ أم ضعف الوازع الديني مؤثراً في تصرفاتها؟ أم السبب هو الإهمال الزائد وعدم حفظ المتعلقات في أماكن مغلقة؟ أم تهاون القانون بخلوه من وجود عقوبة رادعة للخادمة عن هذا الفعل المشين؟ أم كل هذه الأسباب مجتمعة معاً مسؤولة بنسب مختلفة عن تفشي ظاهرة سرقة الخادمات.
خيانة الأمانة
ويعرف أستاذ القانون الجنائي د. محمود العادلي «سرقة المربيات» بأنها سرقة يرتكبها شخص يؤجر خدماته لآخر، على نحو ينقطع فيه لذلك، فيحوز ثقة عامة من مخدومه، وتعتبر صفة المتهم بالسرقة كخادم للمجني عليه وارتكاب جريمته إضراراً به ظرفاً مشدداً للسرقة وفقاً للفقرة الثامنة من المادة 380 من قانون العقوبات البحريني ويعاقب عليها بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات.
وأوضح العادلي أن الأشياء الموجودة في المنزل تقع في حيازة الخادم ولكنها حيازة مكانية بحكم تواجده في المكان ولكن تظل الأشياء الموجودة في حيازة حائزها الأصلي صاحب المكان أو أسرته أو ضيوفه، وعليه فإن قام الخادم باختلاس هذه الأشياء تقوم جريمة السرقة في حقه بشرط انتقال الحيازة الكاملة إليه ( أي يسيطر على الشيء بنية تملكه)، على أن تكون الحيازة الجديدة هادئة ومستقرة، ويتحقق ذلك لو كانت للخادم حجرة خاصة بها وقامت بنقل الشيء المسروق إليها، أما إذا قام صاحب المنزل –أو أحد أسرته أو أحد ضيوفه – بإعطاء الخادم شيئاً لإصلاحه أو لإعطائه لآخر خارج المنزل فهنا يكون الخادم مرتكباً جريمة خيانة أمانة وليست جريمة سرقة، ولاشك في أن قيام المربيات بالسرقة أو بخيانة الأمانة أمر فيه خسة ونذالة مما يستحق معه أشد الإجراءات وأغلظ العقوبات.
وأكد العادلي أن القانون الجنائي هو الحل الأخير الذي يلجأ إليه المجتمع عندما تفشل الحلول الأخرى، لذا الأمر يقتضى على صاحب العمل (المخدوم) أن يتخذ الاحتياطيات اللازمة لمنع المربيات من السرقة أو لتعصيب الأمر عليه، فلا يترك له الأشياء الثمينة أمام الخدم دون وضعها في مكان مغلق.
الإهمال الزائد
وأشار أستاذ القانون بجامعة البحرين د.فاروق خماس إلى أن السبب من وراء سرقة المربيات هو الإهمال الزائد وترك المسؤولية على المربيات وعدم اهتمام أصحاب المنزل بممتلكاتهم وعدم وضع الممتلكات في المكان الجيد ما يغري المربيات بالسرقة. فالقانون لا يحمي المغفلين، مؤكداً وجوب حفظ الممتلكات الثمينة والمجوهرات في مكان جيد وآمن خصوصاً في وقت غياب أصحاب المنزل، وعدم ترك كل المسؤولية على المربيات ويفضل استخدام الكاميرات وأجهزة الإنذار وعدم إعطائها الصلاحية الكاملة للخروج من المنزل في أي وقت وأخذ جواز السفر منها.
وأوضح أستاذ علم الاجتماع بجامعة البحرين د.محمد منصور أن هناك تأثيرات اجتماعية سلبية نتيجة وجود المربيات في المنازل، لكن لو هناك متابعة ومراقبة لا يوجد مشكلة، إضافة إلى عدم إعطائها جميع المسؤولية.
عدم كفاية الأدلة
وأكدت ملازم أول بمديرية شرطة الجنوبية سارة الموسى أن معظم قضايا السرقة لا يوجد معها دليل كاف مثل البصمات أو الصور أو غيرها، فيأخذ بعقوبة الحبس 10 أيام ومن ثم الإبعاد 3 سنوات. وكشفت المواطنة أم فهد أن المربية استولت على مجوهراتها والتي تقدر بـ 10 آلاف دينار وعندما تم القبض عليها أنكرت ذلك وتم إبعادها عن البلاد لأنه لا يوجد دليل كافٍ على اتهامها بالسرقة. ونوه د.فاروق خماس أن القانون يريد إثباتاً مادياً، والقاعدة القانونية تقول: «البينة على من ادعى واليمين على من أنكر»، فيجب على ربة البيت أن تثبت الدلائل.
العين بالعين
وطالبت سارة الموسى بإعادة صياغة القانون بحيث يكون هناك ردع وتشديد في العقوبات مثل المملكة العربية السعودية العين بالعين والسن بالسن مثل قطع يد السارق، إذا تطبقت هذه العقوبات سيكون رادعاً قوياً لكل من تسول له نفسه أن يسرق ويتعدى على حقوق الآخرين.
وأشار أستاذ الشريعة الإسلامية د. ناجي العربي إلى أن ضعف الوازع الديني وعدم تطبيق الحد على السارق هو السبب في السرقة وعدم الخوف لأنه بالنهاية سيطلق سراحه.
وأشارت أم عبدالله أن المربية سرقت جميع مجوهراتها التي كانت تحتفظ بها وبعد التحقيق حول الموضوع تبين أنه تم الاتفاق مع صديقتها الأجنبية من دون أن تشعر وخططاً لسرقة جميع المجوهرات، واشتكت من عدم وجود قانون رادع حول هذه القضايا فيتم إبعاد المربيات إلى بلادهم.
بيئة معيشية متدنية
وأوضح أستاذ علم النفس الاجتماعي د.محمد المطوع أن تدني المستوى المعيشي للمربيات والفقر الشديد الذي تعيشه في بلدها من الممكن أن يولد الحقد الطبقي في نفسها ويجعل تصرفاتها حاقدة على من تخدمهم لرؤيتها النعيم الذي يعيشون فيه بالمقارنة مع وضعها المعيشي في بلدها والفقر الذي أجبرها على خدمة الناس لتوفير لقمة العيش لها ولعائلتها، مشيراً إلى أن الفقر من أول الأسباب التي تجعل المربية تسرق وفي بعض الأحيان يتخلف رب المنزل عن الالتزام بدفع الراتب، أو ضعف الراتب المقدم لها قد يؤثر على نفسيتها. وبيّن المحامي محمد الذوادي أن المكاتب التي تزود المربيات تكون على دراية بقوانين البلد وتوعيتهم بأن العقوبات للسرقة والجرائم الأخرى تقتصر على منع الدخول للبلد والتسفير الفوري، لذلك يتم التمادي من قبل المربيات والتعدي على ممتلكات أهل المنزل بلا خوف ولا رادع ولأن في أغلب الأحيان لا يوجد إثبات أو دليل.