مراكش - إيهاب أحمد
دعا إعلان مراكش لمؤتمر «حقوق الأقليات الدينية في الديار الإسلامية» الذي اختتم أعماله في المغرب، المؤسسات والمرجعيات الدينية لمراجعة شجاعة ومسؤولة للمناهج الدراسية للتصدي للتطرف الديني.
وطالب البيان الختامي للمؤتمر الذي استمرت أعماله 3 أيام في مدينة مراكش المغربية، علماء ومفكري المسلمين بتأصيل مبدأ المواطنة ليستوعب المختلفة ومتغيرات العالم.
وحث البيان الصادر عن 300 مشارك من العلماء والمفكرين والمسؤولين وممثلي الأديان، صناع القرار على اتخاذ التدابير السياسية والقانونية اللازمة لتحقيق المواطنة التعاقدية، ودعم مبادرات التعايش بين الطوائف الدينية. وطالب المؤتمرون المثقفين ومؤسسات المجتمع المدني بتأسيس تيار مجتمعي ينصف الأقليات الدينية وينشر الوعي بحقوقها. إلى ذلك دعا البيان، الطوائف الدينية إلى مد جسور الثقة بعيداً عن الجور والإقصاء والعنف. كما طالب ممثلي الملل والديانات والطوائف بالتصدي لكافة أشكال ازدراء الأديان وإهانة المقدسات وخطابات التحريض على الكراهية والعنصرية. وأكد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي د. أحمد التوفيق، قبل تلاوة إعلان مراكش حول مؤتمر «حقوق الأقليات في الديار الإسلامية»، على ضرورة التعاون بين أهل الأديان خاصة في ظل الأوضاع التي يعيشها العالم بسبب اللجوء إلى العنف والسلاح لحسم الخلافات وفرض الآراء.
وقال الوزير إن الأوضاع التي يعيشها العالم أدت لضعف وتلاشي السلطة المركزية في بعض المناطق كما شكلت فرصة لاستقواء مجموعات إجرامية ليست لها أي شرعية علمية ولا سياسية؛ أعطت نفسها حق إصدار أحكام تنسبها إلى الإسلام، وتطبيق مفاهيم أخرجتها عن سياقاتها ومقاصدها، توصلت بها إلى ممارسات اكتوت بنارها مختلف شرائح المجتمع.
وأضاف: «أدى ذلك إلى تقتيل واستعباد وتهجير وترويع وامتهان للكرامة للأقليات التي عاشت في كنف المسلمين وذمتهم قرونا، في جو من التسامح والتعارف والتآخي، سجل التاريخ تفاصيله وأقر به المنصفون من مؤرخي الأمم والحضارات».
وبين الوزير: «أن الجرائم التي ترتكب باسم الإسلام ، افتراء على الباري وعلى رسول الرحمة عليه الصلاة والسلام، وافتياتا على أكثر من مليار من البشر؛ تعرض دينهم وسمعتهم للوصم والتشويه، وأصبحوا عرضة لسهام الاشمئزاز والنفور والكراهية؛ مع أنهم لم ينجوا من هذه الجرائم ولم يسلموا من ويلاتها».
وزاد: «نهوضاً بواجب العلماء خاصة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الأمة الإسلامية وإحياء للنفوس المعصومة وحفظاً للأعراض المصونة، وحرصاً على تحقيق السلم بين بني الإنسان، ومطالبة للنفس بأداء الحقوق، واسترجاعاً للصورة الحقيقية لديننا الحنيف، وفي ذكرى مرور ما يزيد على 1400 عام على صدور «صحيفة المدينة» وفي مدينة مراكش تحت رعاية جلالة الملك محمد السادس ملك المغرب؛ وبتنظيم مشترك بين وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب ومنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة اجتمع 300 شخصية من علماء المسلمين ومفكريهم ووزرائهم ومفتيهم على اختلاف مذاهبهم وتوجهاتهم من أكثر من 120 بلدا بحضور إخوانهم من ممثلي الأديان المعنية بالموضوع وغيرها، داخل العالم الإسلامي وخارجه، وممثلي الهيئات والمنظمات الإسلامية والدولية؛ إيماناً منهم بخطورة القضية».
وتلا الوزير نص إعلان مراكش «لحقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي» والذي تضمن 3 محاور، الأول تذكير بمبادئ الإسلام والثاني اعتبار صحيفة المدينة التي وقعها الرسول مع اليهود بعد الهجرة إلى المدينة الأساس المرجعي لضمان حقوق الأقليات، والمحور الثالث تصحيح مفاهيم وبناء أسس منهجية للموقف الشرعي من الأقليات.
وتضمن الإعلان التذكير بالمبادئ الكلية والقيم الجامعة التي جاء بها الإسلام وهي أن البشر جميعاً على اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم ومعتقداتهم كرمهم الله عز وجل بنفخة من روحه في أبيهم آدم عليه السلام. وأن تكريم الإنسان اقتضى منحه حرية الاختيار وأن البشر -بغض النظر عن كل الفوارق الطبيعية والاجتماعية والفكرية بينهم- إخوة في الإنسانية.
كما إن الله عز وجل أقام السماوات والأرض على العدل، وجعله معيار التعامل بين البشر جميعاً منعاً للكراهية والحقد، ورغّب في الإحسان جلباً للمحبة والمودة، بالإضافة إلى أن السلم عنوان دين الإسلام، وأعلى مقصد من مقاصد الشريعة في الاجتماع البشري.
وأن الله عز وجل أرسل سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، وأن الإسلام يدعو إلى البِرّ بالآخرين وإيثارهم على النفس دون تفريق بين الموافق والمخالف في المعتقد. وإن الشريعة الإسلامية حريصة على الوفاء بالعقود والعهود والمواثيق التي تضمن السلم والتعايش بين بني البشر .
وفي اعتبار «صحيفة المدينة « الأساس المرجعي المبدئي لضمان حقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي، فإن «صحيفة المدينة» التي أقرها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لتكون دستوراً لمجتمع متعدد الأعراق والديانات كانت تجسيداً للكليات القرآنية والقيم الإسلامية الكبرى.
وأكد الإعلان أن هذه الوثيقة ثابتة عند أئمة الأمة الإعلام. كما إن تفرد «صحيفة المدينة» عما قبلها وما بعدها في تاريخ الإسلام والتاريخ الإنساني نابع من: أولا نظرتها الكونية للإنسان باعتباره كائناً مكرماً؛ فهي لا تتحدث عن أقلية وأكثرية بل تشير إلى مكونات مختلفة لأمة واحدة (أي عن مواطنين). وكونها لم تترتب عن حروب وصراعات؛ بل هي نتيجة عقد بين جماعات متساكنة ومتسالمة ابتداء.
كما إن هذه الوثيقة لا تخالف نصا شرعيا وليست منسوخة؛ لأن مضامينها تجسيد للمقاصد العليا للشريعة والقيم الكبرى للدين؛ فكل بند منها إما رحمة أو حكمة أو عدل أو مصلحة للجميع وأن السياق الحضاري المعاصر يرشح «وثيقة المدينة» لتقدم للمسلمين الأساس المرجعي المبدئي للمواطنة؛ كونها صيغة مواطنة تعاقدية ودستور عادل لمجتمع تعددي أعراقا وديانة ولغة، متضامن، يتمتع أفراده بنفس الحقوق، ويتحملون نفس الواجبات، وينتمون -برغم اختلافهم- إلى أمة واحدة.
وأوضح أن مرجعية هذه الوثيقة لعصرنا وزماننا لا تعني أن أنظمة أخرى كانت غير عادلة في سياقاتها الزمنية. كما إن «صحيفة المدينة» تضمنت بنودها كثيراً من مبادئ المواطنة التعاقدية كحرية التدين وحرية التنقل والتملك ومبدأ التكافل العام ومبدأ الدفاع المشترك، ومبدأ العدالة والمساواة أمام القانون ( وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين؛ لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم أو أثم؛ فإنه لا يوتغ [يهلك] إلا نفسه وأهل بيته...)، (وأن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم.وأنه لا يأثم أمرؤ بحليفه، وأن النصر للمظلوم).
كما إن مقاصد «صحيفة المدينة» هي إطار مناسب للدساتير الوطنية في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، وينسجم معها ميثاق الأمم المتحدة ولواحقه كإعلان حقوق الإنسان مع مراعاة النظام العام.
وفي تصحيح المفاهيم وبيان الأسس المنهجية للموقف الشرعي من حقوق الأقليات، فإن الموقف الشرعي من هذا الموضوع -كما في غيره- مرده إلى مجموعة من الأسس المنهجية التي يسبب جهلها أو تجاهلها الخلط والالتباس وتشويه الحقائق؛ ومنها: اعتبار كليات الشريعة كالحكمة والرحمة والعدل والمصلحة، وتحكيم النظر الكلي الذي يربط النصوص الشرعية بعضها ببعض ولا يغفل النصوص الجزئية التي يتشكل الكلي من مجموعها.
كما تشمل اعتبار الجهات المخولة بالاجتهاد للسياق الذي نزلت فيه الأحكام الشرعية الجزئية، وللسياقات المعاصرة، وملاحظة ما بينهما من تماثل وتغاير من أجل تكييف تنزيل الأحكام، ووضع كل منها في موضعه اللائق به، بحيث لا تنقلب المفاهيم إلى ضدها، ولا تختل مقاصدها. واعتبار الارتباط بين خطاب التكليف وخطاب الوضع: أي النظر إلى الأحكام التكليفية موصولة بالبيئة المادية والإنسانية لممارسة التكاليف. ولذلك أصل فقهاء الإسلام قاعدة « لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان». إضافة إلى اعتبار الارتباط بين الأوامر والنواهي ومنظومة المصالح والمفاسد: لأنه ما من أمر ولا نهي في الشريعة إلا وهو قاصد إلى جلب مصلحة أو درء مفسدة.
إن من الاجتهادات الفقهية في العلاقة مع الأقليات الدينية ما كان متأثراً بممارسات تاريخية في سياق واقع مختلف عن الواقع الراهن الذي سمته البارزة غلبة ثقافة الصراعات والحروب.
وقال البيان «كلما تأملنا مختلف الأزمات التي تهدد الإنسانية ازددنا اقتناعاً بضرورة التعاون بين جميع أهل الأديان وحتميته واستعجاليته. وهو التعاون على كلمة سواء قائمة لا على مجرد التسامح والاحترام بل على الالتزام بالحقوق والحريات التي لا بد أن يكفلها القانون ويضبطها على صعيد كل بلد، غير أن الأمر لا يكفي فيه مجرد التنصيص على قواعد التعامل؛ بل يقتضي قبل كل شيء التحلي بالسلوك الحضاري الذي يقصي كل أنواع الإكراه والتعصب والاستعلاء»