د. عبد الله الطاهر
من قال إن القانون حمار؟
كنت كثيراً ما أسأل نفسي؛ هل هذه المقولة تندرج تحت لائحة «الإساءة والسباب»؟ وإذا كان ذلك كذلك فأيهما المسبوب...
يقول البعض إن هذه المقولة ورثها الإنجليز من شكسبير وهم يعتقدون أن السبب وراء تلك المقولة هم رجال القانون الذين خلقوا منه حماراً، وهناك رأي آخر يرى أن العبارة شاعت منذ أن استخدمها الروائي تشارلز ديكينز في رواية «أوليفر تويست».
لكن الجميع يتفقون على أنها لم تقل كي تصف الأحوال القانونية في إنجلترا وحدها، بل لتترجم مشاعر الكثيرين في مختلف أنحاء المعمورة ممن تتعرض حياتهم ومصالحهم لأحكام قوانين بالية أو لتفسيرات وتطبيقات متعسفة لقوانين لا تتلاءم مع ما شهده ويشهده المجتمع من حراك وما يتطلبه ذلك من تأكيد التوافق الاجتماعي على منظومة القوانين السارية.
وهذه المقولة تواجهها مقولات رسمية تقول «الجهل بالقانون ليس عذراً» و«القانون لا يحمى المغفلين».
قال لي صاحبي إن الحمار مسكين و«طوفة هبيطة» لكل شيء.
ضحكت في سري واعتبرت أن الحمار قدم مساهمات فذة في طريق التحديث للمجتمعات وعملية انتقالها من التقليد إلى الحداثة، فقد ظل هو المرجع الرئيس لنقل الاحتياجات وهو أقدم وسيلة نقل عرفتها البشرية على الإطلاق، لكنه تعرض للتعسف وإشانة السمعة.
الشرطة المكسيكية قبل سنوات وإمعاناً في استخدام نظرية «الطوفة الهبيطة» ألقت القبض على «حمار» اعتدى على رجلين، وحكمت عليه بالسجن في إحدى الزنزانات جنوب المكسيك، وكان الحمار المسكين قد قام بركل رجلين في مزرعة في ولاية «تشياباس» في جنوب المكسيك، وكان تبرير الشرطة «إذا قام أي ما بجريمة هنا يتم سجنه، بغض النظر عمن هو»!
وليست هذه الحادثة هي الوحيدة في هذه البلدة، فقد اتخذت من قبل إجراءات مماثلة في حق عدد من الحيوانات، من بينها ثور بدد محاصيل الذرة ودمر أكشاكاً خشبية لبيع المحاصيل.
قرأت ذات مرة هذه القصة والتي تقول إن طفلة بواب إحدى المدارس الإنجليزية بمدينة (ليفربول) مرضت وأشرفت على الموت، وكتب ناظر المدرسة إلى وزارة التربية يقول إن البواب استنفذ كل إجازاته حتى يكون قريباً من طفلته، والقانون نص على فصل الموظف إذا غاب عن عمله أكثر من إجازاته المقررة، وهو لا يستطيع أن يطلب من البواب أن يعود إلى عمله الذي يبعد عشرة كيلومترات عن بيته، وهو كأب يحس أن من حق البواب أن يكون قريباً من ابنته وهى تموت!
ولكن كموظف مطلوب منه أن ينفذ القانون، وشخصياً لا يستطيع أن يوقع قرار الفصل الظالم، وبعد ساعات كانت رسالة ناظر المدرسة على مكتب وزيرة التربية، فأصدرت أمرها على الفور بنقل البواب من مدرسته إلى مدرسة تبعد عشرة أمتار من بيته!!
وهكذا تحايلت وزيرة معارف إنجلترا على الحمار!!