علي صالح الضريبي*
أقرب ما تكون ترجمة «الأصح» في العنوان إلى العربية هي «دجل/ دجالة حقوق الإنسان»، وهي في الواقع أيضاً ترجمة لأقرب ما تكون عليه حقيقة منظمة «هيومن رايتس ووتش Human Rights Watch». وأنا لم أنطلق في توصيفي هنا من منطلق «إغسل كبدك»، أو ما قد يُفهم من مقالي هذا على أنه «نشر غسيل» هذه المنظمة، مع أني حتى بذلك أجد لنفسي التبرير المهني والوطني عبر حقي كمواطن بحريني عربي مسلم، وككاتب له حق الرد على ما مارسته وتمارسه هذه المنظمة من «دجل» تحت مسمى «مراقبة حقوق الإنسان»، خاصة ضد وطني البحرين، وكل ما هو عربي ومسلم بشكل عام.. باختصار.. «بطلٌ أخاك هنا لا مُجبر»!
بدأت قصتنا مع دجل منظمة «هيومان رايتس ووتش» في عام 1997، مع أول تقرير صدر لها ضد البحرين، وأقتطف من هذا التقرير التافه متعمداً ما جاء على لسان «ديكتاتورها» - رئيسها – التنفيذي، كينيتث روث «يرأس هذه المنظمة منذ عام 1987، ويتحدث بعدها ومنظمته بكل صفاقة عن «الديمقراطية»!»، هذه الفقرة «التي لا يغير ما قبلها وبعدها أي شيء في المضمون»، «.. يجب على أمريكا وبريطانيا التدخل في البحرين..»، «.. ادعاءات البحرين وباقي دول الخليج الفارسي باطلة بخصوص التدخلات الإيرانية فيها..». انتهى!
تتبع بعدها عزيزي القارئ تقارير هذه المنظمة ضد البحرين «حتى آخر تقرير صدر لها مؤخراً».. ستجد هذه الصيغة مكررة بشكل أو بآخر..»، «.. يجب على أمريكا وبريطانيا التدخل في البحرين..»، «.. ادعاءات البحرين وباقي دول الخليج الفارسي باطلة بخصوص التدخلات الإيرانية فيها..»! هل أحتاج أن أشرح هنا؟! حسناً.. سأطرح هنا فقط تساؤلين، الأول، كيف لمنظمة لم تعترف بعد بـ «عروبة» خليجنا أن تصدق حقيقة التدخلات الإيرانية في البحرين – على أقل تقدير منذ ستينات القرن المنصرم – وباقي دول الخليج العربي؟! أما التساؤل الثاني، فما هو تعريف «السيادة الوطنية» عند هذه المنظمة؟! أليس بعدها كما قيل «من فمك أدينك»؟! أو كما جاء عن سيد البلغاء الإمام علي، «ما أضمر أحد شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه»! كنت أستطيع أن أنهي مقالي هنا، ولكن هيهات!
فيما يلي عزيزي القارئ تلخيص لأهم تاريخ دجل ودجالي – من متنفذين فيها وممولين- «هيومن رايتس ووتش».. وناقل «الدجل» ليس بـ «دجال»! وأفهم بعدها عزيزي القارئ بأنه ليس المهم أن تكون البحرين تحترم حقوق الإنسان أم لا، وليس المهم أن تكون البحرين خالفت المواثيق الدولية أم لا، المهم، ماذا يريد ممولو «هيومان رايتس ووتش» فعلاً من البحرين؟!
تاريخ المنظمة
ولكي نتعرف أكثر على هذا الواقع، دعونا نتعرف أولاً على منظمة «هيومان رايتس ووتش» وتاريخها القميء. ففي عام 1978 تم تأسيس منظمة باسم «هلسنكي ووتش» كانت مهمتها تحديداً مراقبة التزام الاتحاد السوفيتي – آنذاك - ودول أوروبا الشرقية بما يسمى اتفاقية هلسنكي الموقعة في عام 1975، والتي نظمت علاقات الاحترام المتبادل بين المعسكر الغربي بزعامة الولايات المتحدة، والكتلة الشرقية بزعامة الاتحاد السوفيتي. وللتنويه هنا، فإن منظمة «هلسنكي ووتش» أنشئت بعد عامين من إنشاء «مجموعة موسكو – هلسنكي» لحقوق الإنسان، والتي أنشأها معارضون سوفيت استغلوا حينها توقيع الاتحاد السوفيتي لاتفاقية هلسنكي والتي تضمنت بنوداً حول حقوق الإنسان للضغط بها على الحكومة السوفيتية. وكان ادعاء «هلسنكي ووتش» حينها بأن هدف المنظمة الرئيس هو في تنسيق الجهود مع مجموعة موسكو – هلسنكي.
لكن «هلسنكي ووتش» كانت في واقع الأمر جزءاً من شبكة تديرها وكالة المخابرات المركزية بالتعاون مع الخارجية الأمريكية بإشراف مباشر من مستشار الأمن القومي الأمريكي حينها، هنري كيسنجر «ويكفي وجود كيسنجر في الموضوع لنعي حجم الشر فيه!»، ضمت فيما بعد منظمات مماثلة تحت اسم «أمريكاز ووتش»، و»آسيا ووتش» و»أفريكا ووتش» و»ميدل إيست ووتش»، «تحت مظلة لجنة عرفت باسم ذا ووتش كوميتي – The US Watch Committee» التي مازالت تمارس مهامها حتى اليوم وبإشراف مباشر من وكالة المخابرات المركزية «سي آي أيه»، بينما توسع الدور من مجرد مراقبة اتفاقية هلسنكي إلى الابتزاز الصريح تحت لافتات عدة مرة حقوق الإنسان ومرة المصالح المشتركة وغير ذلك، وكانت كل منظمة تعمل في منطقتها خاصة ضد الدول التي إما كانت تؤيد السوفييت أو لا تتجاوب مع كل ما يطلبه الأمريكيون خصوصاً أمنياً وسيادياً أو تجارياً.
ظهور «هيومان رايتس ووتش»
ثم سقط الاتحاد السوفيتي وانتهت الحرب الباردة، فتم تجميع هذه المنظمات وتوحيدها نهاية عام 1988 في منظمة جديدة حملت الاسم الذي نعرفها به اليوم وهو «هيومان رايتس ووتش»! لكن تغيير الاسم لم يغير الهدف وأسلوب العمل، فقد ظلت اللعبة القذرة نفسها مستمرة ولكن بزخم أكثر.
وأصبحت المناطق الجغرافية السابقة مجرد دوائر في المنظمة الجديدة مع إضافة إدارات أخرى مختصة - لزوم الدجل - مثل إدارة حقوق الشواذ، على سبيل المثال. التي تترأسها المتباهية بصهيونيتها، كاثلين بيراتيس،عضو مجلس إدارة المنظمة، صاحبة المقال المنشور بجريدة «The Jewish Daily»، بتاريخ 24 فبراير 2006، تحت عنوان «تل أبيب بالنسبة للشاذين الفلسطينيين، تعتبر مكة»! لتصبح حقوق هذه الفئة أهم عند المنظمة وكاثلين من حقوق ملايين المضطهدين واللاجئين الفلسطينيين؟! إذن هذه هي الخلفية التي تأسست عليها هذه المنظمة، وعلاقتها بأولويات السياسة الخارجية الأمريكية ودورها في ابتزاز دول أصبحت من الوضوح بمكان بحيث إن الأدلة عليها تكاد تزيد على عدد تقارير المنظمة نفسها، بدءاً من صمتها المخزي على جرائم ديكتاتور تشيلي السابق أوغستو بينوشيه، بينما كانت تهاجم دول أمريكا الجنوبية الأخرى على موضوعات شكلية ووصولاً إلى فضيحة الصمت على ما فعلته السلطات الإيرانية بالمتظاهرين الذين احتجوا على تزوير الانتخابات الرئاسية عام 2009، إلى حد عدم إصدار بيان استنكار واحد، وكل ذلك لأن المصلحة الأمريكية وقتها كانت تتطلب عدم استفزاز الملالي لتيسير المفاوضات السرية حول الملف النووي.
ويفترض أن «هيومن رايتس ووتش» نظرياً تعتمد على التبرعات، إلا أن ذلك لم يمنع من أن تتحول إلى فضيحة متنقلة فيما يتعلق بمصداقية التبرعات والعبث السياسي «وأحياناً الشخصي»، من أجل الحصول على الأموال الإضافية، وهو أمر مغرٍ خاصة إذا علمنا أن هذه «المنظمة الخيرية» لديها محفظة استثمارية تتجاوز مائة مليون دولار.
في تاريخ 15 يوليو 2009، نشرت مجلة ذي أتلانتيك «The Atlantic» الأمريكية التي تحظى بمصداقية عالية تقريراً بعنوان، «فساد هيومان رايتس ووتش في جمع التبرعات»، تم الكشف عن أحد أوجه هذه الفضيحة المالية المتنقلة، تمثلت في دور قميء ومبتز قامت به سارة ليا وتسون مديرة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالمنظمة، حيث استغلت سماح السلطات السعودية لها بزيارة المملكة لمحاولة جمع تبرعات للمنظمة بحجة أنها تنتقد إسرائيل، قبل أن تزور إسرائيل لاحقاً لتقوم بالعكس، أي جمع تبرعات من الإسرائيليين بحجة أنها تنتقد العرب والفلسطينيين!
ويضيف مرصد المنظمات غير الحكومية «NGO Monitor»، فضيحة أخرى، عبر تقرير أصدره في فبراير 2011، بعنوان، «سارة ليا واتسون وليبيا: تسويق القذافي»، أوضح فيه كيف قامت واتسون هذه بزيارة إلى ليبيا في عام 2009 حيث التقت بالعقيد معمر القذافي وابنه سيف الإسلام، وخرجت لتلقي ما يشبه قصيدة غزل عن الربيع الليبي وديمقراطية القذافي والمساحات الواسعة للحرية والحوار تحت حكمه! وتورد مصادر مختلفة أن واتسون تلقت هدية مالية سخية من العقيد القذافي بعد تلك الزيارة. وهو ما يفسر حينها صمت «هيومن رايتس ووتش» المطبق عن جرائم التنكيل والتعذيب التي قام بها القذافي ونظامه بالمعارضة الليبية وعلى رأسها المعارض الليبي المعروف الراحل فتحي الجهمي!
مصادر تمويل «هيومان رايتس ووتش»
علاوة على ما أشرنا إليه من طرق ملتوية قامت وتقوم بها «هيومن رايتس ووتش» للحصول على مصادر التمويل سواء عبر الابتزاز الصريح بحجة جمع التبرعات أو مداهنة «الطغاة» أو عبر طرق ملتوية أخرى فإن مصادر تمويل «هيومان رايتس ووتش» لا تتوقف فيما ذُكر، بل إنها تكشف أبعاداً مختلفة عن الأدوار الحقيقية لهذه المنظمة. ولكونها مسجلة كمنظمة خيرية تواصل «هيومان رايتس ووتش» الادعاء أنها لا تتلقى دعماً حكومياً وأنها منظمة مستقلة، وهذا ادعاء ينفيه تاريخها من جانب ويكذبه سجلها من جانب آخر.
فمثلاً، تلقت المنظمة تمويلاً مباشراً بما يقارب من مليون دولار من منظمة «أوكسفام نوفيب Oxfam Novib» – التابعة لمنظمة «أوكسفام» الأم - التي تمولها الحكومة الهولندية، مما اضطرها لتعديل ادعائها والقول إنها لا تتلقى التمويل من الحكومات مباشرة. ويبلغ مجموع ما تلقته من تبرعات عامة نحو 44 مليون دولار عام 2008 فقط «نفقاتها للعام نفسه 50 مليون دولار»، لكن هذه التبرعات «العامة» جاءت إما من منظمات تمولها حكومات أو من حسابات شخصية لأشخاص يشغلون مناصب رسمية معينة، وهو سلوك يثير الكثير من الشبهات.
أما الممول الأكبر لمنظمة «هيومان رايتس ووتش» وعضو مجلسها الاستشاري منذ أيام «هلسنكي ووتش»، فهو الملياردير الأمريكي جورج سوروس. وما أدراك من هو جون سوروس؟! هذا الرجل يعتبر على نطاق واسع الذراع المالي لعمليات وكالة المخابرات الأمريكية «سي آي أيه» وخصوصاً من خلال منظمته المسماة «اوبن سوسيتيز فاونديشن Open Society Foundation».
ويبلغ مجموع ما أنفقه نيابة عن «سي آي أيه» بين عامي 1979 و2011 قرابة 8 مليارات دولار وهو يتدخل تقريباً في معظم دول العالم، ونذكر «أقذر» وأشهر تدخل له وهو «الأزمة المالية الآسيوية» في عام 1997، حيث كان سوروس المصدر المؤجج لهذه الأزمة بقصد كبح جماع الأسواق الصاعدة بقوة آنذاك في آسيا والعالم كمثل كوريا الجنوبية وإندونيسيا وسنغافورة وماليزيا، وغيرها. كما نذكر ما قام به في البرازيل مؤخراً عندما ألقى بثقله لصالح أحد المرشحين في الانتخابات الرئاسية ضد الرئيسة ديلما روسيف. وسوروس يعتبر من أهم ممولي «هيومان رايتس ووتش» المنتظمين منذ تأسيسها، وآخر مبادراته في هذا المجال كانت في تخصيص مبلغ 100 مليون دولار على مدى عشر سنوات بدءاً من 2010 كمساهمة مباشرة في تمويل المنظمة.
هذا بالطبع إضافة إلى أرباح المحفظة الاستثمارية التي أشرنا إليها والتي لا يعرف مصدر الأموال التي استثمرت بها ولا كيفية إدارتها خاصة مع هذا الكرم «السوروسي» لتمويل المنظمة.
لكن هذا ليس كل شيء. فالادعاء أن «هيومان رايتس ووتش» لا تتلقى أموالاً حكومية مباشرة ليس صحيحاً تماماً، فلعبة الدفع بأسماء شخصية يبدو أنها تستهوي الكثيرين خاصة وأنها تجعلهم يبدو كمحسنين أو محبين لعمل الخير، وهنا أعترف أن القانون الأمريكي يجعلك تحترمه أحياناً لأنه ربما عن غير قصد يساعد على كشف كثير من هذه الأعمال المشبوهة، حيث نجد نوعاً آخر من الاحتيال على الحقيقة يتمثل في استئجار خدمات المنظمة مقابل مبالغ مالية ولكن تحت غطاء لعبة الأسماء الشخصية.
فعلى سبيل المثال، وعند البحث في موقع «أوبن سيكريتس» «Opensecrets.org» الذي يوثق عمليات اللوبي في العاصمة الأمريكية واشنطن، نجد أن مجموعة شخصيات يقودها توم مالينوفسكي قامت في سبتمبر 2014 باستئجار خدمات «هيومان رايتس ووتش» لتنفيذ عملية محددة الوقت والهدف لصالحها في مجال حقوق الإنسان والعلاقات الخارجية مقابل أكثر من مليون دولار لهذه المهمة فقط التي تستغرق فترة وجيزة. علماً أن المهمة المعنية نعرف عنها نظراً لكونها داخل أمريكا وبالتالي يلزم قانون الإفصاح عن عمليات اللوبي بتوثيقها، ولكن في المقابل ما هو الحجم الحقيقي للتعاقدات المماثلة خارج أمريكا؟
من هو توماس مالينوسكي؟
لكي تتخيلوا الجواب، دعوني أقل لكم من هو توماس مالينوسكي؟ «والمعرف لا يُعرف خاصة عند شرفاء البحرين، وقصة «اعتباره شخصاً غير مرغوب فيه» في البحرين قبل عام ونيف عندما زارها معروفة الأسباب والدوافع»، إنه مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان، والمتحدث الرئيس باسم الوزارة أمام لجنة حقوق الإنسان في الكونغرس، وبقية الأسماء المسجلة معه في الطلب هم موظفون تحت إمرته! يعني باختصار هو «أرباب كبير مال «هيومان رايتس ووتش»!
توماس مالينوسكي، فضيحة فساد متحركة آخرها كانت في تعيينه بمنصبه المشار إليه في وزارة الخارجية الأمريكية «تم تعيينه في عام 2014»، فتوماس يعتبر مقيّداً رسمياً كـ «ممارس لعمليات اللوبي»، وبحسب اللائحة التنفيذية التي أصدرها الرئيس الأمريكي باراك أوباما، حول تعيين الأفراد في مناصب عامة فإنه يمنع على من كان مقيداً كممارس لعمليات اللوبي بشكل رسمي من أن يتولى منصباً عاماً، ولكن نرى أن مالينوسكي تم استثناؤه من هذا الشرط! هذا الفساد في التعيين وغيرها من فضائح «هيومن رايتس ووتش» ومتنفذيها استدعى كلاً من اثنين من الحائزين على جائزة نوبل للسلام، الأرجنتيني أدولفو بريز إيسكبل، والأيرلندية ميريد كوريجان، وبمعيتهما مجموعة ضمّت أكثر من مائة شخصية عامة دولية، من أن يرسلوا رسالة مفتوحة في عام 2014، إلى الرئيس التنفيذي لـ «هيومان رايتس ووتش»، كينيتث روث، تتضمن استنكاراً شديد اللهجة حول زيف الادعاء بحيادية المنظمة، وبأنها لا تعدو سوى إحدى أدوات تنفيذ السياسة الخارجية الأمريكية!
لذلك ولكي نكون موضوعيين ومنطقيين في فهم تقرير «هيومان رايتس ووتش» الأخير وتهجمها على البحرين فإن الكلام يجب ألا يوجه إليها، ولا إلى سارة ليا وتسون ولا إلى كينيث روث رئيسها التنفيذي، وإنما إلى مديرهما الحقيقي ومستأجر خدماتهما «حسب النص التعاقدي» توماس مالينوسكي، وأقول له هنا بوضوح وصراحة: عفواً، توماس، ما هي الصفقة التي خسرتها أمريكا في البحرين خلال العام الماضي – أو بشكل أدق خلال فترة المؤامرة الأخيرة على وطني - وتثأرون لها بهذا التقرير أوذاك؟ أخبرنا..for God sake!
ختاماً، لسنا «دولة فاضلة»!، ولا نحتاج أن تخبرنا بذلك منظمة «غير فاضلة» مثل «دجالة حقوق الإنسان»!
* كاتب بحريني