مضايا - (وكالات): تحكي مدينة مضايا السورية التابعة لمنطقة الزبداني في ريف دمشق، قصة أهالي قضى عشرات منهم جوعاً بينما فقد الباقون الأمل بالحياة بعدما حرمهم حصار جيش الرئيس بشار الأسد وميليشيات «حزب الله» الشيعي اللبناني حقهم بالأكل، وحتى أوراق الشجر التي يقتاتون عليها باتوا يتخوفون من انقطاعها، من دون أن يحرك ذلك الضمير الإنساني، بينما يرفع الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصرالله شعارات الظلم والقهر والاستبداد في خطاباته.
وينتظر المدنيون في المدينة والبالغ نحو 42 ألف شخص أي لفتة إنسانية لإدخال مواد غذائية إليها وهي التي تدفع ثمن معركة الزبداني وما نتج عنها من حصار.
ويتراجع الأمل لدى السكان يوماً بعد يوم بعد يوم وتتضاءل فرصهم بالحياة، خاصة أنه لم يعد هناك قطة أو كلب على قيد الحياة في البلدة، يتغذون عليها، كما إن الأهالي يتخوفون من أن تنتهي أوراق الشجر التي يقتاتون منها، وبات وصف الوضع بـ «المأساوي» تجميلاً له مقارنة بما يحصل على أرض الواقع.
لكن الإنسانية على ما يبدو لم تكترث حتى الساعة بواحدة من أقسى المجاعات التي شهدتها الحرب السورية، حيث تظهر الصورة القاسية التي يبثها الناشطون حجم الجريمة التي يتعرض لها سكان المدينة.
وشغلت مضايا خلال الأيام الماضية وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الدولية. وانتشرت على وسائل التواصل صور وأشرطة فيديو لأشخاص من مضايا بدا عليهم الوهن الشديد وقد برزت عظامهم من شدة النقص في المواد الغذائية. ونشرت المواقع صوراً لقوات جيش الأسد وقد كتبت على الطرقات المؤدية للمدينة عبارة «الجوع أو الركوع» في إشارة منها إلى أن سكان مضايا أمام خيارين، إما الركوع للنظام وموالاته أو الموت جوعاً جراء الحصار الخانق عليها.
وعلى موقع تويتر، أعرب كثيرون عن تضامنهم مع مضايا وانتشر هاشتاغ مضايا_تموت_جوعاً. وكتب أحدهم «نحن في القرن الواحد والعشرين مازال الإنسان يموت جوعاً تباً لهذا العالم».
وعلق آخر «الحرب تظهر وحشية الإنسان (...) كيف يموت الإنسان جوعاً في هذا الزمن!».
وأخيراً، وافقت حكومة الأسد على إدخال مساعدات إنسانية الى البلدة المحاصرة، بعدما انتشرت صور سكانها وقد برزت عظامهم من شدة الجوع في وسائل الإعلام العالمية، مثيرة صدمة وتنديداً واسعاً من المدافعين عن حقوق الإنسان.
وأعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية واللجنة الدولية للصليب الأحمر تلقيهما موافقة الحكومة السورية على إدخال مساعدات إنسانية في أقرب وقت إلى 3 بلدات سورية، هي الفوعة وكفريا في محافظة إدلب شمال غرب البلاد ومضايا في ريف دمشق.
وأكد المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي في سوريا بافل كشيشيك أن «اللجنة الدولية للصليب الأحمر حصلت على موافقة لإيصال المساعدات إلى مضايا والفوعة وكفريا»، مشيراً إلى أنه «من المرجح أن تكون قافلة مساعدات مشتركة بين الأمم المتحدة والهلال الأحمر العربي السوري واللجنة الدولية للصليب الأحمر».
وأشار إلى أن المباحثات جارية حول التوقيت «وهناك بعض النقاط التي يجب توضيحها»، لافتاً إلى أن «المساعدات لن تصل قبل الأحد».
ونقلت الأمم المتحدة عن «تقارير موثوقة بأن الناس يموتون من الجوع ويتعرضون للقتل أثناء محاولتهم مغادرة مضايا التي يعيش فيها نحو 42 ألف شخص». وقال كشيشيك «هناك نقص في كل شيء في البلدة. منذ مدة طويلة، يعيش السكان في ظل غياب المواد الأساسية من طعام ودواء ولا يوجد حتى كهرباء أو مياه».
وتابع «يستجدينا السكان من أجل حليب للأطفال (...) لأن الأمهات غير قادرات على الرضاعة».
وروى سكان أن الغذاء المتبقي يتمثل بالأعشاب أو المياه المملحة.
وتحاصر قوات النظام والمسلحون الموالون لها قرى عدة في ريف دمشق منذ أكثر من سنتين، لكن الحصار على مضايا تم تشديده قبل نحو 6 أشهر. وهي واحدة من 4 بلدات سورية تم التوصل إلى اتفاق بشأنها في سبتمبر الماضي بين حكومة الأسد والفصائل المقاتلة ينص على وقف لإطلاق النار وإيصال المساعدات ويتم تنفيذه على مراحل عدة. وبموجب الاتفاق، تم الأسبوع الماضي إجلاء اكثر من 450 مسلحاً ومدنياً من الزبداني ومضايا المتجاورتين ومن الفوعة وكفريا الخاضعتين لحصار فصائل معارضة.
وكان من المقرر بعد انتهاء عملية الإجلاء السماح بإدخال مساعدات إنسانية وإغاثية إلى البلدات المحاصرة، إلا أن الأمر لم يحصل. وبحسب بيان الأمم المتحدة، فإن آخر قافلة مساعدات دخلت إلى مضايا كانت في 18 أكتوبر الماضي. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن عناصر النظام والمسلحين الموالين له زرعوا منذ سبتمبر الماضي «ألغاماً في محيط مضايا، وفصلوها عن المناطق القريبة منها بالأسلاك الشائكة لمنع أي عملية تسلل منها وإليها». وأسفر الحصار المفروض على مضايا، بحسب المرصد، عن وفاة العشرات بينهم أطفال ونساء، بسبب النقص في المواد الغذائية، وآخرون جراء الألغام أو إصابتهم برصاص قناصة أثناء محاولاتهم تأمين الغذاء أو جمع أعشاب عند أطراف المدينة.