نبيل فوزي

لا يستفز عقلي شيء ما إلاَّ إذا كان هذا الشيء له من الأهمية ما لا يمكن غض الطرف عنه، أو محاولة تبسيطه، أو التقليل من شأنه، خاصة إذا تعلق هذا الأمر بمستقبل وطن.
عند هذه الحالة تتلهف النفس للكتابة، وأراني وقد انسحبت شيئاً فشيئاً من ضجيج عالمنا الذي لا ينقطع، حتى يخفت هذا الصوت، ولم يبق سوى طنين خفيف سرعان ما يتبدد ويزول، ويسود صمت أراه قد فاق صمت القبور.
هذا ما حدث معي عندما كان الموضوع الذي أردت إلقاء الضوء عليه هو ما أصاب شبابنا من حيرة وقلق واضطراب، والمعروف بل المؤكد أن القلق غير الطبيعي وليس الفطري إذا سكن إنساناً، فقل على هذا الإنسان السلام، فلا يُعد من الأحياء، فمن منا يستطيع أن ينكر أن الطمأنينة قد ضلت طريقها إلى صدورنا؟
وبما أن شبابنا هم الثروة الحقيقية للوطن، ومقياس تقدم الوطن مرهون بمنجزات أبنائه وبناته؛ فماذا إذاً تكون جحيم الدنيا التي تسبق جحيم الآخرة، ونحن نرى شريحة ليست بالقليلة منهم وقد انهارت عزائمهم، فلا استجابة لعوامل التحدي ولا حراك، وقد ضاعت حيوية شبابهم، فلا مغامرة ولا تفاؤل بالمستقبل ولا طموح؛ بل انغماس في اللهو العبثي لمستحضرات العصر من مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية التي تبث السموم على مدار الساعة، والتي لا تزيد العقول البليدة إلاَّ زيادة في البلادة والقلوب الميتة مواتاً وقتل للوقت بلا طائل، فأصبحوا لا يعرفون كيف يقضون أوقاتهم المملولة إلاَّ بما لا ينجز لهم شأناً ولا نفعاً، وهذا يبعث على الأسى والحزن..
لكن لكي أكون منصفاً ينبغي ألا نلقي باللوم كل اللوم على الشباب، فقد نلتمس لهم العذر لأنهم وجدوا أنفسهم وقد افتقدوا القدوة والمثل الأعلى الذي يحررهم مما علق في أذهانهم من مفاهيم خاطئة، بأن النجاح في الحياة لا يتحقق إلا بالطرق غير المشروعة، والوصول إلى المنفعة الشخصية من أقرب طريق صدقاً أو كذباً ونفاقاً أو تملقاً، لشيوع المناخ الملوث في واقعنا المعاش.. والمنطق المعكوس الذي لا تخطئه عين بأن من التزم الصدق والأمانة والنزاهة والإخلاص والتفاني في العمل، كان أشقى الناس ومحروماً من أبسط حقوقه، ومن برع في التدليس والنفاق، وتعامل بأسلوب «الفهلوة» تسلق الأعناق واعتلى أرفع المناصب، ومن هم على جهالة وضيق أفق يملأون السمع والبصر، طاردين أصحاب الكفاءات بكل الأساليب الخسيسة ليدفنوا أحياء حتى لا يبقى أمام الناس إلا الخاملون العاجزون.
من هنا اختلت الموازين عند شبابنا؛ فأسقطوا المبادئ الأخلاقية والفضائل الإنسانية من حساباتهم، وتفشت الأنانية المقيتة المخيفة دون حساب للآخر.
لكن أقول لشبابنا؛ أنتم أمل الوطن ورجال المستقبل وقادة الغد، لن تنهض الأوطان إلا بكم، فاحرصوا كل الحرص ألا تهتز عقيدتكم أو تنهار مبادئكم أو تضعف همتكم إذا رأيتم من حولكم وقد فسدت مسالكهم، وضلوا طريق الاستقامة، فهذا فساد في الاستدلال وقصر في النظر، واعلموا أن فطرة الإنسان مجبولة على فعل الخير وتكره السير على غير هدى، كما إنها تنبذ الاعوجاج في السلوك، فلا يصح إلا الصحيح، فلا يستهويكم ما يفعله ضعاف النفوس.
تفاعلوا مع الحياة بكل أفراحها وأحزانها، واطردوا الهم حتى لا يعشش في رؤوسكم ويضعف عزيمتكم، وتجنبوا أسباب اللهو والضياع، وقاوموا مغريات الشر بتمسككم بدينكم وبحسن الظن بربكم، واعلموا أن الأمور تجري بالمقادير، فالإيمان بالله يبعث على الطمأنينة ويملأ فراغ النفس بالأمن والسكينة، وتمسكوا بالعفة وطهارة النفس، واسعوا وراء كل عمل نبيل ينفعكم وينهض بوطنكم، فنجاح الإنسان يتوقف على مسعاه، وبورك من جمع بين همة الشباب وحكمة الشيوخ، وأنتم الأمل، اغتنموا أزهى مراحل عمركم حتى لا يسرقكم اللص الظريف وهو «الزمن»، فكل مفقود يمكن استرجاعه إلا شباب المرء، فهو إن ضاع فلا أمل في عودته، كما قال الشاعر:
يا ليـت الشـبــاب يعــود يومــاً فأخــبــره بما فعــل المشيب
ولا تغيب عنكم أبداً هذه المقولة:
إذا الشعــب يوماً أراد الحيــاة
فـلابـد أن يسـتجــيب الـقــدر
وشتان بين شعب أراد الحياة، وشعب أراد الموت:
اعزم وكد فإن مضيت فـلا تقــف واصبر وثابر فالنجاح محقق
ليـس الموفق مــن تواتيه المنى ولكن من رزق الثبات موفق
اجهـد ولا تكسـل، ولا تك غافــلاً فندامة العقبـى لمن يتكاســلُ
حفظ الله شبابنا من كل مكروه وسوء وأسبغ عليهم نعمة السكينة والهدوء ونفع بهم الأمة..