ليس لأي مهتم بملف حقوق الإنسان في إيران أن يجهد نفسه في البحث، يكفي أن تكتب في محرك جوجل عن عبارة «حقوق الإنسان في إيران»، وستجد سجلاً حافلاً من الانتهاكات والإعدامات قد تصيبك بالصدمة من هول ما ستشاهد من انتهاكات مروّعة، تذكرك بالمشاهد القادمة من دولة «داعش»، حيث ستلحظ ألا فرق بينها وبين جمهورية الولي الفقيه.
إيران والتي أشعلت نيران الخلاف مع العالم الإسلامي وليس المملكة العربية السعودية فحسب، على أثر إعدام شخص واحد وهو المتطرف والمحرض نمر النمر، لم يأت على بالها أنه تم في الوقت نفسه إعدام 46 إرهابياً تطرّفوا وأرهبوا وقتلوا الأبرياء، ربما لأن جلهم من أهل السنة أو ربما أرادت أن تستخدم نمر النمر كورقة تظهرها في مظهر المدافع عن المذهب الشيعي في العالم، وكان جميع الشيعة في الخليج العربي هم إيرانيون!!
ولم تكن التصريحات الإيرانية في الإعلام الرسمي والتي صدرت بعد تنفيذ حكم القصاص بنمر النمر تتحدث عن مواطن سعودي، بل عن مرجع إيراني، ولم تقف عند ذلك الحد بل بلغت تهديداتها للرياض بأنها ستدفع ثمناً إليها لهذه السياسيات وأن إعدام النمر يعد تعدياً على طهران. فيما ذهب الإعلام الإيراني وأتباعه في المنطقة، إلى وصف النمر بـ»المجاهد»، وأنه اليوم يدفع ضريبة معارضته، حسب زعمها، أما الحكومة الإيرانية فأسمت أحد الشوارع المجاورة للقنصلية السعودية بمدينة مشهد، باسم الإرهابي نمر باقر النمر الذي كان يسمى بشارع مولوي. ولم تقف المبالغة في التوظيف والشحن الطائفي عند هذا الحد، بل أعطت المنابر الإيرانية لمتبني الخطب التحريضية النمر لقب «آية الله» ضجة في الإعلام الإيراني الرسمي، تطرح أسئلة عدة أبرزها: كيف يكون الحكم على مواطن في بلده تعدياً على بلد آخر؟ سؤال لم يطرحه الإعلام الإيراني على نفسه بعد. إيران والتي تذرف دموع التماسيح على الإرهابي نمر النمر تعد كل يوم ولائم الإعدامات الجماعية لأهل السنة فخلال الأيام 27و28و29و30 ديسمبر 2015 مات أربعة سجناء من أهل السنة في سجن زاهدان المركزي، جراء تعرضهم للتعذيب على أيدي جلادي النظام الإيراني وحرمانهم من العلاج.
وقبل يومين فقط من إعدام نمر النمر أي في يوم 30 ديسمبر، توفي إقبال (مهدي) ناروئي (23 عاماً) من سجناء أهل السنة البلوش بسبب تعرضه للتعذيب على أيدي جلادي الملالي في الحجز الانفرادي في السجن، وكان قد تم نقله إلى الحجز الانفرادي بعدما اعترض على ممارسة الضغط من قبل محترفي التعذيب والاشتباك معهم.
وقبله بثلاثة أيام كان سجين آخر يدعى فرزاد ناروئي (40 عاماً) قد توفي أيضاً في العنبر 5 في السجن المركزي لزاهدان، إثر تحمله التعذيب الوحشي وعدم تلقيه الرعاية الطبية. وكان قد تم نقله إلى هذا العنبر من دائرة المباحث في زاهدان حيث تعرض للتعذيب لمدة ثلاثة أيام، وأصيب من جرائه بجروح عميقة في الخصر والأقدام، وكانت صحته متدهورة جداً، ولكن رغم ذلك فإن كبير الجلادين ويدعى خليلي مساعد من مخابرات السجن قد امتنع عن تقديم أي عناية علاجية له.
أما في يومي 28 و29 ديسمبر فقد قضى كل من مهدي ناروئي (38 عاماً) بعد تحمله 6 سنوات من الحبس، وغلام رباني (40 عاماً) بعد تحمله عامين من الحبس من جراء انعدام العناية الطبية في السجن. من ناحية أخرى صدرت أحكام بالإعدام على عشرات من سجناء أهل السنة القابعين في سجن جوهردشت، لاسيما في القاعة 10 العنبر 4، وصادق على أحكامهم الجلادون في المجلس الأعلى لقضاء الملالي. وحكم عليهم بالإعدام بتهم سياسية مثيرة للسخرية افتعلها الملالي مثل «الدعاية ضد النظام والإفساد في الأرض والمحاربة». وفي ديسمبر الماضي، صادقت المحكمة العليا في طهران، على أحكام الإعدام ضد 27 من دعاة وطلبة العلوم الدينية من أهالي محافظة كردستان الإيرانية المسجونين بسجن رجائي شهر، بمدينة كرج قرب طهران، حيث سينفذ الإعدام بحقهم في أي لحظة. وكانت السلطات نفذت الإعدام ضد 6 نشطاء سنة من الأكراد الإيرانيين في مارس الماضي في سجن رجايي شهر، على الرغم من إصدار مناشدات دولية لإلغاء الأحكام، حيث كانت محكمة الثورة حكمت بالإعدام على حامد أحمدي وكمال ملائي وجمشيد دهقاني وجهانغير دهقاني وصديق محمدي وهادي حسيني في عام 2012 بتهمة «محاربة الله» و»الإفساد في الأرض». هذا في حين أكدت مصادر حقوقية أن هؤلاء كانوا يمارسون أنشطة مذهبية سلمية من قبيل تنظيم صفوف للدروس الدينية في المساجد السنية في كردستان إيران، إلا أن السلطات نسبت إليهم اغتيال رجل دين سني موال للنظام الإيراني في محافظة كردستان، الأمر الذي نفاه المعدومون، حسب منظمة العفو الدولية.
ومن بين المحكومين الحاليين، الداعية الكردي السني، شهرام أحمدي، المعتقل منذ 6 أعوام بتهم «الانتماء إلى منظمة سلفية»، و»الترويج ضد النظام عن طريق المشاركة في صفوف عقائدية وسياسية، وبيع بعض الكتب والأقراص المدمجة»، مع شقيقه الذي أعدم عام 2012 وكان بعمر 17 عاماً.
وذكر حقوقيون إيرانيون أن أحمدي تعرض خلال اعتقاله لتعذيب جسدي ونفسي، واعتقلت الاستخبارات شقيقه الأصغر الذي كان دون السن القانونية، وأعدم برفقة 5 سجناء عام 2011.
الإعدام بناء
على تهم واهية
ووفقاً لوكالة «هرانا» التابعة لمجموعة ناشطي حقوق الإنسان في إيران، فقد أصدرت المحكمة العليا قرارها، الثلاثاء الماضي، 29 ديسمبر، ضد الناشطين الـ27 من أهل السنة بناء على «تهم واهية» من قبيل «الدعاية ضد النظام» و»العضوية في مجموعات سلفية» و»الفساد في الأرض» و»محاربة الله والرسول».
وبحسب الوكالة، اتهمت المحكمة بعض المعتقلين بالمشاركة في عمليات مسلحة، الأمر الذي رفضه المتهمون أثناء جلسات المحكمة، وقالوا إن جل نشاطهم كان المشاركة في مجالس دينية ودعائية حول أهل السنة.
وكانت وزارة الاستخبارات الإيرانية اعتقلت هؤلاء الناشطين والدعاة وطلبة العلوم الدينية ما بين عامي 2009 و2011، في محافظة كردستان، غرب إيران، وحُكم عليهم بالإعدام في المحكمة البدائية.
والسجناء الـ27 هم كل من: 1- كاوة ويسي 2- بهروز شانظري 3- طالب ملكي 4- شهرام أحمدي 5- كاوه شريفي 6- آرش شريفي 7- وريا قادري فرد 8- كيوان مؤمني فرد 9- برزان نصرالله زاده 10- عالم برماشتي 11- بوريا محمدي 12- أحمد نصيري 13- ادريس نعمتي 14- فرزاد هنرجو 15- شاهو ابراهيمي 16- محمد ياور رحميي 17- بهمن رحيمي 18- مختار رحيمي 19- محمد غريبي 20- فرشيد ناصري 21- محمد كيوان كريمي 22- أمجد صالحي 23- اوميد بيوند 24- علي مجاهدي 25- حكمت شريفي 26- عمر عبداللهي 27- اوميد محمودي.وفي يوليو 2014 أعدمت السلطات الايرانية الناشط البلوشي المعتقل في سجن زاهدان المركزي ياسين كرد بتهمة «محاربة الله ورسوله» بعد اعتقالٍ استمر خمسة أعوام، وياسين مجرد ناشط أراد الحديث عن معاناة إقليم بلوشستان السني من الاضطهاد الإيراني، لذلك اعتقل من قبل جهاز الاستخبارات الإيراني، هذا الجهاز المعني بتعقب النشطاء البلوش الذين يطالبون بحقوقهم المدنية والسياسية والدينية في بلوشستان، وفي نوفمبر من نفس العام أعدم الشقيقان وحيد شه بخش (22 عاماً) ومحمود شه بخش (23 عاما) من الأقلية البلوشية السنية، بتهم «محاربة الله والرسول والعمل ضد الأمن القومي» في سجن زاهدان المركزي.
وقالت منظمات حقوقية إيرانية إن الاستخبارات الإيرانية مارست ضد الشقيقين أنواعاً من التعذيب النفسي والبدني لنزع اعترافات ملفقة، وليتم إعدامهما في وقت لاحق. كما أعدمت السلطات الإيرانية عام 2013 حبيب الله ريغي، شقيق عبدالمالك ريغي، زعيم جماعة «جند الله» السنية، الذي أعدمته السلطات في يونيو 2010، وفي 26 اكتوبر 2013 أعدم عبدالملك ريغي مع 15 آخرين من السنة كانوا يقبعون في سجن زاهدان، وجاءت التهم التي لفقت للضحايا كما قالت الحكومة الإيرانية لمقتل حرس الحدود في سراوان، وقد فند الحقوقيون الإيرانيون حقيقة التهمة، إذ كان المعدومون في السجن وقت وقوع حادث القتل، كما وجهت تهم «محاربة الله» و»الإفساد في الأرض» لثمانية من المعدومين. وقال عبدالملك في مذاكراته: «نزعوا أظفار قدمي، وصعقوني بالكهرباء، ضربوني بالكابلات وعذبوني نفسياً، كل مرة كانوا يأخذونني للاستجواب كانوا يضربونني ويركلونني»، حسب ما نقلت عنه منظمة «نشطاء حقوق الإنسان والديمقراطية في إيران». وفي 27 ديسمبر 2012 أعدمت إيران خطيب أهل السنة والجماعة، أصغر رحيمي، في سجن غزل حصار، رحيمي الذي لاقى أشد أنواع التعذيب اتهم بالمحاربة والعمل ضد الأمن القومي، أعدم مع ستة من الرجال، بما في ذلك شقيقه بهنام، لم يسمح للمعدومين برؤية عائلاتهم قبل موتهم، ولم تسلم جثثهم إلى عائلاتهم.
اعتقل الداعية رحيمي في الثامنة عشرة من عمره، اعتقلته السلطات الإيرانية، وبقي طيلة فترة اعتقاله يتعرض للتعذيب في سجن سنندج، ثم عذب أيضاً في سجن رجايي، وبقي كذلك حتى أعدم برفقة عدد من أصدقائه.
وفي أبريل عام 2009 أعدمت السلطات الإيرانية الشيخ خليل الله زارعي والشيخ الحافظ صلاح الدين سيدي شنقاً بتهم حمل وحفظ السلاح بطريقة غير شرعية ومعارضة النظام وتهديد الأمن القومي.
وفي العام 2011، تم إعدام أحد أبرز علماء السنة في محافظة «الأحواز» جنوب إيران، ذات الغالبية العربية، ويدعى الشيخ عادل محمد صقر التميمي، بتهمة التحريض على النظام والعمل على نشر الفتنة داخل البلاد، وتقول المنظمة الحقوقية الإيرانية أنه لم يعرف عن التميمي إلا حرصه على المطالبة بحقوق السنة.
وفي العام 2012، أعدمت السلطات الإيرانية العالم السني كيوان زند كريمي بن أسد، بعد ثلاثة أعوام من اعتقاله، عقب التحقيق معه وتعذيبه من قبل جهاز الاستخبارات في مدينة «سنندج»، وكان شقيقه آرمان الذي كان طالباً في جامعة «سنندج» قد اغتيل عام 2011.
وهذا غيض من فيض الإعدامات والتنكيل ضد العشرات من نشطاء ورجال الدين من أهل السنة في مختلف المحافظات، أهمها بلوشستان وكردستان والأهواز، ومازال المئات منهم يقبعون في السجون بسبب الدعوة لعقيدتهم، والعديد منهم مهدد بتنفيذ حكم الإعدام في أي لحظة.
وفي الوقت الذي يتهم نشطاء السنة السلطات في إيران بممارسة ما يصفونه بالاضطهاد والتمييز المزدوج، المذهبي والقومي، تؤكد الجمهورية الإسلامية الإيرانية في خطابها الرسمي ووسائل إعلامها بأنها لا تميز بين المواطنين بسبب العرق واللون واللغة والمذهب.
ويشكل السنة 20% إلى 25% من السكان في إيران، أي 15 مليوناً إلى 17 مليون نسمة تقريباً، وذلك وفق إحصائيات غير رسمية، حيث تمتنع السلطات الإيرانية عن نشر أية أرقام تظهر التنوع المذهبي والعرقي في البلاد، ولا تدرج المذهب والقومية في الإحصائيات العامة.
وينتشر السنة كأغلبية في محافظات كردستان (غرب) وبلوشستان (جنوب شرق) وجولستان (شمال شرق) والمحافظات الساحلية المطلة على الخليج العربي (عرب الساحل)، بينما يتواجدون كأقلية في محافظات أذربيجان الغربية (شمال غرب) وعربستان (الأهواز - في الجنوب الغربي) وخراسان (شمال شرق) وجيلان (منطقة طالش الشمالية).