سماح علام


الأمومة؛ هل هي معادلة يمكن حسابها وفهمها أم معضلة تتعدى القدرة على الفهم؟ هل هي إحساس غامر ومشاعر صادقة لا يضاهيها شيء؛ أم كيمياء خاصة تربط بين طرفين بعلاقة أقوى وأكثر قوة وجاذبية من علاقة المرأة بزوجها؟!
الأم وإحساسها تجاه طفلها.. تجاه جنينها.. شعورها نحوه.. اهتمامها.. تعلق الطفل بأمه والبحث عنها والالتصاق بها، احتياجه لها بوصفها السكن والسكينة.. هي فطرة لا يختلف عليها؛ بل هي علاقة ديناميكية لا تنتهي حتى بعد وفاة أحد الطرفين لا قدر الله.
هي علاقة تراكمية تبدأ بتحرك الطفل في أحشاء أمه، بإحساسها بنبضه وحركته وصولاً إلى مراحل نموه يوماً بعد يوم وسنة بعد سنة، ليزداد تعلق الأم بطفلها يوماً بعد يوم مع كل تفاصيل الحياة التي يتم مشاركتهما فيها.. من الإحساس والصوت والخوف والأمان، مروراً بمحاولة بلورة الشخصية والاستقلالية، وصولاً إلى مرحلة احترام وإجلال لا تساوي في ثقلها شيء.
كشفت الدراسات العلمية ظاهرة كيميائية فريدة من نوعها تتصل بالعلاقة العاطفية الخاصة التي ترتبط بين الأم وطفلها؛ فقد أعلن الدكتور روبرت بريدجز من كلية الطب بجامعة هارفارد الأمريكية أن مشاعر الأمومة الفياضة؛ مثل رغبة الأم في إرضاع طفلها وإحاطته بعطفها ودفئها، إنما تعود بالدرجة الأولى إلى عمل بعض الهرمونات في جسمها، فالهرمونات طائفة كبيرة في المواد الكيميائية المتخصصة.
وفي فيديو انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تم اختيار مجموعة من الأمهات وأطفالهن، وتم عرض كل طفل وهو مغمض العينين على عشر سيدات بما فيهم الأم الحقيقية، وعلى الطفل أن يكتشف أمه الأصلية من خلال لمسة اليد واحتضان الأم، والمشهد الجميل الذي يلخص هذا الإحساس المتفرد هو قدرة كل طفل ممن لم يتجاوز الخمس سنوات على تمييز أمه دون انحناء الأم إليه ودون إصدار أي صوت!
الأمومة ليست مجرد إحساس وليست بداية تكوين الأسرة التي يبنى عليها المجتمع؛ بل هي هدف أممي في حد ذاته، إذ أفادت الوكالات التابعة للأمم المتحدة ومجموعة البنك الدولي بأن معدل وفيات الأمومة قد تراجع بنسبة 44% منذ عام 1990، وانخفض عدد وفيات الأمومة حول العالم من حوالي 532 ألف وفاة عام 1990 إلى ما يقدر بنحو 303 آلاف وفاة في العام الحالي، وفقاً للتقرير، وهو آخر التقارير التي صدرت في سلسلة تناولت التقدم المحرز في الأهداف الإنمائية للألفية.
وتهدف الاستراتيجية العالمية الجديدة بشأن صحة المرأة والطفل والمراهق التي استهلها الأمين العام للأمم المتحدة في سبتمبر 2015، إلى المساعدة على تحقيق الغاية الطموحة التي تتمثل في خفض معدل وفيات الأمومة إلى أقل من 70 وفاة لكل 100 ألف مولود حي على الصعيد العالمي، على النحو الوارد في أهداف التنمية المستدامة. وسيتطلب بلوغ هذا الهدف زيادة معدل التقدم إلى أكثر من ثلاثة أضعاف، من التحسن بنسبة 2.3% سنوياً في معدل وفيات الأمومة الذي سجل بين عامي 1990 و2015، إلى 7.5% سنوياً بدءاً من العام القادم.
الأمومة اليوم تتعدى المشاعر الفردية لتواجه تحدي الحياة الأكبر، فالقيام بدور (الأم) المثالية يواجه عراقيل حياتية مختلفة مثل العمل، ومواقيت العودة إلى المنزل، والشفتات، والعمل أيام الإجازات وغيرها، فكيف يمكن تحقيق المعادلة الصعبة وكيف يمكن الاقتراب من الدور المثالي المطلوب.
الدين الإسلامي حض على تكريم الأم وأعلى من مكانتها وجعل برها من أصول الفضائل، كما جعل حقها أعظم من حق الأب لما تحملته من مشاق الحمل والولادة والإرضاع والتربية، وهذا ما يقرره القرآن الكريم ويكرره في أكثر من سورة ليثبته في أذهان الأبناء ونفوسهم.
ولنختم بتأمل كلمة «بر»، بمعنى إحسان العشرة والاحترام وخفض الجناح والطاعة وطلب الرضا، عسى أن يجعلنا الله من البارين بوالدينا ويرزقنا بر أبنائنا.