يرى الدكتور محمد عيسى الكويتي، المهتم في مجال التنمية، أن وجود النفط بكميات كبيرة في البحرين، وفي الخليج على وجه العموم، خلق نوعاً من الاتكالية على الدولة مقترناً بنوع من البذخ في الإنفاق، سواء من قبل الدولة أو المواطنين، والتي لم يكن لها داع، هذه الاتكالية أثرت على قيم المجتمع البحريني، حيث تم تداول مجموعة من القيم الدخيلة وأصبح الأساس في التوظيف والترقية والحصول على المنافع العامة مرتبطاً بالواسطة والمحسوبية.
وكل ما سبق يأتي كإحدى السمات السلبية للدولة الريعية، حيث إن السلطة هي المتحكم في كل شيء، تمنح ما تشاء وكيف تشاء حسب ما يناسبها ويحقق أهدافها، ضمن أهداف سياسية واضحة.
أما من الناحية الاقتصادية فيرى الدكتور الكويتي أن الدولة هي التي تملك الثروة، وهي المتحكم الأول في حركة الاقتصاد، مما ساهم في خلق فكرة عدم الحاجة إلى المجتمع، بل على العكس تماماً فإن المجتمع هو من يحتاج الدولة ويعتمد عليها في كل مناحي حياته، حيث إنه لا توجد تبادلية في تقديم الخدمات بين المواطن والدولة، والأساس في علاقة الدولة بالمجتمع أن يكون المواطن هو المتحكم في سياسة الدولة، فيما يقتصر دور الحكومة على تنفيذ البرامج والخدمات التي يحتاجها المواطن، وهو ما لا يحدث في الدول الريعية، حيث إن الدولة هي صاحبة القرار الأول والأخير.
ويتطرق الدكتور الكويتي إلى العناصر المؤثرة في المجتمع، وأولها القطاع التجاري، صاحب الثقل الأكبر، ويرى أنه أصبح غير قادر على أداء دوره، ففي الدول الريعية أصبح رجال الأعمال والتجار بحاجة ماسة إلى الدولة لتسيير حركة تجارتهم، وبالتالي فقدوا قدرتهم على التأثير أو مواجهة القرارات الحكومية خوفاً على مصالحهم.
أما العنصر الثاني فهم رجال الدين، ويرى الدكتور الكويتي أن المجتمع قد فقد دورهم المؤثر أيضاً لارتباطهم بما يتحقق لهم من مصالح وفوائد من الدولة، وفي الأساس من الواجب أن يكون لديهم استقلالية للوقوف مواقف أخلاقية في قضايا المجتمع، ويضرب الدكتور الكويتي مثلاً قضية الإجهاض وزواج المثليين في المجتمعات الغربية، حيث وقفت الكنيسة ضد تمرير هذه القوانين لأنها مؤسسات مستقلة في إيراداتها ولا تعتمد على الدول، مستذكراً مواقف بعض رجال الدين في البحرين إبان فترة الأربعينات من القرن الماضي، حيث كانت الأوقاف لها استقلالية تامة عن القرارات الحكومية.
العنصر الثالث الذي تطرق له الدكتور محمد عيسى الكويتي هو فئة المثقفين، والذي تحول كثير منهم إما إلى موظفين في الدولة أو أن يكون له مصالح مباشرة معها، وبالتالي أصبح المجتمع يقاد من قبل مجموعة لهم مصالح ضيقة مرتبطة بالدولة، ما ساهم في أن تفقد الدولة والمجتمع على السواء من يرشدها ويقيم قضاياها بموضوعية واستقلالية.
ما المخرج؟
يرى الدكتور الكويتي أن البحرين، ودول الخليج العربي بشكل عام، تمر بطور تحول مهم للغاية وذلك مع انخفاض عائدات النفط، المورد الأساسي لإيرادات الدول، وهو ما سيفرض على هذه الدول البحث السريع عن بدائل حقيقية، وسيقلص بالتالي بعض الخدمات، وسيفرض على المواطن نمط حياة جديداً لم يعتد عليه طيلة العقود الماضية.
كل ذلك، في رأي الدكتور الكويتي، سيساهم في خلق أسئلة جوهرية ومهمة؛ وسيدفع المواطن إلى المطالبة بدور حقيقي في الرقابة من والمساءلة من خلال برلمان قوي وقادر على انتزاع حقوقه ومراقبة أداء الحكومة وبرامجها المختلفة.
دور المجتمع المدني
يعتقد الدكتور الكويتي أن هناك ضعفاً كبيراً في إدارة مؤسسات المجتمع المدني لارتباطها، هي الأخرى، بمصالح مع الدولة من خلال التمويل وإدارة البرامج، منوهاً إلى أن هناك فرقاً بين ما يقدم لهذه المؤسسات ضمن قانون ونظام محدد ومعروف وبين ما يقدم كهبات من الدولة.
مفاهيم مغلوطة
يشير الدكتور محمد عيسى الكويتي إلى خلط كبير في مفاهيم الدولة والحكومة لدى أغلب الناس، فالدولة كما يرى هي ملك للجميع ولا يجب أن تخضع للحكومة بأي شكل من الأشكال، وإنما واجب الحكومة هو إدارة الدولة ضمن ضوابط وأسس واضحة من الشفافية والتعامل، وتكون قابلة للمساءلة والمناقشة وحتى إلى العزل.
أما المفهوم الثاني، حسب الدكتور الكويتي، فهو الخلط بين مؤسسة الحكم والحكومة، لذلك وجب الفصل بينهما، وذلك لتكون مؤسسة الحكم مؤسسة مستقلة والمرجع لجميع مؤسسات الدولة والحكم بين مختلف السلطات، وهذا ما يؤدي إلى تصحيح مفاهيم الخلاف في الدولة، فتصبح خلافاً مع الحكومة وليس مع الدولة أو نظام الحكم.
مساهمة المواطن
وتحسين نوعية الخدمات
أن يصبح المواطن مساهماً فعلياً في الدولة يحتاج بعض الوقت، حسب ما يرى الدكتور الكويتي، فالمفاهيم والعادات والقيم المجتمعية ليست موضوعاً ميكانيكياً يتحول ويعمل بسرعة، وإنما تحتاج إلى سنوات من العمل على غرس هذه القيم تفعيل الدور الحقيقي للمواطن الذي يبدأ، حسب الدكتور الكويتي، من تحسين جودة التعليم والنهوض بمخرجاته لتوافق حالة المجتمع المراد الوصول لها، فنحن نعاني من مخرجات تعليمية سيئة للغاية، تعتمد على التلقين وتكريس ثقافات استهلاكية دخيلة على مجتمعنا، إضافة إلى عدم تشجيع المبادرات الفردية وروح الابتكار لدى الطلاب.
وينوه الدكتور الكويتي إلى أن المجتمع كان أسرع في حراكه حيث بدأ يطرح الأسئلة عن دوره في المرحلة المقبلة، ويثير مجموعة من التساؤلات عن مستويات الخدمات الحكومية مثل الصحة والتعليم، والبحث عن حقوقه، ويضرب الدكتور الكويتي مثالاً في هذا الحراك إضراب قصابين المحرق، موضحاً أن هذا الإضراب ليس له أي ارتباط بالوضع السياسي وإنما موضوع معيشي بحث، ولكنه يعكس بوضوح قدرة المجتمع على الحراك وأن يكون له دور فاعل في مختلف القضايا الاقتصادية والاجتماعية في الوطن.
ويتطرق الدكتور الكويتي إلى ضرورة أن تقود الأنظمة الخليجية المرحلة المقبل بالكثير من الحكمة والشفافية لئلا تخرج عن مسارها الحقيقي، وتتحول إلى قضايا سياسية متشعبة، اعتماداً على دراسات ونصائح مستقلة وحقيقية وصادقة من المتخصصين ومراكز أبحاث لتتم وفق خطوات متدرجة وانسيابية.
الميزانية وتنويع مصادر الدخل
ويرى الدكتور الكويتي أن المرحلة القادمة تحتاج إلى انفتاح وشفافية وحلول حقيقية، مشيراً إلى أن قضية تنويع مصادر الدخل مشروع قديم للغاية نسمع به ولا نرى له أثراً على أرض الواقع.
واستذكر الدكتور الكويتي مرحلة سبعينات القرن الماضي عندما نجحت الدولة في إقامة مشاريع حقيقية كبيرة كان لها أثر واضح على الاقتصاد البحريني، وساهمت في تحريك عجلة التنمية وتنويع المصادر، لكن هذا البرنامج توقف لأسباب غير معروفة، فليس لدينا شركات كبيرة، سواء حكومية أو خاصة جديدة لها مساهمات حقيقية في التنمية والاقتصاد، عدا بعض مساهمات خجولة من القطاع الخاص.
لذلك على الحكومة أن تكون قائداً للعجلة الاقتصادية في المرحلة القادمة من خلال إنشاء مشاريع صناعية أو معرفية كبيرة، سواء بشكل مباشر أو بمشاركة مع القطاع الخاص، وإدارتها وفق عقليات تجارية، ومن ثم تحويلها للقطاع الخاص والمواطنين على شكل أسهم، وهذا ما سيدفع رجال الأعمال والمستثمرين إلى دخول السوق المحلية بمشاريع كبيرة، ويكون لها مساهمات حقيقية في الناتج المحلي وفي إيرادات الدولة، وبهذا سيقل الاعتماد على النفط مقابل فتح الآفاق لمشاريع غير نفطية تكون بديلاً حقيقياً.
أما ما يتم حالياً فهو تنويع لمصادر الميزانية وليس لمصادر الدخل من خلال التفكير في فرض رسوم وضرائب على الخدمات، وهو غير مجدٍ في الأمد البعيد، فتمويل الميزانية يحتاج إلى قاعدة إنتاجية لنأخذ منها الضرائب، وهي غير موجودة حالياً.
دور القطاع الخاص
في المرحلة المقبلة
القطاع الخاص غير مؤهل لقيادة المرحلة، فالتاريخ يشير إلى أن الدولة تدير الاقتصاد والقطاع الخاص لسنوات طويلة، وهو ما خلق ثقافة لدى التجار والمستثمرين تعتمد على الدولة في المشاريع والربح المباشر، وعدم الرغبة في إقامة مشاريع كبيرة قد تمر سنوات دون أن تحقق الربح المطلوب.
القطاع الخاص يحتاج أن تتبنى الدولة سياسة صناعية وعلمية وثقافية منفتحة، ومتى حدث ذلك يمكن أن تقوم بدورها في قيادة المرحلة المقبلة، وهذا يحتاج لفترة زمنية.