لا يختلف اثنان على أن الاحتلال الإيراني ما وطأ بلداً عربياً إلا وأفسده وخربه وانتقم من أهله وسرق خيراته وأدخله في حروبٍ طائفية وأنشأ ميليشيات ذات أيديولوجية دينية متطرفة، وما لبنان والعراق وسوريا واليمن إلا شواهد على مشاريع هذا النظام التوسعي الفاشي.
وكما إنه لم يوجد من يقول لتل أبيب كفى تهرباً وتوسعاً واعتداءً على حقوق الفلسطينيين، كذلك الحال مع الإيرانيين، فلا يوجد أحد يقول لنظام الملالي الفاشي كفى لعباً بمصير السوريين والعراقيين واليمنيين واللبنانيين، ويطالبه بسحب قواته وميلشياته ومرتزقته من دمشق وبغداد.
وها هي مدينة الأحواز المحتلة العربية المحتلة منذ أكثر من 80 سنة من قبل إيران، والتي همشت وضيعت قضيتها ونسيها المسلمون عامة والعرب خاصة..
وها هي صنعاء، العاصمة الأخيرة، التي احتفت إيران بسقوطه في يد الحوثي؛ فقال مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني، علي رضا زاكاني، والمقرب من المرشد الإيراني علي خامنئي إن «ثلاث عواصم عربية أصبحت اليوم بيد إيران، وتابعة للثورة الإسلامية، وإن صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التي باتت في طريقها للالتحاق بالثورة الإيرانية»، بدأت تكتوي بهذا النوع من الصراع الطائفي عبر ميلشيات الحوثيين الممولة والمدعومة من قبل النظام الإيراني الذي يقود المنطقة لهاوية الحروب طائفية.
يقول الكاتب الكويتي أحمد بودستور «نظام و?ية الفقيه في طهران من أهم أهدافه هو تصدير الثورة وتغيير الأنظمة العربية ونشر المذهب الشيعي عن طريق التدخل بالشؤون الداخلية للدول العربية، ليس بالغزو المسلح، ولكن من خلال خلق أحزاب موالية لنظام الولي الفقيه مثل حزب الله في لبنان تقوم بالسيطرة على مرافق الدولة وفرض سياسة الأمر الواقع، تماماً كما حدث في اليمن عندما سيطر الحوثيون على معظم المحافظات اليمنية، وطبعاً لو? تدخل التحالف العربي بمشاركة بعض الدول الإسلامية لتحولت اليمن إلى لبنان ثانية يحكمها الحوثيون وميليشيا علي عبدالله صالح الموالين لإيران».
ويضيف بودستور «الكيان الصهيوني والفارسي هما وجهان لعملة واحدة ولديهم هدف مشترك وذلك بإثارة حروب طائفية والتستر بالدين، فنجد أن إسرائيل تتستر بالدين اليهودي، وهي في حقيقة الأمر حركة صهيونية لها أهداف سياسية، وكذلك نظام الولي الفقيه فهو يتستر بالدين ولكنه نظام يدافع عن القومية الفارسية ويريد إحياء الإمبراطورية الفارسية».
أما بغداد فكما قال الشاعر:
ضاعت فلسطين الحبيبة منكم
والآن بغداد الرشيد تضيع
وآسفاه.. سقطت عاصمة الرشيد في يد الفرس، ولم تعد بغداد للجاحظ ولا لأبي حيان ولا لأبي تمام ولا للبحتري ولا للكسائي ولا لأبي حنيفة النعمان ولا لأحمد بن حنبل، وبدل اللسان العربي الفصيح لساناً أعجمياً لا يكاد يبين حرف الضاد، ومن العجب العجاب أن العراقيين السنة، أهل السنة، لا يدخلوها إلا بكفيل!
لكن هل أفشي سراً عزيزي القارئ حين أقول إن بغداد سقطت عام 656هـ في يد المغول بخيانة فارسية، وفي 2003م أعاد التاريخ نفسه فسقطت من جديد في يد الأمريكان بخيانة فارسية، فقد ساعدت إيران أمريكا على احتلالها للعراق، وهذا ما اعترفت به الحكومة الإيرانية علناً وعبر عنه محمد خاتمي ونائبه حينما صرح قائلاً: «لولا دعم إيران لما تمكنت أمريكا من غزو العراق وأفغانستان»، وسبقه في ذلك هاشمي رافسنجاني، رئيس تشخيص مصلحة النظام سابقاً في إيران، والذي قال «إن إيران ساعدت أمريكا في احتلال العراق»، وقبلهم قال محمد علي أبطحي نائب الرئيس الإيراني السابق: «لولا إيران لما استطاعت أمريكا احتلال كابل وبغداد»!!
والعراق الذي لم يعرف على مدى عقود من تاريخه الحديث الطائفية أصبح رمزاً للطائفية المقيتة والقتل على الهوية، مقسماً وممزقاً فقيراً ومشرداً، ينخر فيه الفساد بفضل الاحتلال الإيراني.
يقول الكاتب داود البصري «لاشك أن تغيير حكومة نوري المالكي بالطريقة الانقلابية الهادئة التي تمت قد شكلت ضربة حقيقية لكل البناء الإيراني المتراكم في العراق، و الذي وصل في سنوات نوري المالكي الأخيرة لأكثر من مجرد تنسيق؛ بل تحول لاحتلال حقيقي بعد أن أضحى المالكي لعبة إيرانية وضع كل مقدرات العراق وإمكانياته في خدمة الجهود الإيرانية العسكرية والمالية، خصوصاً في الجبهة السورية، وبعد أن أضحى المجال الجوي العراقي مفتوحا بالكامل أمام الطيران الإيراني وعمليات الشحن اللوجستي لخدمة المجهود الحربي السوري، مجيء حيدر العبادي يشكل ضربة حقيقية للجهود الإيرانية رغم انتساب العبادي لحزب الدعوة والذي هو صنيعة السياسة الإيرانية».
ولا يختلف الوضع عن العاصمة الثالثة دمشق؛ وقد لاحظ مراقبون ووسائل إعلام عربية وأجنبية، وقبيل دخول الثورة السورية عامها الخامس، استخدام معارضين سوريين مصطلح «الاحتلال الإيراني لسوريا»، ولكن هل سوريا هي بالفعل تحت الاحتلال الإيراني؟
يقول الكاتب والصحافي الجزائري أنور مالك، والذي نشر مقالاً تحليلياً بعنوان «هل إيران تحتل سوريا فعلاً؟؛ «قبل الجواب عن هذا السؤال المهم والمحوري، يجب أن نعرف الاحتلال حسب القانون الدولي، لنأخذ صورة كاملة عن هذا الأمر، تنص المادة 42 من لائحة لاهاي لعام 1907 على ما يلي: (تعتبر أرض الدولة محتلة حين تكون تحت السلطة الفعلية لجيش العدو. ولا يشمل الاحتلال سوى الأراضي التي يمكن أن تمارس فيها هذه السلطة بعد قيامها)».
ويضيف المالك: «في المعجم القانوني نجد أن الاحتلال هو «اصطلاح يستخدم لوصف الحالة التي تقوم فيها دولة بتأسيس ومباشرة سلطتها ورقابتها -وبأساليب وفي ظروف متنوعة- على إقليم لا يشكّل جزءاً من إقليمها الوطني».
ويشير الكاتب الجزائري «إلى أنه من الملاحظ أن مصطلح الاحتلال ينطبق تماماً على الحالة السورية، ذلك أن إيران موجودة عسكرياً، وتسيطر على مناطق واسعة من التراب السوري، بينها العاصمة دمشق، وتمارس سلطتها الفعلية عبر ميليشياتها المختلفة، ولم يقتصر أمر المليشيات الإيرانية على مرتزقة ومقاتلين وأمراء حروب من دول مختلفة، بل وصل الأمر إلى الحرس الثوري الذي بدأ وجوده في 2012، وأول مرة جرى تشييع عسكريين منه سقطوا في معارك على الأراضي السورية كان مطلع 2013».
يقول الكاتب أنور مالك، الذي شارك أواخر عام 2011 في بعثة مراقبي الجامعة العربية في سوريا: «الحرس الثوري هو أحد أركان القوة العسكرية لدولة إيران الفارسية، وقائده الأعلى هو المرشد الأعلى أو الولي الفقيه، وهذا ما يعني أن أعماله وعملياته العسكرية في الداخل والخارج تتحمّلها الدولة الإيرانية بصفة رسمية».
ومن التناقضات الغريبة التي يعيشها ولي الفقيه في دفاعه عن القضية الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي المغلف بالتقية، احتلاله هو نفسه، ومنذ 44 عاما جزر الإمارات العربية المتحدة، ما يدل على كذب وزيف مزاعمهم، والذي أصبح معروفاً للقاصي قبل الداني، وهو احتلال كما قال وزير الخارجية الإماراتية، الشيخ عبدالله بن زايد «لا يختلف عن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية».
فقبل 48 ساعة من إعلان الاتحاد؛ وفي الساعة الخامسة والنصف من يوم الثلاثاء 30 نوفمبر 1971م، هاجمت القوات الإيرانية جزيرة طنب الكبرى بحراً وجواً بعد محاصرتها من كل الجهات وإحاطتها بسياج من الدبابات، وتم إنزال آلاف الجنود المدججين بالسلاح، كما أنزلت طائرة هيلوكبتر المنشورات على السكان للاستسلام، وتم قصف مركز الشرطة، وقطعوا الإرسال عن الجزيرة، وسيطروا عليها سيطرة تامة بقوة السلاح، وهو فعلاً احتلالاً لا يختلف بكل تأكيد عن الاحتلال الإسرائيلي، ومنذ ذلك اليوم وإيران –كما إسرائيل- تتجاهل مقررات الأمم المتحدة وكل الدعوات لإنهاء الاحتلال بالطرق السلمية.
وتعتبر جزيرة أبوموسى، أكبر الجزر المحتلة، تبعد عن الشارقة نحو 43 كيلومتراً، كانت تسكنها عند الاحتلال نحو مائتي أسرة عربية، وإلى الشمال الغربي من أبو موسى بنحو 24 ميلا تقع جزيرة طنب الكبرى وهي دائرية الشكل يبلغ قطرها ميلين ونصف الميل، وكان يسكنها في ذلك الوقت نحو 300 أسرة عربية، وعلى بعد 28 كيلومتراً من هذه الجزيرة تقع جزيرة طنب الصغرى وهي على شكل نتوء شبه مثلث.
وتكمن أهمية هذه الجزر في موقعها الجغرافي الممتاز، فهي تشرف على مضيق هرمز الذي يعتبر باب الخليج العربي، وتحتل الجزر مركز رقابة قوية على هذا المضيق الذي تمر به ناقلة نفط كل اثنتي عشرة دقيقة، ولذلك فإن القوة التي تسيطر على هذا المضيق تتمكن من التحكم في الطريق التجاري للخليج العربي، وكان ذلك من أبرز الأسباب التي دفعت نظام شاهن شاه لاحتلال الجزر.
يقول الكاتب عبدالهادي الخلاقي «الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، يمثل جزءاً من مسلسل التهديدات التي توجهها إيران إلى دول الخليج العربي فالمشاريع الاستيطانية الإيرانية في هذه الجزر الإماراتية العربية المحتلة منذ عام 1971م تشكل خطراً كبيراً، حيث إن النظام الإيراني يسعى لفرسنة هذه الجزر العربية بالقوة وتغيير هويتها العربية، وعلى دول الخليج العربي والدول العربية أن تسارع لاتخاذ موقف صارم تجاه هذه الممارسات الفارسية على الأراضي العربية المحتلة. ألا يكفي ضياع إقليم الأحواز العربي الذي تم احتلاله من قبل النظام الإيراني بمباركة بريطانية سنة 1925م؟! ألا يكفي ما ألحقته الهيمنة الفارسية من فساد وقتل ودمار للعراق الشقيق؟! ألا تكفي دماء عشرات الآلاف من السوريين التي تُسال بفعل الدعم الإيراني المطلق لنظام الطاغية بشار الأسد؟! مساعي إيران الاستيطانية من القضايا التي لا يمكن السكوت عليها أو التهاون بها حتى لا تضيع هوية السكان العرب الأصليين لهذه الجزر العربية وحتى لا تكون هذه الجزر فلسطين أخرى فالاحتلال له وجهاً واحداً وإن اختلف المحتل وهويته».
والآن هل من الممكن أن نقر باختلاف الاحتلال الإيراني عن الاحتلال الإسرائيلي؟
لا يحتاج المرء إلى كبير جهـد ليجيب على هذا السؤال فأوجه التشابه بين مشروع بني صفيون وبين مشروع بني صهيون يكاد يتطابقـ، بل أن الكف تميل ناحية الاحتلال الإيراني والذي يحتل أراضي عربية مساحتها 16 ضعف مساحة فلسطين!!