دخل الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى حول برنامج طهران النووي، حيز التنفيذ يوم السبت 16 يناير الحالي بعد موافقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما أدى إلى رفع العقوبات المفروضة على إيران. وظهر جلياً عناق نظام «ولاية الفقيه» لـ «الشيطان الأكبر»، من خلال براغماتية الملالي الذين قبلوا التفاوض مع واشنطن في الغرف المغلقة، في الوقت الذي اختفت فيه شعارات «الموت لأمريكا»، من جدران شوارع طهران، وتم حذف نغمة «الموت لأمريكا» من اتصالات الهواتف الخليوية!
وسيكون رفع العقوبات الدولية التي تؤثر على اقتصاد إيران البالغ عدد سكانها 77 مليون نسمة، والتي تملك ثروات نفطية وغازية كبيرة، تدريجياً ومراقباً، لكن في الوقت ذاته ستحصل طهران على عشرات المليارات من الدولارات من الأرصدة المجمدة في المصارف العالمية، مع انتهاء العقوبات الاقتصادية والمالية، بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ، ما يطلق يد نظام «ولاية الفقيه»، لزعزعة استقرار الشرق الأوسط، الأمر الذي أقر به وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، عندما صرح بأنه «من المرجح أن يصل جزء من الأموال التي ستحصل عليها إيران مع رفع العقوبات عنها في إطار الاتفاق النووي إلى أيدي مجموعات مسلحة مرتبطة بالحرس الثوري وتعتبرها واشنطن مجموعات إرهابية».
ولم يتحدث كيري عن الآلية التي يمكن أن تردع إيران عن دعم الإرهاب في المنطقة، وكأن طهران ستستمر في زعزعة استقرار الشرق الأوسط، والتدخل في شؤون الدول العربية، ودعم الإرهاب، تحت سمع وبصر الولايات المتحدة!
وتقدر الخزانة الأمريكية الأموال التي ستحصل عليها إيران بعد رفع العقوبات عنها بنحو 55 مليار دولار. وتعتزم إيران استعادة 32 مليار دولار من الأرصدة المجمدة في المصارف العالمية مع انتهاء العقوبات الاقتصادية والمالية. وهذه الأموال العامة مجمدة في مؤسسات مصرفية في الخارج منذ فرضت الأمم المتحدة وأمريكا والاتحاد الأوروبي عقوبات على إيران لإرغامها على الحد من برنامجها النووي. وفي وقت سابق جمدت واشنطن في 1979 الأرصدة الإيرانية في المصارف الأمريكية وفروعها بعد احتجاز رهائن في السفارة الأمريكية في طهران.
والرقم الذي أعلنته طهران من المبالغ التي تم التحدث عنها حتى الآن وقدرت بـ 100 مليار دولار من الأرصدة المفرج عنها.
وأعلنت طهران العودة إلى النظام المصرفي العالمي «سويفت» وفتح المصارف الأجنبية ألف خطاب اعتماد وهي تدابير ستسمح لها بالعودة إلى الاقتصاد العالمي.
وقانونياً لم تدرج وزارة الخارجية الأمريكية، جهة الاختصاص، الحرس الثوري الإيراني على لائحتها السوداء رغم مطالبة الكونغرس بذلك. في المقابل تعتبر وزارة المالية «قوات فيلق القدس» المكلفة بالعمليات الخارجية لـ»الحرس الثوري» كياناً إرهابياً منذ 2007، وكذلك «حزب الله» الشيعي اللبناني المدعوم من إيران. وفي هذا الصدد، قال المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي، في رسالة وجهها للرئيس الإيراني حسن روحاني، إنه يجب التأكيد على أن إيران «دفعت تكاليف باهظة» في الاتفاق النووي مع القوى العالمية، محذراً في الوقت نفسه، من « نقض أمريكا لعهودها».
وطلب الرئيس الإيراني جهوداً شاملة لتسوية المشاكل الاقتصادية والاجتماعية للبلاد أي «الانكماش والبطالة». وقال إن بلاده بحاجة إلى «50 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية» سنوياً لتحقيق نمو اقتصادي بنسبة 8% في حين تشهد البلاد انكماشاً. ورأى مراقبون أن تصريحات خامنئي حول التكاليف الباهظة التي دفعتها إيران في هذا الاتفاق تتمثل في تقديمها تنازلات كبرى مقابل دفع مئات المليارات على الاتفاق النووي، حيث التزمت طهران بتجميد قدراتها على تخصيب اليورانيوم والخضوع لمراقبة أنشطة التخصيب النووي لمدة 10 سنوات قادمة. كما إنها تخلصت من مخزون اليورانيوم المخصب حيث نقلته إلى روسيا ودول أخرى، بينما التزمت طهران بموقع تخصيب وحيد وبنسبة محدود جداً. وحسب الاتفاق، ستخضع طهران لعمليات تفتيش خاصة بإمدادات اليورانيوم لمدة 25 عاماً، كما إنها منعت من تخصيب اليورانيوم فوق معدل 3.67% لمدة 15 عاماً.
ومن التنازلات الأخرى قيام إيران بتخفيض مخزون اليورانيوم منخفض التخصيب من 10 آلاف كيلوغرام إلى 300 كيلوغرام والالتزام بعدم بناء أي منشآت جديدة لتخصيب اليورانيوم لمدة 15 عاماً.
وأكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن طهران خفضت كما هو متفق عليه، عدد أجهزة الطرد المركزي التي تتيح تخصيب اليورانيوم وأرسلت إلى الخارج تقريباً مجمل مخزونها من اليورانيوم الضعيف التخصيب.
كما أكدت الوكالة أن إيران سحبت كما تعهدت، قلب مفاعل أراك النووي الذي يعمل بالماء الثقيل وغطت بالإسمنت المسلح قسماً من المنشأة بما يجعلها غير قادرة على صنع البلوتونيوم ذي الاستخدام العسكري.
وسيتم رفع العقوبات على 10 سنوات وخلال 15 عاماً يمكن إعادة فرضها تلقائياً إذا أخلت إيران بتعهداتها. وقبلت طهران الخضوع لمراقبة معززة من الوكالة الذرية.
وسيبقى حظر الأمم المتحدة على الأسلحة التقليدية والصواريخ البالستية حتى 2020 و2023.
في الوقت ذاته، استمرت العقوبات الأمريكية الخاصة باتهام إيران بالإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان وبرنامج طهران الصاروخي، مما حدا بالمرشد أن يجدد التأكيد على عدم ثقته بأمريكا.
وجسد الاتفاق النووي منعطفاً تاريخياً وتقارباً براغماتياً بين أمريكا وإيران تكرس من خلال إعلان إفراج متبادل عن مساجين في البلدين. وهي عملية غير مسبوقة منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما في عام 1980. وأفرجت طهران عن 4 أمريكيين إيرانيين مقابل منح واشنطن «عفوا» عن 7 إيرانيين 6 منهم يحملون جنسيتي البلدين، كما أعلنت واشنطن تخليها عن ملاحقة 14 إيرانياً. وتفادى البلدان أزمة دبلوماسية سريعة مع الإفراج السريع عن بحارة أمريكيين اعتقلتهم طهران لفترة وجيزة بعد أن دخلوا مياهها. ويثير التقارب الإيراني الأمريكي الحلفاء التقليديين لواشنطن في المنطقة الذين يخشون تنامي النفوذ الإيراني.
وتستعد الأوساط الاقتصادية منذ أشهر للعودة إلى إيران التي تملك رابع احتياطي من النفط في العالم وثاني احتياطي من الغاز. وستتمكن عضو «أوبك» من تصدير النفط بحرية مجدداً. وتنتج إيران 2.8 مليون برميل من النفط يومياً وتصدر أكثر من مليون برميل. وأعلنت زيادة للإنتاج بـ 500 ألف برميل خلال 6 أشهر. وفي هذا السياق، تراجع سعر برميل النفط الخام إلى ما دون 30 دولاراً للبرميل إذ تخشى الأسواق تدفق النفط الإيراني في السوق التي تعاني أصلاً من فائض في العرض.