الرمادي، واشنطن - (رويترز، الجزيرة نت): لوحت أسر مذعورة بالرايات البيضاء لدى خروجها من منازل مدمرة في مدينة الرمادي العراقية حيث لا تزال القوات الحكومية تواجه مقاتلي تنظيم الدولة «داعش» المختبئين بعد 5 أيام من استعادة الجيش لوسط المدينة.
والرمادي عاصمة محافظة الأنبار وتقع في وادي نهر الفرات الخصب إلى الغرب من بغداد وهي أكبر مدينة يتم استردادها من التنظيم والأولى التي يستعيدها الجيش العراقي منذ انهياره أمام هجوم المتطرفين قبل نحو 18 شهراً. واعتبرت الحكومة العراقية الانتصار نقطة تحول وتقول إن جيشها الذي أعيد بناؤه سيزحف قريباً إلى الشمال صوب الموصل المعقل الرئيس للتنظيم في البلاد وسيهزمه في العراق في 2016.
ومع تقدم طابور للجيش العراقي بالمدينة المدمرة خرجت عجوز من منزل وهي تلوح براية بيضاء مربوطة في طرف عصا وسرعان ما تبعها أطفال وامرأة مصابة على عربة يدوية ورجال يحملون أطفالاً صغاراً بين أيديهم. وارتعدت أوصالهم لدى سماع دوي انفجارات من بعيد. وقال أحد الرجال الذين تم إنقاذهم من وسط المدينة «هم ليسوا مسلمين، إنهم وحوش». وذكر آخر أن المتطرفين قتلوا 7 أشخاص رفضوا الذهاب معهم إلى حي آخر حيث كانوا ينظمون دفاعاتهم.
وقال الرائد سلام حسين إن متطرفي «داعش» يستخدمون الأسر دروعا بشرية. وأضاف أنه تم إنقاذ أكثر من 52 أسرة بالمدينة.
وتحدث ضابط آخر بالجيش قائلاً إن قوات الأمن تستخدم مكبرات الصوت لدعوة المدنيين للتوجه صوب القوات المتقدمة قبل استدعاء ضربات جوية من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على المناطق السكنية التي لايزال المتطرفون يسيطرون عليها.
وأضاف ضابط آخر أن وجود المدنيين يؤخر تقدم القوات شرقا من وسط المدينة حيث يقع مجمع الحكومة الإقليمية الذي سيطرت عليه الأحد الماضي. وقال الضابط «لا تضرب الطائرات الحربية أي هدف في وسط الرمادي ما لم يتم التأكد من عدم وجود مدنيين بالقرب منه». والانتصار الذي تحقق في الرمادي التي استولى عليها «داعش» في مايو الماضي هو بكل المقاييس أكبر نجاح يحققه الجيش العراقي منذ أن فرت قواته تاركة خلفها عربات مدرعة أمريكية في مواجهة التقدم الخاطف لمقاتلي التنظيم الذين اجتاحوا ثلث العراق في 2014 وأعلنوا الخلافة في الأراضي التي سيطروا عليها في العراق وسوريا.
وتقود الولايات المتحدة تحالفا يضم بلدانا أوروبية وعربية يوجه ضربات جوية للتنظيم لكن التحدي الرئيس تمثل في إعادة بناء جيش قادر على انتزاع الأراضي والحفاظ عليها.
وفي المعارك السابقة كان الجيش يقدم الدعم فقط لمقاتلي جماعات شيعية تدعمها إيران برغم ما كان ينطوى عليه هذا من مخاطر إثارة استياء السكان السنة في المناطق التي تخضع لسيطرة «داعش».
وتقوم استراتيجية الحكومة في جزء رئيس منها على تسليم الرمادي لشخصيات عشائرية سنية محلية في تكرار لما حدث إبان حملة القوات الأمريكية في 2006-2007 أثناء ذروة الحرب الأمريكية في العراق عندما حصلت واشنطن على مساعدة من العشائر السنية ضد جماعات متطرفة.
وقال اللواء هادي رزيج قائد شرطة الأنبار إن الشرطة تفحص الذكور الذين بقوا في الرمادي للتأكد من عدم وجود صلة لهم بالتنظيم.
وأضاف أن قوات مكافحة الإرهاب تحرر المدنيين وتسلمهم لشرطة الأنبار التي تملك قوائم بأسماء المطلوبين.
وتابع قوله إنه إذا ثبت مثلاً أن مدنياً له أخ يقاتل مع التنظيم وساعده بمعلومات أو ما شابه فإن الشرطة تحتجزه قبل تسليمه للقضاء بتهم تتصل بالإرهاب.
من جهتها، رصدت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية روايات لنازحي المدينة، وما وصفوه بكابوس الهرب من المدينة التي أعلن الجيش استعادة معظمها من التنظيم، واحتجاز الجيش للرجال من النازحين للتحقيق معهم بعد هربهم.
وتمكن العديد من العائلات من الهرب من الرمادي، في حين لاتزال هناك عائلات عاجزة عن شق طريقها إلى خارج المدينة.
وكانت بعثة الأمم المتحدة ذكرت أن نحو 60 عائلة فقط تم إجلاؤها من بعض أحياء مدينة الرمادي، وأنها وصلت إلى مدينة الحبانية جنوب شرق المدينة. وأضافت البعثة أن عدداً من الجرحى كانوا ممن تم إجلاؤهم.
وتقول النازحة عائشة محمد «31 عاماً» إن مقاتلي «داعش» أتوا إلى الحي الذي يقيمون فيه، وأمروهم بالاستعداد لاصطحابهم معهم إلى جزء آخر من المدينة مع تقدم الجيش.
ولكن العائلة مع سماعها اقتراب جنود الجيش العراقي، انتظرت حتى انتقال عناصر التنظيم إلى حي آخر لكي تسرع بالهرب مع 15 عائلة نحو مواقع الجيش.
وأضافت عائشة «لقد عدونا لمدة 15 دقيقة، فقد كنا نخشى أن يطلق التنظيم النار علينا، ولكنهم لم يرونا».
ولدى وصولهم إلى مخيم بالحبانية، احتجز الجيش الرجال للتحقيق معهم، وهو ما أثار قلق تلك العائلات وأطفالها.
فالطفل زيد «7 أعوام» يقول لـ «واشنطن بوست»، «أريد فقط أبي أن يلتحق بنا» مضيفاً «هو ليس داعشي».
وفي روايته عما كان يجري في الرمادي، قال زيد إنه رأى مقاتلي «داعش» وهم يجلدون الناس في المتجر، مضيفا أن ذلك جعله دائما يعيش في خوف.
بدورها تقول سعاد صالح «19 عاماً» إن عناصر التنظيم «كانوا يعاملوننا كسجناء». وأضافت أنها تشعر بالسعادة الآن، ولكن ينقصها عودة زوجها المحتجز للتحقيق لدى الجيش العراقي.
ويقول مسؤولون عراقيون إن أكثر من 200 عائلة مازالت بالمدينة حيث يستخدمها تنظيم الدولة دروعاً بشرية، مشيرين إلى أن ذلك يشكل أكبر عائق أمام استعادة الرمادي بشكل كامل من قبل الجيش. وفوق كل ذلك، يعاني نازحو الرمادي سوء الأحوال الجوية. فمع كل موجة أمطار، يبرز إلى السطح حجم المعاناة التي يعيشها مئات الآلاف من النازحين، فبعض هؤلاء سكنوا مخيم الغزالية غرب العاصمة بغداد، وهم مثال لتلك المعاناة.
وفر قرابة 4 ملايين شخص من أراض تسيطر عليها «داعش» في العراق أغلبهم من السنة.
ودعا المرجع الشيعي العراقي آية الله علي السيستاني - الذي ساهم تأييده القوي للحملة على «داعش» في حشد الشيعة خلف حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي - إلى الاستعانة بالعشائر المحلية لمنع التنظيم من العودة للمناطق التي يتم استردادها.
وقال في خطبة قرأها ممثله الشيخ عبد المهدي الكربلائي بمدينة كربلاء إن إعادة النازحين إلى منازلهم ينبغي أن تتم وفق آلية محددة. وأضاف أنه ينبغي أن تنسق قوات الأمن مع سكان وعشائر تلك المناطق لضمان ألا تعود العصابات «الإرهابية» مجدداً وتشكل خلايا نائمة تمثل خطراً.