منذ ثلاثة أعوام، خاض الرئيس حسن روحاني انتخابات الرئاسة الإيرانية بحملة انتخابية تبلورت حول مجموعة من الشعارات الاقتصادية، والوعود الانتخابية تمني الشعب الإيراني والذي يعيش وضعاً اجتماعياً واقتصادياً مزرياً لا يتناسب مع ما تمتلكه بلده من ثروات نفطية، باقتصاد أفضل.
ومنذ توقيع الاتفاق النووي الدولي، وما رافقه من حملة إعلامية من قبل السلطات الإيرانية انصبت على إقناع مواطنيها، خاصة أبناء الطبقة المتوسطة الذين عانوا بشدة من سنوات الحصار الاقتصادي، بأن الغد مليء بالإنجازات والنجاحات الاقتصادية، وأن أعوام الحرمان والحصار قد ولت بلا عودة.
لكن هذه الوعود لم تر النور ومازال الشعب الإيراني يعاني الفقر والفاقة والعوز، وفي ظل المقاطعة الدبلوماسية بين الرياض والمنامة من جانب وطهران من جانب آخر، يتنبأ المحللون الاقتصاديون أن يتعرض الاقتصاد الإيراني إلى هزة أقوي مما مرت عليه، وقد تفقد النظام عرشه.
ووفقاً للأرقام والتي تبين الحقائق المرتبطة بوضع الاقتصاد الإيراني، يشير المركز الإحصائي الإيراني -جهة رسمية تابعة للدولة- في آخر تقرير له إلى وجود 64 مليون إيراني في سن العمل، إلا أن عدد العاملين منهم بالفعل 23 مليون شخص».
في تصريح رسمي لعلي ربيعي، وزير القوة العاملة الإيراني فإن من بين 23 مليون شخص يعملون، هناك سبعة ملايين يعملون في قطاعات غير رسمية أو ما يسمى اقتصادات الظل، الذي يشير تقرير صدر أخيراً عن البنك المركزي الإيراني إلى غياب رصد حقيقي ودقيق ورسمي لطبيعة اقتصادات الظل في إيران، ومدى مساهمتها الحقيقية في النشاط الاقتصادي.
ويذكر التقرير إنه نتيجة تفشي الفساد والمحسوبية في العديد من المؤسسات الاقتصادية، وفي مقدمتها المصارف التجارية، فإن غالبية المصارف تقوم بمنح قروض بأسعار فائدة تفضيلية لمستثمرين تحت دعوى إنشاء أو تطوير مشاريع اقتصادية قائمة، إلا أن تلك القروض لا تسدد غالباً، سواء عبر التحايل أو لكون العائد المالي أو الاقتصادي لها يظل محل شك في أغلب الأحيان.
التحليلات الاقتصادية تقول إن الاقتصاد الإيراني هو الخاسر الأكبر من قطع العلاقات الدبلوماسية بين البحرين والمملكة العربية السعودية من جهة، وإيران من جهة أخرى، خصوصاً توقف الطيران بين الجانبين والذي كان يضخ ملايين الدولارات في الاقتصاد الإيراني بفعل زيارات شيعة الحرين والسعودية إلى مشهد الإيرانية، فقد أظهرت إحصاءات قطاع الطيران المدني السعودي أن 150 رحلة طيران مباشر بين إيران والمملكة العربية السعودية توقفت بسبب قطع العلاقات الدبلوماسية، وذلك بخلاف رحلات الطيران من البحرين.
فدول الخليج تشكل سوقاً رائجة للمنتجات الإيرانية، في الوقت الذي تعتبر فيه موانئ الخليج جسراً لتموين السوق الإيرانية بالسلع والمنتجات.
علماً بأن حجم التبادلات التجارية بين دول الخليج وإيران في حدود 20 مليار دولار؛ حيث تستأثر الإمارات العربية المتحدة بـ80% من حجم التبادلات التجارية الصادرة؛ في الوقت الذي تتوزع فيه النسبة الباقية بين دول الخليج الأخرى.
ومن شأن الإمارات لوحدها أن تضعف اقتصاد إيران على جميع الأصعدة في حال ما قررت مقاطعة المنتجات الإيرانية، حيث إن الإمارات تعتبر متنفساً اقتصادياً كبيراً جداً لإيران في الخليج والعالم العربي وتحديداً مدينة دبي.
أما البحرين أو المملكة العربية السعودية فليس لها علاقات اقتصادية قوية مع إيران يمكن أن تؤثر عليها، وتبلغ قيمة الصادرات السعودية إلى طهران مع نهاية 2014 ما يقارب 383 مليون ريال، ما يمثل جزءاً ضئيلاً جداً من حجم الصادرات السعودية لدول العالم، فيما بلغت الواردات السعودية من إيران 682 مليون ريال سعودي، أي أن حجم التجارة المشتركة يقارب المليار و65 مليون ريال مع نهاية 2014.
كما أن السوق الإيرانية تعتمد بشكل كبير على السلع والمنتجات المصدرة لها من الأسواق الخليجية؛ وبخاصة المصدرة لها من دبي؛ في الوقت الذي يستفيد فيه التجار الإيرانيون من حركة التجارة الدائمة بين البلدين؛ وهي الداعم الأكثر للأنشطة الصغيرة والمتوسطة في إيران؛ وبخاصة في قطاع الزراعة؛ والصناعات الخفيفة؛ والمنتجات الغذائية، والسعودية كانت تمثل سوقاً رائجاً لتلك المنتجات التي تمر عبر دبي، ويمكن لقطع المملكة علاقتها مع إيران أن يهدد بانهيار رؤوس الأموال الإيرانية المتوسطة والصغيرة التي تعمل في هذه المجالات.
كما يمكن أيضاً للمواطنين الخليجيين أن يسببوا ضرراً أكبر على الاقتصاد الإيراني ويساعدوا على انهياره في حال اعتمد الشعوب الخليجية سلاح مقاطعة المنتجات الإيرانية؛ خاصة مع إمكانية استمرار بعض العلاقات التجارية الرسمية مع بعض دول الخليج التي لم تلتزم من قبل بأية مقاطعة رسمية لإيران.
أيضاً لا ننسي السياحة وهي أحد القطاعات التي يعتمد عليها الاقتصاد الإيراني، ونتيجة قطع العلاقات بلاشك ستكون المتضرر الأكبر من المقاطعة، فوقف الرحلات الجوية بين السعودية وإيران؛ والبحرين وإيران، ومنع سفر مواطنيهم لإيران سيؤثر سلباً في القطاع السياحي الذي يعتمد «المزارات» محركاً رئيساً له.
أما بالنسبة للعملة الإيرانية، فوقف التعامل في قطاع التجارة الخليجي والإيراني سيضعف الريال الإيراني الذي يعد من العملات غير الثابتة أمام العملات الدولية، وسيؤدي ذلك إلى انهيار تام في السوق الإيرانية.