نورة العيسى
تعتبر القراءة من أهم المهارات التي تحقق النجاح والمتعة للفرد في حياته فهي الجزء المكمل لحياتنا الشخصية والعملية وهي مفتاح العلوم والمعارف المتنوعة فقد دعا إليها ديننا الحنيف في أول آية نزلت على رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام وهي (اقرأ). كما تمثل القراءة وسيلة اتصال رئيسية للتعلم والتعرف على الثقافات والعلوم المختلفة، وهي مصدر للنمو اللغوي للفرد ومصدر نمو لشخصيته. وللقراءة دور كبير في تقوية شخصية الإنسان حيث يصبح قادراً على الحديث بالمجالس والنقاش مع الآخرين في مختلف المجالات.أما في ميدان التعليم، فالقراءة تعمل على توثيق الصلة بين التلميذ والكتاب وتجعله يقبل عليه برغبة وتهيئ الفرص المناسبة له ليكتسب الخبرات المتنوعة، إضافة إلى أنها تكسبه ثروة من الكلمات والجمل والعبارات.
والقراءة عادة جميلة ومشوقة وخاصة للمثقفين الذي يجدون المتعة في قراءة الكتب وهي بمثابة الغذاء الفكري الذي يزود العقل بالأفكار والمعلومات والحقائق التي من خلالها يزدهر عالمنا المعاصر. هذه العادة الممتعة والتي كانت منتشرة بشكل كبير بين الناس هل ما زالت تحتفظ بشعبيتها لدى الناس؟ هل ما زالت العادة المفضلة لدى الناس كالسابق؟
حالياً لم تعد القراءة تلك العادة المفضلة والممتعة لدى الكثير من الناس وفي الواقع مشكلة العزوف عن القراءة تعتبر مشكلة عالمية. حيث نرى حتى الدول التي كانت شعوبها مدمنة القراءة مثل الشعب الإنجليزي والفرنسي تعاني من هذه المشكلة. ونشرت مجلة (لوبوان) وهي تعتبر من أشهر المجلات الفرنسية تحقيقاً موسعاً عن القراءة تحت عنوان» أنقذوا القراءة « وأوضح عدد من كبار المفكرين حول هذه المشكلة بأن الكتاب يتعرض منذ سنوات لمنافسة مع وسائل الاتصال الاجتماعي مثل التلفزيون وألعاب الفيديو والإنترنت. وأكدت التحقيقات والدراسات أن نسبة الإقبال على القراءة قلت بشكل كبير في الولايات المتحدة الأمريكية.
أما في الدول العربية فالأرقام مفزعة، حيث إن كل 300 ألف عربي يقرؤون كتاباً واحداً، ونصيب كل مليون عربي هو 30 كتاباً، وينفق على التعليم الأساسي في العالم العربي 6 مليارات دولار سنوياً، وهذا رقم صغير بالمقارنة مع 1.100 مليار دولار تذهب إلى الإنفاق العسكري، و300 مليار دولار إلى الإعلانات، و500 مليار دولار ينفقها العرب على التبغ كل عامٍ. وتقول بعض الإحصاءات إن المواطن لا يقرأ سوى ثلث صفحة في السنة. ولكن ما هي الأسباب الرئيسية لمشكلة العزوف عن القراءة في عالمنا العربي؟
وأشار رئيس جمعية المكتبات والمعلومات الأردنية د.ربحي عليان أن الفرد أصبح يعلم بأن الصحف والمجلات ليست هي المصدر الوحيد للمعلومات بل ظهرت وسائل أخرى مثل الفيديو والتلفزيون والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي تجمع بين المعرفة والمتعة في آن واحد مثل النظر والسمع والراحة ومن ثم القراءة. على عكس القراءة فهي تحتاج إلى التركيز والهدوء. وأوضح عليان أن وجود بعض الوسائل التي من شأنها تنمية وتعزيز عادة القراءة حيث يجد ضرورة تعويد الطالب على الدخول إلى المكتبة في سن مبكرة لكي يتخذها عادة له منذ صغره، ويجب غرس عادة القراءة عند الأطفال في سن مبكرة لكي يعتادوا عليها وتصبح جزءاً من حياتهم فالعلم كالبذرة تنمو مع الطفل. أما بالنسبة إلى الأساتذة في المدارس والكليات فعليهم استخدام طرق تدريس الطلبة على القراءة والبحث العلمي. كما يجب على الحكومة الاهتمام بالمكتبات العامة والمتنقلة ونشرها في أنحاء الدول. أما بالنسبة لوسائل الإعلام الجماهيرية فعليهم تشجيع القراءة من خلال تقديم البرامج التي تسهم في ذلك ودعم المؤلفين والناشرين بالإضافة إلى توفير الكتب والمجلات للجمهور بأسعار معقولة تكون في متناول الجميع.
وقالت الموظفة بالمكتبة العامة بالبسيتين ابتسام راشد إن زمن القراءة لا زال مستمراً ولكن أصبح القليل منا يمارسه وذلك يعود للمسبب الرئيسي ألا وهي التكنولوجيا الحديثة. حيث قالت: على الرغم من وجود كتب إلكترونية يستطيع الفرد ان يقرأها وقت ما يشاء وبالمجان أيضاً لكن مع الأسف لا زالوا لا يقرؤون وهذا يعود إلى كثرة انشغالهم بالتكنولوجيا وأمور الحياة. وأكدت راشد أن الإنترنت جعل الناس في غنى عن القراءة بحيث يستطيعون الحصول على المعلومات في أماكنهم من غير بذل أدنى مجهود. وأضافت أن الأطفال في هذا الزمن أصبحت القصص لا تلفتهم فهم وراء الألعاب الإلكترونية وألعاب الفيديو (البلايستشين) التي أخذت كل وقتهم . حيث ذكرت تجربتها الخاصة مع ابنها إذ على الرغم من إلحاحها الشديد عليه بالقراءة بين كل فترة لكن مع الأسف بلا جدوى فالألعاب سلبت عقولهم. كما أوضحت أن عدم ممارسة القراءة له تأثير سلبي على حياة الأفراد حيث القراءة هي التي تغذي العقل والفكر وهي التي تنمي العلاقات الاجتماعية والأسرية فعدم ممارستها من الممكن أن يعرقل مسار حياتنا.
وأكدت طالبة الإعلام فرح الفرح أن العزوف عن القراءة يعود إلى انتشار وسائل الإعلام المختلفة وإقبال الناس على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل مبالغ فيه والتي أصبحت تنافس الكتاب بشكل كبير. بالإضافة إلى شعور معظم الناس وخصوصاً المراهقين بالملل والكسل عند القراءة. عدا عن غياب الروح التشجيعية في المؤسسات الثقافية وبين أفراد الأسرة وغياب مفهوم التعليم والتثقيف الذاتي عند أفراد المجتمع والبعد عن الأجواء العلمية وعدم التحمس لها. كما قالت: «لا أعتقد أن السبب وراء عزوف الناس عن القراءة يكمن في ارتفاع أسعار الكتب أو المجلات، فسعر الكتاب أو المجلة قد يكون أقل من سعر شريط فيديو، لكن أعتقد ان السبب هو معرفتنا بأن الكتاب أو الصحيفة أو المجلة ليست مصدر المعرفة الوحيد، فهناك التلفزيون، والفيديو والإنترنت وغيرها من الوسائل التي تجمع بين متع متنوعة في نفس الوقت مثل النظر والسمع والإثارة والراحة والسهولة وأخيراً الفائدة». فبالتالي عزوف العالم العربي عن القراءة قد يؤدي إلى تدني المستوى المعرفي لدى الناس وقلة نسبة الثقافة العامة عند الأغلب وعدم تمكن الفرد من الكتابة والتحدث بطريقة متقنة وعدم وجود الإبداع والتطور بالإضافة إلى تضييق مدارك الإنسان وقدراته العقلية.
وأوضحت الفرح نحن كمثقفين يجب ألا نهمل القراءة فهي عادة جميلة ورائعة. فيجب على الأب والأم أن يكونوا قدوة لأولادهم في هذا المجال، فإذا كان الأب والأم قارئين سيكون الولد قارئاً مثلهما كما عليهما اختيار الكتب المناسبة التي تشجعهم على القراءة والتي تناسب ميولهم. بالإضافة إلى الوعي بفوائد القراءة ومعرفة أهميتها في حياتنا ودورها الكبير في المجتمع، كما يجب تقليل استخدام الملهيات قدر الإمكان على سبيل المثال وسائل التواصل الاجتماعي ففي وقتنا الحالي فهي تأخذ أغلب وقتنا. وأيضاً نستطيع اتباع الأساليب التشجيعية للأولاد مثل القراءة الجماعية فهي تعتبر إحدى الطرق المشجعة للقراءة، وتوفير الكتب بمختلف أنواعها في أكبر عدد ممكن من الأماكن المختلفة كالمكتبات والجامعات والمساجد وغيرها.