جعفر الديري
اقترب كثيراً من الفلل الفخمة، حتى أصبح لا يفصله عن من فيها سوى أمتار قليلة!.
كان في نحو العشرين. قوي البنية. يرتدي بنطالاً «جينز» وقميصاً سميكاً. بشرته أقرب إلى السواد، ووجهه أشبه بمصباح ذبالته على وشك النفاد، بعينين جاحظتين متعبتين!.
أحس برغبة شديدة في التدخين، فتوجه إلى أقرب بقالة، واشترى نوعاً فاخراً من الدخان، ثم راح يدخن في شره وعيناه تتأملان الشارع المسفلت، والعشب الأخضر الممتد على مساحات واسعة، والشجيرات الضخمة على طول الطريق.
وقال لنفسه: «سامحك الله»!. وعلت وجهه تكشيرة مرة زادت ملامحه تجهماً ووحشية. بصق على الأرض في احتقار، بينما راحت أعين الناس «المودرن» تتفحصه في استنكار!.
«هؤلاء حثالة في ثياب أثرياء». خاطب نفسه، وعيناه تنصبان على سيدة أوروبية جميلة في ثياب حمراء أنيقة، يتقدمها كلبها. ابتسمت، وبدلاً من أن يبادلها الابتسام، زوى بوجهه، فسارعت إلى الابتعاد!.
أخرج فطيرة المربى من جيبه، وراح يلتهمها جاهداً في إثارة غضب جميع من ينظر إليه. بدت أعين الجميع وكأنها وجدت في الشاب شيئاً ظريفاً ملفتاً للنظر، لكنه لا يستحق أكثر من ذلك! غير أن ثلاثة شبان كانوا يراقبونه من فوق الكرسي في الأرض الخضراء تقدموا منه.
شباب أقوياء، عضلاتهم صلبة، بفعل التمرين في الصالات الرياضية. هو أكثر من يدرك ذلك. لكنهم لم يحركوا الخوف فيه، بل إنه أحس برغبة تتحرك في نفسه لمصارعتهم. أبناء الذوات هؤلاء أشبه بحجر البحر، لا قوة لهم أمام شاب عركته الحياة ولوحته الشمس!.
ابتسم ساخراً وعيناه تنصبان حقداً وضغينة، وكلما اقتربوا منه، لوح بذراعه، شاداً عضلاتها.
ثار جنون الشباب، كأنما ركبهم الشيطان، تطلعوا إلى بعضهم، وكل منهم يمني نفسه بلطم الدخيل المتغطرس. لكنهم سرعان ما تراجعوا أمام الشاب، الذي أصبح أشبه بتنين ينتظر متى يقذف نيرانه!. كأنّما الغضب المتجمهر في قلبه طوال أعوام عدة وجد فرصته لينطلق حارقاً الأخضر واليابس!.
سارعوا بالابتعاد!، فأدرك أنهم سيستدعون رجال الأمن. مضى راكضا، وهو يجاهد نفسه أن لا ينظر للخلف، مردداً في حزن «كان يمكن أن أعيش هنا»!.