نكتب لنحيا، وتحيا معنا هويتنا وإنسانيتنا، نكتب لنبصر، لنحلق في سماوات الأمل والسلام، فيزداد الكون حبوراً وجمالاً، فبالكتابة تسدل ستائر الجهل والحيرة عن وجه البشرية، لتشرق شموس العلم والحب والحرية. الكتابة هي تلك الجسور المعلقة والممتدة بين الوعي واللاوعي، الحاضر والماضي، الضعف والقوة. نكتب لتتضح الملامح المدفونة وتنقشع الأقنعة المزيفة، نكتب لتتفتح براعم السعادة في الأفئدة المنهكة وليسكن الربيع الأرواح المغبرة، نكتب ليعود التاريخ مزهواً بأروع الانتصارات، فيكشف للعالم ما لم ير بعد، الكتابة هي أنسي وملجئي الدافئ الذي استطعت من خلاله أن أكتشف إنسانيتي ورسالتي في الحياة، فأدركت بأن الكتابة هي العلاج، هي الدواء الشافي والكافي، فعندما تشع يديك بوهج الكتابة الصافي، تحب كل ما يدب فيه الحياة فإذا بآلاف النوافذ تفتح حولك لترى الأكوان المخبأة الأسرار المغفلة فترتقي نفسك لتعانق الثريا.
كانت ومازالت الكتابة الدرع الحصين والسلاح الفتاك الذي تمكن من خلاله كبار الأدباء أن يختزلوا العالم في ورقة! وأن يرسموا تاريخ أمم في كتاب. بالكتابة اندلعت حروب وأطفأت أخرى، لنتصفح كتب التاريخ ونبحث عن سر قيام الثورات المختلفة في جميع دول العالم فسنجد أن ما حرك تلك الجموع الغفيرة هي أبيات شعرٍ أطلقت في لحظة صدق و وغضب وتمرد على الظلم، ورفض للرضوخ والانقياد، هؤلاء الكتاب دفعوا أرواحهم ثمناً لما كتبوا فلم يتوقفوا ولم يتوانوا، كالكاتب الفلسطيني غسان كنفاني الذي ألهبت كلماته الشعوب والمدن وزادتهم تعلقاً بالقضية الفلسطينية ما دفع بعدوه أن ينال منه ويطفئ نار قلمه.
ولايزال العالم يقف منبهرا لما خاطته أنامل الشاعر محمود درويش من كلمات ملتهبة أدارت رؤوس الشعوب لقضيته، واستطاعت أحلام مستغانمي من خلال موهبتها الكتابية الفذة أن تنقل لنا بأدق التفاصيل وأصدق الكلمات معاناة شعبها مع الاحتلال الفرنسي الذي تجلى في كتابها «ذاكرة الجسد».
إن أروع ما تركه لنا الإرث الإنساني هو ما خلفه من كلمات عظام مزجت بالروح قبل القلم، لتشهد على ما مرت به الإنسانية عبر الأحقاب الزمنية المختلفة من معاناة وهزائم وانتصارات، الكتابة هي باب الخلود لكاتبها، فقد مات آلاف الكتاب وبقيت كلماتهم تضئ لنا ما أظلم من دروبنا كما تضئ النجوم أشد السموات حلكة.
مروة البوعركي