قالت رئيسة هيئة البحرين للثقافة والتراث والآثار الشيخة مي بنت محمد آل خليفة «عندما بدأنا مشروع الاستثمار في الثقافة في مملكة البحرين، لم يخطر على بالنا عندها أنّه بعد أقل من عقدٍ على البدء بالمشروع سيكونُ لنا مسرحٌ بمواصفاتٍ عالمية يُشيّدُ نتيجةً لثقة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى بهذا المشروع الرائد، وأننا سنُقيم فيه أوّل مؤتمرٍ حول الاستثمار في الثقافة في عالمنا العربي»، وأضافت «الحلمُ أصبح حقيقةً لأنَ إيماننا بدور الحَراكِ الثقافي والبنيةِ التحتية الثقافيّة في مجتمعاتنا هي التي ستغيّر وجهَ عالمنا وهي فعلُ المقاومةِ الحقيقية التي تنهض من خلالها شعوبُنا».
وأضافت الشيخة مي في كلمة افتتاح المؤتمر الدولي الأول من نوعه في الوطن العربي (الاستثمار في الثقافة: التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية) الذي انطلق أمس في مسرح البحرين الوطني «في مؤتمرنا لليوم نعيدُ قراءة التزامنا بالثقافة ونقول للعالم من مملكة البحرين إن فعل الجمال، عبر الثقافة، مقاومةٌ لا تتوقف أبداً. نريدُ أن نقول للعالمِ أيضاً، من قلب العالمِ العربي، إنَ اجتماعَ اليوم لأشخاصٍ يؤمنون بدورِ المحافظة على الإرث الثقافي لأوطانهم ما هو إلا دليلٌ حيّ لوعي عالمنا بأهمية تاريخنا الإنساني المشترك والذي نعملُ جاهدين من أجل الحفاظِ على مكتسباته، من هنا، من المنامة، حيثُ المركزُ الإقليمي العربي للتراث الإنساني يسهرُ على التراث الحضاري في عالمنا المتألّم.»
وشكرت الشيخة مي جميع من ساهم في إنجاح المؤتمر، متمنّية أن يكون مؤتمر الاستثمار في الثقافة بداية لسلسلة من المؤتمرات والندوات التي تعمل على ترسيخ الوعي بأهمية الاستثمار في الثقافة.
أيقونة الاستثمار
من جانبه قال رئيس معهد العالم العربي في باريس، وزير الثقافة الفرنسي الأسبق، جاك لانغ، إن الشيخة مي، أصبحت أيقونة للاستثمار في الثقافة عالمياً، مشيراً إلى أن إنجازاتها واضحة للعيان داخل وخارج البحرين. وأشار في كلمته خلال حفل الافتتاح، إلى أنه وقبل أعوام عدة، كان من الغريب وضع المقومات التراثية ضمن المشاريع الاستثمارية وأن تكون طريقاً للحصول على العوائد المادية، مبيناً أنه تبين خلال السنوات الأخيرة أن العنصر الثقافي هو جزء أساسي من عملية الإنجاز في كل المجالات الاقتصادية، الاجتماعية والعلمية.
وأكد جاك لانغ أن الاستثمار في الثقافة يمكن أن يحقق عوائد اقتصادية كبيرة، موضحاً أن قصر فرساي في باريس استطاع أن يستقطب أكثر من 10 ملايين زائر سنوياً بعد أن تم ترميمه والاستثمار فيه على عكس ما كان عليه سابقاً حيث كان لا يتعدى عدد زواره سنوياً أكثر من مليون. مشيداً بمبادرة مملكة البحرين لإقامة مؤتمر الاستثمار في الثقافة، مشدداً على أن العالم سيقتنع يوماً بأن الاستثمار في الثقافة هو السبيل نحو تعزيز التنمية المستدامة. وقال إن البحرين تحمل هم الثقافة وتسعى للحفاظ على التراث والثقافة المحلية رغم الظروف والمتغيرات المحيطة بها.
إنجاز بحريني
من جانبها قالت رئيسة مؤسسة «ثنكرز آند دوورز» أماندين ليبوتر، إن العمل المشترك إلى جانب هيئة البحرين للثقافة والآثار أثمر عن إقامة هذا المؤتمر العالمي الذي استطاع أن يجمع أكثر من 20 دولة من حول العالم للنقاش، تبادل الآراء والخبرات حول الاستثمار في الثقافة.
وأكدت أن إقامة المؤتمر تحت إشراف الشيخة مي بنت محمد آل خليفة يشكل دافعاً كبيراً نحو تعزيز مكانة الثقافة، مشيرة إلى مؤتمر الاستثمار في الثقافة هو إنجاز يسجل لمملكة البحرين. وأضافت أن البحرين تعد واحدة من الدول التي تهتم بفتح قنوات التواصل مع الشعوب والحضارات الأخرى والاستثمار في الثقافة.
مؤكدة أن اجتماع كل هذه الشخصيات يعد فرصة عظيمة للقاء وتبادل الأفكار المؤثرة إيجابياً في المجتمعات.
وشهدت الجلسة الأولى من المؤتمر تكريم الشيخة مي بنت محمد آل خليفة بوسام الفنون والآداب للدولة الفرنسية (Officier de L’ordre des arts et des lettres)، حيث تقلدها الوسام السيد جاك لانغ رئيس معهد العالم العربي في باريس، تقديراً من الجمهورية الفرنسية لجهودها بتعزيز مكانة الثقافة والاستثمار فيها.
وحملت الجلسة الأولى عنوان (لماذا نسعى للاستثمار في الثقافة)، اتفق المتحدثون فيها على أهمية الاستثمار في القطاع الثقافي من أجل تعزيز مكانته كأحد الروافد الهامة للنمو الاقتصادي، إضافة إلى تأكيدهم على أهمية المشاركة بين القطاعين العام والخاص في تلك الاستثمارات.
وشارك في الجلسة كل من الشيخة حصة صباح السالم الصباح مديرة دار الآثار الإسلامية، مدير المركز الإقليمي العربي للتراث العالمي الدكتور منير بوشناقي، والمتخصصة في برنامج WMF للآثار في الشرق الأوسط اليساندرا بيروزيتو، إضافة إلى صاحب مؤسسة (جاليري) في فرنسا كامل منور، ممثلة مؤسسة (آرت دبي) انتونيا كارفر وأدارت الجلسة عضو مؤسسة «ثنكرز آند دوورز» كولين هوسه.
الثقافة جزء من الحياة
وقالت الشيخة حصة صباح السالم الصباح: «الثقافة جزء من حياتنا ولا نستطيع أن ننكر ذلك.» مشيرة إلى أنه وبعد أحداث عام 1990 في الكويت، بادرت إلى إعادة تأهيل متحف الكويت والعديد من المعالم الثقافية المدمرة بدعم من منظمة «اليونيسكو». وأشارت إلى أن الثقافة أصبحت اليوم جزءاً هاماً من مشاريع الاستثمار والتنمية المستدامة، إضافة إلى عمل دول العالم حالياً على فتح الباب أمام تطوير منتجات ثقافية محلية، فضلاً عن استثمارها لتكون محل اعتزاز بالهوية الوطنية الخاصة بكل بلد.
أما الدكتور منير بوشناقي فأشار إلى أن منظمة اليونيسكو طرحت مبادرات مختلفة حول التنمية المستدامة في التراث من خلال الاستثمار فيه، وتحقيق عوائد كبيرة، ليصب ذلك في نهاية المطاف في تحسين الدخل العام، مبيناً أن تلك المبادرات لاقت ترحيباً كبيراً من الجميع. وأكد ضرورة تعمير المناطق الثقافية والحفاظ عليها للأجيال الحالية والقادمة.
إلى ذلك قالت اليساندرا بيروزيتو إن تخصصها يتركز على العمل مع المجتمعات المحلية من أجل صيانة وحفظ كل أنواع الصروح التاريخية والحضارية الموجودة في المنطقة، مشيرة إلى ضرورة إدراك المجتمعات المحلية أهمية تلك الصروح.
وأكدت أن العديد من سكان المدن والمناطق حول العالم بدؤوا بفهم أهمية ذاكرة المكان، مشددة على أن القطاعات الخاصة والعامة إضافة إلى السكان يجب أن يشاركوا بمجهود الحفاظ عليها.
فيما قالت انتونيا كارفر إن الأحداث المحيطة في المنطقة تجعل الاستثمار بالتراث العالمي والمحافظة على المكان أهم من أي وقت مضى، وأن الشباب في العديد من مناطق العالم أصبحوا مدركين لأهمية التراث في التنمية المستدامة وفق استبيان أجري في العام 2015.
أما كامل منور فأشار إلى أهمية تنشئة الجيل الجديد على معرفة الثقافة المحلية بشتى الوسائل المحببة لديهم. وقال إن التعليم الفني والثقافي هو المهم لتحقيق الاستثمار في الثقافة وهو ما يؤدي إلى رفع مستوى التنمية في البلدان التي تتبع هذه المناهج.