عبدالرحمن صالح الدوسري
نواصل في الوطن التجوال ما بين محبي هذا الفن التراثي «الإنتيك» عبدالله الحمد الملقب «بالشعبي» واحد ممن تلونت هوايتهم وكثرت حتى وصلت إلى جمع «الإنتيك» هو واحد من ضحايا حريق سوق « المقاصيص « بمدينة عيسى، والذي فقد كل ما يمتلكه من تحويشة العمر في هذا الحريق خلال علاجه في المستشفى :
يبدأ عبدالله يقلب أوراق ذاكرته «اسمي عبدالله يوسف الحمد من مواليد 1945، لقبت بعبدالله الشعبي لعلاقتي البسيطة في التعامل مع الآخرين ولبساطتي في الحياة وحبي للصغير قبل الكبير ، ولأنني أعتقد أن الإنسان كلما تواضع .. كلما كبر في عيون الناس ، مولدي كان في فريج الفاضل «الأياويد» يضم هذا الفريج العديد من الجنسيات، كانوا رغم اختلاف جنسياتهم يعيشون كأسرة واحدة لا تشعر بأن أحداً منهم يختلف عن الآخر .
طريق أهل المحرق للمنامة
يقول عبدالله يعتبر فريج الفاضل هو المدخل لأهل المحرق فكانوا في فترة ما قبل الجسر يأتون لقضاء حاجاتهم وزيارة الأهل والتسوق في «عبارات» وهي لبجات عن طريق البحر ، وكان أول ما يقابلهم شجرة كبيرة في فريق الفاضل ينزلون عندها، وكذلك عند مغادرتهم المنامة يتجمعون عند تلك الشجرة ليستقلوا اللنجات عائدين إلى المحرق، في فترات الصيف كنا نتجه إلى العيون في البحرين وكانت كثيرة، عذاري وبوزيدان وعين الرحة وأم شعوم وعين الدويية «قصاري» وأتذكر ونحن صغار كنا نذهب عن طريق «البسوت» الحطب كان يوسف عثمان وإخوانه هم أصحاب هذه الباصات التي تقلنا إلى تلك العيون في «كشتات» جميلة، من الرحلات التي لا أنساها كانت لعين بوزيدان وعرشان عين عذاري، وهذه العرشان خصصت للعوائل والحريم لأنها غطت بالسعف لكي لا يتكشف المارة على الحريم بداخلها، كذلك كانت لنا رحلات للبساتين في البحرين، وكنا نستأجر البستان بخمس روبيات من الصبح إلى المغرب، وصاحب البستان لا يمانع في أن نأكل اللوز والرمان وحتى الرطب يحضره لنا في «سباق» ولا يرضى أن يقوم أحد منا بتكسير أغصان الشجر ويقول لنا «كل ما في النخل حلالكم.. كلوا كل ما تحبون.. لكن لا تعبثون بالشجر ولا تكسرون أغصانه» وفي فترة الشتاء نحول رحلاتنا إلى «الصخير» ونتجمع كعوائل من الفريج ونسرح ونمرح في البر ، وأحسن الأوقات الفترة التي تأتي ما بعد الأمطار ويكون البر قد تحول إلى أرض خضراء، وعامرة «بالفقع»، وكانت رحلات البر مناسبة تجمعنا بإخواننا من المحرق وبقية مناطق البحرين نتزاور ونتبادل الطبخات ونغني ونقضي يوماً جميلاً في البر.
من «الفاضل» إلى «الشرقي»
يقول عبدالله في فترة الخمسينات انتقلت عائلتي من فريج «الفاضل» إلى الرفاع الشرقي ، وتحديداً في عام 1952، دخلت في المدرسة وكان مدرسي هو الأستاذ فالح، وكنت أبلغ من العمر في تلك الفترة خمس سنوات، ولم أبلغ السن القانونية للدراسة، فسجلت في الصف الأول تحضيري كمستمع، كان يقابل المدرسة في تلك الفترة قلعة الشيخ سلمان، وكنا كل نهاية يوم دراسي ننزل روضة «الحنينية» كانت الأرض خضراء والمنطقة مفتوحة وجميلة ويقصدها أهل البحرين «للكشته» ولقضاء يوم جميل في منطقة تزدان بالخضرة والأزهار والماء العذب كنا في الرفاع الشرقي مصدرنا في الماء من الحنينية لقلة توصيلات أنابيب المياه، كان أهل البحرين يعتمدون بصورة كبيرة على «اليحال والحب» لتخزين الماء والشرب منه وكان بمثابة الثلاجة في ذلك الوقت، وأتذكر أنه عندما يزورنا أهلنا من المنامة يتسبب ذلك بالضغط على استخدام الماء فيضطر الوالد – رحمة الله عليه – إلى الاستعانة بالحمار وتحميل القرب عليه والذهاب إلى الحنينية لجلب الماء العذب.
يواصل عبدالله ذاكرته، درست في مدرسة الرفاع الشرقي كمستمع وأتذكر أن تلك الفترة في الخمسينات غزى البحرين «الجراد» بكميات كبيرة وسميت بسنة الجراد، وتحولت سماء البحرين إلى سواد من كثرته رغم أننا في منتصف النهار ، وفي فترة المغرب انتشر الأهالي بالسعف يصطادون الجراد النائم على العرشان ويحملونه في «خياش» إلى بيوتهم ويجهزوا له «الجدور» والملح ويفوحونه، وفي اليوم التالي يحملونه إلى السوق ويبيعونه، كانت الحنينية من المناطق الجميلة في البحرين وفي فترة الأمطار حتى الفقع تحصل عليه من روضتها، وفي أيام العيد تجد البحرين تتحول إلى أفراح العرضة تستمر لي ثلاثة أيام والفرق الشعبية والناس لول كانت تحتفل بالعيد صغاراً وكباراً، وكان العيد له خاصة جميلة أنك تلبس الجديد والنادر بالنسبة لك طوال العام ، لأن الناس كانت حالتهم بسيطة، والفقراء لا يلبسون ملابس جديدة إلا أيام العيد.
حريق القضيبية «أرض مصطفى»
بعد سنتين قضيناها في الرفاع الشرقي، بني الوالد منزلنا في منطقة القضيبية، في فريج الزياني وفريج الذواودة فريج البوقيس – في القضيبية كان يسكن فيها الخليط من القبائل البحرينية الطيبة في المنطقة الشمالية في القضيبية كان أكثر بيوتها من السعف والبرستية.
وفي العام الذي انتقلنا إليها 1954م شب حريق كبير أتى على مائة بيت من السعف في تلك المنطقة أرض مصطفى، وكان ذلك في فصل الشتاء والرياح عادة ما تكون شديدة وتساعد على انتشار النيران وتنقلها من بيت إلى آخر بسرعة كبيرة.
في تلك الفترة التي تسببت في تشريد العديد من العوائل فتح أهل البحرين بيوتهم لاحتواء من أتت النار على بيته من النساء ، أما الرجال فكان في تلك الفترة سوق القضيبية «الجديد» للخضار والفواكه والسمك واللحوم قد تم تجهيزه للافتتاح، فتم تسكين الرجال ممن أتت النار على عرشانهم .
وقد افتتحه المستشار بلجريف لكي يكون جاهزاً لاستقبال العوائل من الرجال المتضررين في الحريق، وبعد أن أزيلت «البرستية» والتي أتت عليها الحريق قامت الحكومة بنصب الخيام في أرض مصطفى وسكنت فيها العوائل التي تضررت وفقدت عرشانها، في نفس العام انفجرت إحدى السفن الحربية في البحر ، وتم تحذير المواطنين من الاقتراب من السواحل أو حمل أي جسم غريب قد يتسبب في الانفجار ويقتل حامله، فمنعونا أهالينا من ارتياد البحر والاقتراب من السيف رغم أن البحر كان عشقنا اليومي في القضيبية كما في الحورة والسواحل الأخرى في المنامة.
ما تبقى من بيوت السعف كانت بمثابة المنطقة المسلية لنا في القضيبية، كانت منطقة للترفيه فمنذ مساء الخميس إلى مساء الجمعة تتجمع الفرق الشعبية التي يسكن المشاركون فيها تلك العرشان وتقدم فيها كل الفنون الخليجية من فنون الليوة، والطنبورة، والسوما، وكان الأشقاء من مسقط لديهم فرق شعبية تشارك في هذه الأمسيات، وحتى الجاليات الآسيوية تشارك في تقديم فنونها، وتعد تلك الأمسيات احتفالية ينتظرها أهل البحرين كل أسبوع ويستمتعون بالأجواء الغنائية والموسيقى الشعبية، كانت نفس هذه الفرق تقدم فنونها في المحرق وفي فريج «بوصرة»، حتى حفلات الزار كانت من ضمن الفنون التي تقدم كل أسبوع وقد استمرت هذه الأجواء الاحتفالية في تلك العرشان إلى نهاية السبعينيات، وكانت بمثابة الاحتفالية التي ينتظرها الجميع في كل أسبوع للاستمتاع بالفنون الشعبية والرقصات الفلكلورية.
طالب في المدرسة «الشرقية»
يضيف عبدالله «الشعبي» عندما انتقلنا إلى القضيبية دخلت المدرسة فنقلنا إلى المدرسة «الشرقية» وكان من زملاء الدراسة في تلك الفترة الفنان إبراهيم حبيب والفنان ارحمه الذوادي، وفي العام 1954 تم افتتاح مدرسة القضيبية فتم نقلنا إليها مع زملاء الدراسة، وكان مدير المدرسة في تلك الفترة الأستاذ خليل زباري وجاء من بعده الأستاذ عبدعلي الحاج عباس – الله يطول عمره – وفي الستينات أقامت المدرسة حفلها الأول في ختام العام الدراسي في ساحة المدرسة وأقيم مسرح كبير ودعي إليه الأهالي وأولياء الأمور.
وقد نجحت تلك الحفلة وتفوقت على بقية المدارس، وقدمنا خلالها اسكتشات ومثلوجات فكاهية هادفة، كانت من تأليف المرحوم الأستاذ عتيق سعيد، وألحان الفنان حمد الدوخي، ومن ضمن المسرحيات التي قدمت كان « زواج في الهند « وشاركت فيها، وقد سجلت تفاصيل الحفلة في إذاعة البحرين وقد ذهبنا إلى الإذاعة وسجلنا المنولوجات وكانت تذاع لفترات طويلة، ومن أشهر المنولوجات:
«موتر خربه يا رباح
تضرب هندل بتري طاح
بيظل ايسير ايسير
ايسير تلقى الراديتر
بعد شويه احتر وفاح
لا تسيبه يا رياح»
وقد شارك في تلك الحفلة إبراهيم حبيب وأحمد زنيل، حتى أنك كنت من الأشبال الذين شاركوا في الكورس مع أحمد زنيل وإبراهيم حبيب، منذ تلك اللحظة أعجبت بفكرة المنولوجات وبدأت في تأليف العديد من المنولوجات وألفت حول مضار التدخين، والسرعة القاتلة في السياقة، وغلاء المعيشة، بعدها انضممت إلى مسرح نادي القضيبية، وقدمت العديد من المسرحيات من فصلين وفصل واحد وكتبت معظمها وكانت عن فترة الغوص وعن فلسطين، وغلاء المهور، بعدها انتقلت برفقة الفنان أحمد الشافعي إلى مسرح الاتحاد الشعبي بالمحرق، ومن ضمن الأعمال التي قدمناها «ثور نانا في خطر» وهي من أعمال موليير المسرحية وكانت مسرحية كوميدية ساخرة وشاركت فيها بالبطولة ، وقد تواصلت بالعمل بالمسرح وفي فترة السبعينات انضممت إلى مسرح «الولعة» بالقضيبية ، هناك تعرفت على الكثير من أهل الفن في المسرح والموسيقى ومن ضمنهم كان الصديق ارحمه الذوادي، والصديق عبدالله بوقيس، كانت فترة السبعينات مسارح الأندية تنافس المسارح الأهلية في تقديم الأعمال المسرحية، وكان هناك مهرجان مسرحي يقام في قاعة «الجفير» يشارك فيه الكثير من مسارح البحرين حتى مسرح الخريجين من الطلبة الدارسيين في الكويت وكان يحظى بحضور جماهيري كبير.
الدمج.. والمسرح
يقول عبدالله في تلك الفترة التي ازدهر فيها المسرح تم دمج نادي الولعة مع العربي والوطني وانتقلنا إلى مسرح نادي النسور المقابل لسينما أوال القديمة وقدمنا العديد من الأعمال المسرحية، حصلت على الكثير من الجوائز وفازت بمهرجان مؤسسة الشباب والرياضة في مسابقة الأندية، وحصلنا على المراكز الأولى في هذه المسابقات، ومن ضمن الأعمال كانت مسرحية «كل من في قلبه شقي اللي له» وكانت آخر مسرحية قدمناها «حمامة نودي نودي»، وهذه المسرحية تم تسجيلها في تلفزيون البحرين ، ولم تقتصر لجان المسرح على الأعمال المسرحية بل كنا نشارك في أيام الأعياد في نادي «الوحدة» وفي كل عيد في يوم ثاني العيد كنا نقدم حفلات ترفيهية في حديقة السلمانية بالاشتراك مع الفرق الشعبية نقدم اسكتشات ومنولوجات فكاهية، وكان سعر التذكرة مائتي فلس وكان الحضور كبيراً في هذه الحفلات، وهذه من المشاركات التي كانت تسجل لنادينا في المشاركة بالأعياد والاحتفالات ، وكانت هذه البرامج ضمن اللجنة الثقافية بالنادي بعدها اشتركت في المسرح الشعبي، وقدمت آخر عمل على المسرح « باسمه والساحر « لمسرح الطفل، وكنت أكتب المنولوج والأغنية وسجلت في الإذاعة أغنيتين وبعض الأشعار الشعبية، وشاركت في آخر حلقة من البرنامج التليفزيوني «فارس الأسبوع» الذي كان يقدمه حسن كمال ويخرجه حسن عيسى وكان برنامجاً جماهيرياً يحظى بنجاح ومشاركات جماهيرية.
علاقتي بـ«التراث»
يضيف عبدالله بعد أن تقاعدت في العام 2003 افتتحت دكاناً صغيراً في سوق المحرق، ولأن السوق في تلك المنطقة لم يحظ بالنجاح الذي كنت أتوقعه، انتقلت إلى السوق الشعبي «المقاصيص» بمدينة عيسى، كان المحل ناجحاً والزبائن يترددون عليه ، ولكن لسوء الحظ شب حريق أتى على محتويات المحل، وكنت في تلك الفترة عندما شب الحريق نائماً في المستشفى بعد أن أجريت عملية، وقد أخبرني بعض الأصدقاء بنبأ الحريق وللأسف كان عندي عامل من إحدى الدول العربية في المحل وعندما شب الحريق «ترك الجمل بما حمل» وهرب، وبذلك خسرت كل ما أمتلكه من تحويشة العمر من الإنتيك وكان بينها الكثير من الأشياء النادرة وكاميرات تصوير وأفلام قديمة وصور نادرة وأجهزة كنت قد قضيت فترة من عمري في تحويشها ولكنني لم أتخل عن هذه الهواية الجميلة فبدأت والحمد لله في شراء هذه المعروضات وواصلت في البيع خارج السوق في عام 2015، بعد ذلك تم افتتاح السوق الجديد فانتقلت مع بعض الزملاء الذين يعشقون بيع «الإنتيك» وما تشاهده الآن معروضاً هو من الأشياء الجديدة التي اشتريتها بعد الحريق الذي كما قلت لك أخذ معه الكثير من الأشياء النادرة سواء التحف أو الكتب أو الوثائق التي أكلتها النيران، أما ما تراه الآن فهو مزيج من «البشتختات» والفون جرام والأسطوانات، وكابات بوأسد والأشرطة وصندوق الغاصة وأدوات الغوص وبعض الأفلام وبوسترات الأفلام وتذاكر سينما نادرة من أيام سينما «بن هيرس».
حتى أنواع «غراش» المشروبات بوتيله، والمشن والسينالكو والفانتا والبيبسي والكنداري كما تراها مغلقة وفيها المرطبات من تلك الأيام.
نصيحة للشباب
عبدالله يقدم نصيحة للشباب بالاهتمام بالتراث فالتراث هو قلب الأمة وطريقها إلى الرقي ، وهو تاريخ وحاضر أجدادنا وبلدنا، وعليهم دراسته والاهتمام بمعرفته وتاريخه وأصوله ففي الكثير من الدول المتقدمة تنشئ المتاحف الخاصة بالتراث والتعريف بمهن وملابس وعادات وتاريخ أي أمة، وهو الباب المشرق الذي يبحث عنه السائح الأوروبي والمتفهم لحضارة الأمم، وعلينا أن نركز ليس في الجيل الجديد لكن حتى في مناهجنا الدراسية على التعريف بهذا التراث الذي هو جزء رئيس من حضارة البحرين وتاريخها العريق، وبرجالاتها الذين أسسوا هذا الوطن العزيز على الجميع .
وأهالينا لولين قالوها «اللي ماله أول ماله تالي» المسؤولون في الدولة أيضاً لهم دور فعال في الحفاظ على هذا التراث من خلال الاهتمام بالعاملين والباحثين عن هذا التراث، وأن يتعاونوا معهم فهم يقدمون وجه البحرين المشرق، وماضيه الجميل، فالجيل الجديد عليه بالقراءة ومتابعة تاريخ بلده، والمسؤولون عليهم يقع الاهتمام بالعاملين في هذا الجمال وإشراكهم في المهرجانات والفعاليات داخل وخارج البحرين، وأن يفتحوا أمامهم الدروب لكي ينيروا للجيل الجديد ما لم يتعلموه في المدارس.
فبتواجد البرامج الإذاعية والتلفزيونية أكيد أنها ستوثق عن التراث الكثير وتسجيله في الكتب ونقله على الأشرطة وحفظه للأجيال القادمة، كل ذلك في مسؤوليات الإعلام والسياحة وإدارة التراث والمتاحف التي يقع عليها الحفاظ على هذا الموروث الجميل.
غترة الوالد.. شاشة للعرض
يقول عبدالله من عشقي للسينما كنت أتمنى يوماً من الأيام أن أساهم في السينما، وبالفعل كنت أعرض أفلاماً للأطفال في بيتنا القديم، وكانت عبارة عن صور «سلايد» ثابتة، ومن القصص التي لا أنساها أن الوالد في أحد الأيام كان سيذهب للدوام بعد الظهر ، وكان يبحث عن غترته علشان يلبسها، وإذا به يفاجأ بها قد تحولت إلى شاشة لعرض الصور في «البرستي» ولما أخذ الوالد غترته لم أشأ أن أقطع العرض على الصغار فأخذت واحداً من ثيابي ومزقته وحولته إلى شاشة وواصلت عرض الأفلام للحاضرين من أبناء الجيران الصغار.
بعدها تطورت الأوضاع معي فاشتريت آلة عرض صامتة «بروجكتر»، وكان على الحاضرين دفع آنتين لمشاهدة الفيلم الصامت في «البرستي» الذي حولته إلى قاعة سينما، ومن ضمن اهتماماتي بالسينما تعرفت على مجيد شمس وعلي عباس وهما يمتلكان الاهتمام بالسينما لكن بصورة متطورة بالنسبة لي، وكانوا يصورون أفلاماً تجريبية، وأسندوا لي أحد الأدوار في فيلم «غدار يا زمن»، فقدمت لهم سيناريو فيلم «ذكريات» يتحدث عن تاريخ البحرين والحرف الشعبية المستخدمة قديماً والألعاب الشعبية للأولاد والبنات، هذا الفيلم مدته 25 دقيقة كتبت عنه الصحافة بالبحرين وأشادت به، لأنه نقل صوراً من الماضي للألعاب الشعبية للأولاد والبنات في السبعينات وصورنه والشباب يصطادون الميد بالسم على السيف في فريج سيادي وصورنه مناطق المحرق القديمة على الواقع، طبعاً الكثير من تلك المعالم التي نقلناها في الفيلم تغيرت وأزيلت، كان الفيلم عبارة عن حكاية عن رحلات الغوص بمصاحبة نهمة العلان والألعاب الشعبية والحواري القديمة اشتركنه في الفيلم بمسابقة الأفلام القصيرة «ثمانية ملي» وحصلنا على المركز الثالث في المهرجان الذي أقيم في طهران في العام 78 وكرمت بجائزة تقديرية عن السيناريو طبعاً الفيلم كان بإمكانه أن يحصل على جائزة متقدمة لولا الإمكانات البسيطة التي صور بها، كذلك كرمت عن الفيلم في مهرجان الريف مع بسام الذوادي وخليفة شاهين، لكن من سوء حظي أن الجائزة التي حصلت عليها من اتحاد الريف قد احترقت في الحريق الذي شب في السوق الشعبي، وكانت أيضاً من خسائري التي أعتز بها.
طرائف لا أنساها
يختم عبدالله حواره «من الطرائف التي لا أنساها في فترة زواجي نذرت على الوالدة أن يكون يوم زفافي على حصان وأن أحمل بيدي سيفاً وأزف لمعرس على حصان من الشيخ «الخضر» بالقرب من سينما أوال إلى القضيبية، بمصاحبة فرقة عاشوري واحتفال كانت الوالدة تخطط له لأنني ابنها الوحيد، وفي يوم الاستعداد للزفاف جاءني أحد الأصدقاء وهمس في أذني بأن هناك من الربع من يدبر لك مقلباً وقال لي بالاسم إنه فيروز غلوم يريد أن يضع «فلفل» في أنف الحصان وبذلك سيرميك من فوقه ولن يتوقف فأخبرت الوالدة بالموضوع فقالت حياتك أبدى من كل شيء يا وليدي، واستبدلت الحصان بسيارة ووضع عليها قطعة كبيرة من القماش الأخضر وبدأت مراسم الزفة من «الشيخ الخضر» بالقرب في سينما أوال إلى القضيبية وهناك تجمع الشباب وفرقة العاشوري والاحتفال حتى الأصدقاء في نادي الولعة أقاموا لي احتفالاً بهذه المناسبة وعلى حسابهم الخاص.
لقب «عبدالله الشعبي»
في العام 64 لقبت بعبدالله الشعبي جاءت هذه التسمية لمساهماتي في الأندية والمناسبات العديدة ولقربي من الناس البسطاء وتعاوني مع الآخرين في كل ما يطلبونه من أهل الفريج وأنا لا أتأخر في مساعدتهم ومتعاون معهم على فعل الخير لكل محتاج وأنا في الواقع سعيد بهذا اللقب وأعتز به وأضعه وساماً على صدري. وهو ما يعني محبة الناس لي، ومحبتي لهم، وهذه من ميزات أهل البحرين وطيبتهم.