زهراء حبيب
قال وكيل النيابة العامة، إن المتهم إبراهيم شريف الأمين العام الأسبق لجمعية «وعد»، حرض الأطفال على التضحية بأرواحهم لتغيير نظام الحكم المرسوم بالدستور بالقوة وبوسائل غير مشروعة، بينما حددت المحكمة الكبرى الجنائية الرابعة جلسة 24 يناير الحالي لحسم القضية، مع استمرار حبس المتهم.
وطالب القرشي في مرافعة النيابة العامة أمام المحكمة أمس، بإنزال أقصى عقوبة بحق المتهم، لافتاً إلى أن المتهم ادعى أن السلطة همشت طائفة من المجتمع. وأضاف أن إبراهيم شريف ارتكب جناية الترويج لتغيير النظام بالقوة وبوسائل غير مشروعة، بينما قدم المتهم مرافعة مكتوبة وأخرى شفهية، وأعاد أمام المحكمة ذات التبريرات بأن شرعية النظام ليست محل شك.
التضحية بالأطفال
وقال القرشي إن الجرائم النكراء المرتكبة من قبل المتهم بعد فترة وجيزة من العفو عنه فيما أدين به عام 2011 عن ذات تهمة الترويج على تغيير نظام الحكم بوسائل غير مشروعة، لتكشف النقاب عن أجندته وخطته المتواصلة، إذ لم تردعه فطرته ليسلك النهج القويم، ومشاركة المجتمع أسوة بغيره للحفاظ عليه والعمل لما فيه خيره وصلاحه وصلاح أبنائه. وأضاف أن العقاب والسجن لم يردع المتهم أو يوقفه، بل إنه عاد بأفكاره مستغلاً الأحداث اليومية العارضة ليربط بها بين مقاصده ونواياه، فكانت هذه المرة من نصيب الأطفال الأبرياء، دون أن يكترث لخطورة كلماته وتأثيرها عليهم، بدعوتهم للتضحية سبيلاً لتغيير نظام الحكم في البلاد.
وأكد أن «التأويلات التي ساقها المتهم لا تشفع له عند عدالة المحكمة، وهو السياسي المحنك والأمين العام السابق لإحدى الجمعيات السياسية، فإن كان لم يقصد ما قال، فلماذا قاله؟ وإن كان يقصد معنى بخلافه، فلماذا لم يقله؟ أم تراها البطولة المصطنعة أمام الناس والنكوص المخزي عند المساءلة؟».
وقال القرشي «لا غرو أن استقرار البلاد واستتباب الأمن والأمان هدف أساسي ننشده، نضمن به لهذا المجتمع عيشاً رغداً وموئلاً آمناً رحباً، والأمر يلزمه عمل مخلص وتفان في خدمة الناس، مصحوباً بمقامات أخلاقية ومبادئ إنسانية وحفظ للثوابت والأعراف، ولهذا كان دورنا، ودوركم من قبل عدالة المحكمة من خلال ما تصدرونه من أحكام، هو تطهير هذا المجتمع، ثم توطين القيم وإرساء الأخلاق والمثل». وأضاف «لن تصادفنا صعوبة أو ثمة عائق، فالأمر جد يسير، إذ الحقوق والأمانات والعهود والمواثيق مرعية في كتاب الله وسنة نبيه، التزامات الراعي والرعية نحفظها عن ظهر قلب محفوظة في أعرافنا قبل أذهان، وعلى هذا كان شاغل النيابة دائماً قطع دابر المفسدين أياً كان منحى إفسادهم، وأن على الكل من الآن فصاعداً، أن يرعي العموم لا الخصوص، فلسنا في حاجة إلى المتفرد بذاته على حساب هذا المجتمع، فيما نحن في حاجة إلى الوحدة والتآخي».
وأردف «لسنا في حاجة إلى العابث بالقيم، المجترئ على مبادئنا، فيما نحن في حاجة ماسة لأن نستمسك بها ونجتمع عليها، أما من رأى غير ذلك عن عنتٍ وإصرار، فليغادرنا أو ليتخذن مستقره في غيابة السجون».
وتابع «ها هو المتهم، الذي ما لبث أن أسبغ الله سبحانه وتعالى عليه بنعمة الحرية، واختاره ليكون ممن وهبهم الخروج من ظلمات عقوبته وحبسه، ليكون وعى الدرس وفهمه، وليكون عبرة وعظة حسنة لغيره من الناس يخشون ما أصابه، ويبتعدون عما اقترب منه وأذاقه، ولينقل لهم عما قاده تفكيره وسلوكه الخاطئ ليكون ناصحاً أميناً».
الدعوة للموت وتأجيج الفتن
وأكد أن المتهم عاود ما اقترفته يداه بكل جرأة وعناد بدلاً من الحمد والثناء، فما كان منه إلا أن خرج علانية بدعوة صريحة للخروج في ثورة على نظام الحكم الدستوري القائم في البلاد، ومجابهة السلطات الشرعية، وتقديم التضحيات لحد الموت في سبيل تحقيق مأربه بتغيير نظام الحكم المرسوم بالدستور، مدعماً فكرته بادعاءات مغرضة نسب فيها إلى السلطة تهميشها طائفة من المجتمع وممارستها التمييز وسرقة الحقوق. وأوضح أن المتهم تلفظ بعبارات صريحة لا يداخلها لبس أو غموض، يقيم في حقه جناية الترويج لتغيير النظام السياسي للمملكة بالقوة وبوسائل غير مشروعة، وجنحة التحريض علانية على كراهية نظام الحكم المؤثمتين بالمادتين 160 و165 من قانون العقوبات.
ولفت القرشي إلى أن جرائم إبراهيم شريف النابعة من وحي فكره ومن مبعث كلماته، اختار لها الزمان والمكان المناسبين لتجتمع لديه الفرصة السانحة لتحقيق غرضه ومقصده لترويج دعواه، في اجتماع تأبين، ووسط ذوي أحد المتوفين وغيرهم من الحاضرين المستمعين سواء المهتمين أو العابرين، من الكبار والصغار، من الرجال والنساء ومن الشباب والأطفال، فلم يتأخر عن تلبية الدعوة لتجميع أفكاره الطائشة البائسة، ويلقيها على مسامعهم ليؤجج الفتنة.
وذكرت النيابة العامة في مرافعتها بكلمات المتهم في التجمع، وبدوره أقر واعترف بأنها صدرت عنه عند مواجهته بها بالتحقيقات، فأجاب بأنه هو الشخص المشاهد في الفيديو بالصوت والصورة.
وسردت النيابة عبارات المتهم، حيث بدأ كلمته بالقول «إن فكرة التغيير إذا حان أوانها فإن التضحية تكون واجبة».
وقالت إن المتهم لم يترك مجالاً لمفكر أو متحير للبحث عن مقصده بالتغيير بطريق التضحية حتى أطلقها صريحة «أن التضحية واجبة، وأن المتوفى حسام الحداد هو من أولئك الشجعان الذين تقدموا الصفوف».
وأضافت النيابة أن المتهم استرشد واستند في تحريضه وتشجيعه بمأثور عمن هو على نزقه «الرجل الحر لا يفكر في شيء أقل مما يفكر في الموت».
وأكدت أن شريف ما لبث أن وجه دعوته ونداءه للأطفال للتضحية بأنفسهم فقال «يجب أن تكون التضحية نقية حتى تقبل، حيث إن حسام الحداد كان نقياً إذ لم يلبث أن خرج من مرحلة الطفولة إلى الشباب حين قدم تضحيته»، قبل أن يضيف «يجب أن يكون الضحية نقياً وأنا لا أعتقد أن في هناك أكثر نقاء من الطفولة».
وأوضحت أن المتهم دعا وحرض الناس بمن فيهم الأطفال الغر، للخروج في ثورة وقتال من أجل تغيير نظام الحكم، وأن يضحوا بأنفسهم، وفي مقدمتهم الأطفال من ذوي النفس النقية. واستذكرت قول المتهم «الثورة لم تخمد فهي جمر تحت الرماد، تحتاج أن ينفث في الهواء لتشتعل، وهي متقدة في قلوب الشباب ينتظرون اللحظة المناسبة ليقوموا بحراك أكبر قد يفوق حراك فبراير 2011». وقالت النيابة إن المحكمة تدرك تماماً مجريات أحداث عام 2011، قبل أن تتابع بمرافعتها «ليس الماضي بغائب عنكم، وليس ما وقع مجهولاً لديكم، وليس هذا الشعب إلا ما بين مجربٍ أو مبتلٍ أو شاهدٍ لما اجترحه هذا المتهم وصحبه المدانون فيما وقع منهم خلال الأحداث، من بيع للوطن، بعث للطائفية، بث للفتن، قتل وتنكيل، خطف وتغييب، ترويع وترهيب، قطع للطرق، إشعال للحرائق، احتلال المباني وتقويض الأمن العام والخاص».
التحريض ضد النظام
وبينت النيابة أن المتهم انتقل في كلمته العلانية بأفكاره المقيتة لكي يتحقق من تثبيت فكرته الأولى وزرعها في أذهان الناس «تغيير النظام والسلطة»، بأن يجد لهم سبباً يحببهم ويشد أزرهم عليها، وهي لا تكون إلا ببغض وتوصيف من دعا للخروج عليه ومهاجمته ألا وهي «السلطة».
وقالت إن شريف وضع الصفات السيئة والمستفزة ولصقها بالسلطة، فهذا هو ديدن أمثاله المفلسين الذين لا يواجهون الحق والواقع إلا بدغدغة مشاعر الناس بالشائعات والنكايات، ويأتي ذلك من صميم كلماته وعباراته وأولها العنف حين قال بأن العنف هو «ملعب الحكومة وهو ساحتها».
وتطرقت النيابة إلى فكرة استنبطها شريف من وحي خياله وعقله حيث قال «الحكومة تهمش فئة من المجتمع في حين تميز الأخرى، الحكومة فاشلة مهما غلفتها ووضعتها في أجمل علبة في أجمل غلاف».
وطالبت النيابة بإنزال أقصى عقوبة بالمتهم مع مراعاة كونه عائداً، مستندين ومتمسكين بما حوته الأوراق من أدلة دامغة قاطعة، لا لبس فيها ولا غموض، كلمات وعبارات ذات دلالات ومقاصد وغايات واضحة وضوح الشمس لا يستطيع المتهم أن يخفيها أو يتملص منها بأي وسيلة، أطلقها مدوية أمام الجموع من الناس ليدغدغ بها مشاعرهم ويستلب عقولهم بهتاناً وجوراً.
من جانبه قدم المتهم إبراهيم شريف مرافعة مكتوبة بخط يده عبارة عن أربع صفحات وترافع شفاهة، وأعاد أمام المحكمة ذات التبريرات بأن شرعية النظام ليست محل شك. عقدت الجلسة برئاسة القاضي علي الظهراني.