تعتبر الميزانية العامة للدولة في مملكة البحرين من أهم الأحداث التي يعيشها ويتعايش معها المواطن كل سنتين، مترقباً كثيراً من الأرقام والجدال تحت قبة المجلس الوطني بين السلطة التشريعية والحكومة، وبين أعضائها فيما بينهم، جدال يشارك فيه كثير من الخبراء والاقتصاديين من خارج السلطة التشريعية ويمتد ليصل إلى رجال الإعلام ليدلوا بدلوهم في تلك الأرقام، وصولاً إلى توافق بين السلطات قبل أن تمهر بتوقيع جلالة الملك لاعتمادها.
جدال يطول أو يقصر تبعاً لمتطلبات النواب يقابله «عناد» حكومي يرتبط بما يمكن أن يوفر من إيرادات، وبين هذا وذاك يبقى المواطن مترقباً لعله يلمح أية انفراجة أو أي أخبار سارة متعلقة بزيادة في الرواتب أو رفع مخصصات الدعم لبعض القطاعات الخدمية، والتي يأتي على رأسها الإسكان، أو حتى زيادة الدعم لقطاعات المتقاعدين أو الأسر الفقرة.
ميزانية البحرين، خلافاً لدول كثيرة، يتم إعدادها كل سنتين، وهو ما ينظر إليه بعض الاقتصاديين بأنه يحقق فوائد لصالح القطاعات التجارية من خلال معرفة التوجهات الحكومية لفترة زمنية كبيرة نسبياً، وهو ما يساعد تلك القطاعات على رسم خططها وبرامجها المستقبلية اعتماداً على ما يتم إعلانه من مخصصات للصرف على المشروعات المختلفة، حيث تعتمد معظم القطاعات الاقتصادية على المشروعات الحكومية.
في هذا الملف سنحاول تسليط الضوء على ميزانية البحرين للأعوام العشرة الأخير، 2007-2016، وسنتتبع مستويات الإيرادات الحكومية، النفطية وغير النفطية، ومدى مساهمة القطاعات غير النفطية في الإيرادات العامة للدولة، مع ربطها بحجم الإنفاق الحكومي في ذات الفترة، خصوصاً الدعم الحكومي المباشر للخدمات والسلع والمواد الغذائية.
ارتبطت الإيرادات الرئيسة في ميزانية البحرين، ارتفاعاً وهبوطاً بأسعار النفط العالمية، مع مساهمة خجولة من المصادر الأخرى، فيما يمكننا قراءة الزيادة الكبيرة في مجموع المصروفات المتكررة خلال السنوات العشر الأخيرة.
ففي العام 2007 بلغ إجمالي الإيرادات في الدولة 1,660,600,000 دينار، حيث شكل النفط ما نسبته 74.3%، في حين لم تتجاوز مساهمة القطاعات الأخرى 24%، واستحوذت المصروفات المتكررة على ما نسبته 79.7%، فيما لم تظهر الأرقام في الميزانية المنشورة مبالغ الدعم الحكومي المباشر ومبالغ دعم المواد الغذائية.
أما العام 2008 فلم يشهد الكثير من التغيير، حيث زاد إجمالي الإيرادات بحوالي 27 مليون دينار معظمها تحقق من الإيرادات غير النفطية والتي وصلت إلى ما يقارب 410 مليون دينار، وهي أعلى ما تم حقيقية في السنوات العشر الأخيرة.
ميزانية العامين 2009-2010 شهدت تراجعاً طفيفاً في إجمالي إيرادات الدولة نتيجة التأثر بتقلبات أسعار النفط العالمية، مع تراجع أداء الإيرادات غير النفطية بمقدار 200 مليون دولار، حيث كان من الواضح ارتباطها بحجم الإنفاق الحكومي المرتبط بأسعار النفط، فيما حافظت المصروفات المتكررة على نصيبها الأكبر من الميزانية والذي وصل إلى 127% من إجمالي الإيرادات.
اعتبرت ميزانية العامين 2011-2012 الأكبر في تاريخ البحرين في ذاك الحين بما يصل إلى 6 مليارات دينار، حيث ارتفعت الإيرادات الحكومية عن العامين السابقين بما نسبته 61%، وهو ما يعزى إلى الارتفاع الكبير في أسعار النفط العالمية، مع تراجع واضح للإيرادات غير النفطية والتي كانت في حدود الـ500 مليون دينار وبنسبة 10.8%، وكان نصيب الدعم الحكومي المباشر 1.2 مليار دينار، منها حوالي 133 مليون دينار كدعم للمواد الغذائية.
ومع تواصل الارتفاع في أسعار النفط سجلت ميزانية العامين 2013-2014 ارتفاعاً آخر في الإيرادات سواء النفطية أو غير النفطية، حيث ارتفعت الأخيرة بحوالي 200 مليون دينار نتيجة تحسن أداء القطاعات الأخرى غير النفطية وارتفاع قيمة الإنفاق الحكومي وزيادة الإنفاق الاستهلاكي، مع ارتفاع طفيف للدعم الحكومي المباشر عند 1.3 مليار دينار، واستقرار دعم المواد الغذائية لتصل إلى عند 134 مليون دينار.
ميزانية العامين 2015-2016 كان من الواضح تأثرها الكبير بالهبوط الحاد في أسعار النفط العالمية، والتي وصلت إلى ما دون الـ50 دولاراً، مع توقعات ببقاء هذا الانخفاض، لذلك جاءت الميزانية بحالة تقشف اعتمدت على محاولة زيادة الإيرادات غير النفطية، والتي من المتوقع أن تصل إلى 750 مليون دينار مع زيادة في المصروفات المتكررة، خصوصاً عام 2016 وانخفاض واضح في الدعم الحكومي المباشر ليصل إلى حوالي 652 مليون دينار للعام 2016 وانخفاض الدعم الحكومي للمواد الغذائية إلى 57 مليوناً و43 مليوناً للعامين 2015 و2016 على التوالي.
بعيداً عن لغة الأرقام، فإن الحاجة الملحة اليوم تتجه إلى اتخاذ عدد من الإجراءات القاسية لتجاوز عجوزات الميزانية والحد من المديونية، تتضمن البحث عن مصادر تمويل غير نفطية من خلال تشجيع الاستثمارات في مختلف القطاعات مع خفض بنود في المصروفات المتكررة، والتي قد تتضمن إعادة هيكلة القطاع الحكومي وإعادة النظر في مبالغ الدعم الحكومي المباشر.
إجراءات قاسية نعم، ولكنها ضرورية للغاية في ظل الانخفاضات الكبيرة في أسعار النفط، مع التأكيد على دور القطاع الخاص في ضرورة أخذ زمام المبادرة بإقامة مشروعات إنتاجية حقيقية قادرة على مساعدة الدولة في تجاوز المرحلة المقبلة.