«أبيدوا أعداء الإسلام فوراً..»!!
هي إحدى الأوامر الصادرة عن مؤسس الثورة الإيرانية الخميني بحق 30 ألف سجين إيراني سياسي في صيف عام 1988، والتي بدأت في 19 يوليو 1988 واستمرت خمسة أشهر لاحقة، وجسدت أبشع إبادة جماعية ارتكبت في القرن الـ20، وكشف عنها رجلُ الدين الإيراني حسين منتظري في كتابه ذكريات «منتظري» والذي صدر في ديسمبر 2000 وأثار ضجة واسعة في إيران دفعت بالسلطات الإيرانية إلى منع تداولها واعتقال بعض الأشخاص بتهمة محاولة توزيعها في كراسات، لأنها احتوت على الكثير من الأسرار والقضايا الخلافية، من بينها وثائق سرية مهمة.
ومن بين الوثائق المنشورة من قبل منتظري هناك وثيقة لفتوى صادرة عن الخميني الذي يقول:
بسم الله الرحمن الرحيم
بما أن المنافقين الخونة لا يؤمنون بالإسلام أبداً وكل ما يطرحونه نابع من المكر والنفاق وبإقرار قادتهم يعتبرون مرتدين عن الإسلام، ومع الأخذ بنظر الاعتبار حروبهم النظامية في شمال وغرب وجنوب البلاد وتعاونهم مع حزب البعث العراقي وقيامهم بالتجسس لصالح صدام ضد شعبنا المسلم وارتباطاتهم بالاستكبار العالمي وضرباتهم الغادرة التي وجهوها منذ قيام نظام الجمهورية الإسلامية حتى الآن، فإن الموجودين منهم حالياً في السجون ومازالوا متمسكين بنفاقهم يعتبرون محاربين ويحكم عليهم بالإعدام ويتم إقرار ذلك في طهران بأكثرية آراء السادة حجة الإسلام نيري دامت إفاضاته «قاضي الشرع» والسيد اشراقي «مدعي عام طهران» وممثل وزارة المخابرات، وهكذا الأمر بالنسبة إلى سجون المحافظات يؤخذ رأي أكثرية الأصوات من السادة قاضي الشرع ومدعي عام الثورة وممثل وزارة المخابرات. إن الحزم الإسلامي حيال أعداء الله من الأحكام التي لا مجال للتردد فيها في النظام الإسلامي متمنياً أن تكسبوا رضا الله بحقدكم وغضبكم الثوري ضد أعداء الإسلام. على السادة الذين يتولون المسؤولية ألا يترددوا في ذلك أبداً وأن يسعوا ليكونوا «أشداء على الكفار»، فإن التردد في مسائل القضاء الإسلامي الثوري إهمال لدماء الشهداء الزكية. والسلام
روح الله الموسوي الخميني
ويعتبر منتظري واحداً من أكبر المرجعيات الدينية للشيعة، وقد أكسبته مواقفه السياسية المستقلة شعبية في إيران، وكان قاب قوسين أو أدنى من خلافة آية الله الخميني، وخاصة أن مطهري رئيس مجلس قيادة الثورة اغتيل في الأسابيع الأولى من انتصار الثورة على يد المتشددين الدينيين في أبريل 1979، لكن انتقاداته لولاية الفقيه التي يستمد منها النظام الحاكم في إيران شرعيته، وموقفه الذي وصفه المحافظون باللين فيما يتعلق بمسألة حقوق الإنسان، كانت مبرراً لأن يجرده الخميني من مناصبه ثم يعزله عام 1988، وقد اضطهد أتباعه وأقاربه وتعرض العديد منهم للاغتيالات.
في مذكراته «منتظري» يشير النائب السابق للخميني إلى رسالة بعثها إلى الخميني في يوليو 1988 بشأن قرار الإبادة الجماعية بحق السجناء السياسيين، فكتب منتظري في الفقرة الـ8 والأخيرة لهذه الرسالة قائلاً:
«... إعدام بضعة آلاف خلال أيام لن تكون نتائجها حميدة ولن نكون بمنأى عن الخطأ»، لكن الخميني لم يرد أو يعلق على الرسالة، وهو ما اضطره إلى مخاطبته برسالة ثانية ولكن الخميني لم يرد أيضاً، مما اضطره إلى إرسال واحدة ثالثة إلى اللجنة الخاصة استنكر وشجب فيها الإعدامات وحمـل اللجنة الخاصة مسؤولية انتهاك حرمة الإسلام.
وحول عدد الذين قتلتهم أجهزة النظام الإيراني في بضعة أيام فقط قال منتظري في كتابه:
«... في نهاية المطاف، اعدموا 2800 أو 3800 سجين سياسي من بداية الإعدامات في 31 يوليو 1988، رجالاً ونساء وحتى اعدموا الذين كانوا يصلون ويصومون».
لكن منتظري في مذكراته يتحدث عن إعدام 2800 أو 3800 في سجن «إيفين» فقط ولم يتمكن من الاطلاع على عدد المعدومين كلهم في المحافظات الإيرانية كافة، على سبيل المثال سجن «كوهردشت»، فالتقديرات تشير إلى أن أعداد السجناء الذين تم إعدامهم وصلت إلى 30.000 سجين سياسي، وشملت عمليات الإبادة الجماعية النساء المعتقلات، لم تعط أي مميزات بل تم التعامل معهن بمثل التعامل مع الرجال وأرسلن جميعهن إلى حبل المشنقة على أساس أنهن من أعداء الله، وقد حرص النظام الإيراني على أن تتم عمليات الإعدام بتكتم وسرية تامة، وأن ينكر ذلك الحدث، ولكن لوسع نطاق العملية وبشاعتها تمكن الناجون ممن بقوا على قيد الحياة من أن يكشفوا هذه الواقعة.
وقد تم التكتم حتى عن أماكن قبورهم بل ووفقاً لما تقوله المحامية الإيرانية لحقوق الإنسان شرين عبادي، قيل لعائلات السجناء المعدومين: عليكم ألا تطالبوا بتسلم الجثة وألا تقيموا الحداد بأي طريقة على روح فقيدكم، فإذا التزمتم بهذا مدة سنة فسوف نكشف لكم عن مكان قبر فقيدكم.
وتوضح تلك المجزرة التاريخية أن الفاشية الدينية في إيران هي محاكاة للقرون الوسطى في القمع والإبادة والقتل العام والاغتيالات والإعدامات والتفجيرات والأعمال الإرهابية، ويعتبر ملف حقوق الإنسان، من الملفات الساخنة منذ تأسس النظام الإيراني في عام 1979، حيث كان على الدوام ساحة للانتهاكات الصارخة ضد أبسط تلك المبادئ، ومع أن النظام موغل في ارتكاب الانتهاكات الواسعة في مجال حقوق الإنسان، غير أن الذي يجب ملاحظته والتوقف عنده ملياً هو أن الفاشية الدينية الحاكمة في إيران قامت بتوظيف العامل الديني في حكمها القمعي الاستبدادي، فوسعت كثيراً من دائرة الانتهاكات. في يوليو الماضي، نددت منظمة العفو الدولية، بتنفيذ عقوبة الإعدام بحوالي 700 محكوم منذ بدء العام الجاري وأكدت المنظمة أنه «بهذه الوتيرة الصادمة ستتجاوز إيران عدد عمليات الإعدام المسجلة في البلاد» للعام 2014 بأكمله، ويبدو القلق الذي أعرب عنه سعيد بومدوحة، مساعد مدير برنامج المنظمة للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في هذه المنظمة، له ما يبرره عندما يقول إن هذا الحد الأقصى «يرسم صورة مخيفة لجهاز الدولة الذي يقوم بأعمال قتل على نطاق واسع»، وقد ندد بومدوحة بقوة بممارسات طهران، وشدد على أنه «عار على السلطات الإيرانية إعدام المئات من دون أخذ أي آلية قانونية أساساً في عين الاعتبار».
غير أن المسألة لا تنتهي عند هذا الحد، حيث إن منظمة «هيومن رايتس واتش» الحقوقية قد قالت من جانبها أيضاً بسياق متصل إن إيران «لم تكف عن أعمال الإعدام في شهر رمضان»، حيث أعدمت أربعة أشخاص على الأقل خلال هذا الشهر، ونددت المنظمة كذلك بصدور عقوبات الإعدام عن «محاكم غير مستقلة وغير محايدة»، هذا إلى جانب ما قد صدر عن منظمات حقوقية أخرى بشأن استمرار انتهاكات حقوق الإنسان في إيران وتصاعد الإعدامات بوتائر مخيفة.
ويرجح سياسيون ومراقبون دوليون ومهتمون بالشأن الإيراني، أسباب تدهور ملف حقوق الإنسان في إيران في الفترة الأخيرة والنشاط الغريب الذي دب في ماكينة الإعدام الدموية من قبل النظام الديني المتطرف، والممارسات القمعية التعسفية، ومصادرة الحريات، ومعاداة كل ما هو إنساني وحضاري، إلى تحدي هذا النظام وبمنتهى الصلافة كل القرارات والقوانين والقيم والأعراف الدولية المتعلقة بمبادئ حقوق الإنسان، وعدم اكتراثه بقرارات المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكل قرارات الجمعية العامة التي تدين انتهاكات حقوق الإنسان في إيران باتت مجرد حدث سنوي، بدليل أن هذا العالم الذي يدين انتهاك حقوق الإنسان في إيران كل يوم، هو نفسه من كافأ هذا النظام بالاتفاق النووي مع دول 5+1، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بنفسه بارك هذا الاتفاق.
وقد سبق أن أرسلت المعارضة الإيرانية تحذيرات مستمرة من أن النظام الديني المتطرّف في طهران يوظف الاتفاق النووي لصالح تصعيد وزيادة الممارسات القمعية والتعسفية وتوسيع نطاق انتهاكاته السافرة لحقوق الإنسان، وقد حذرت زعيمة المعارضة الإيرانية مريم رجوي، من أن الاتفاق النووي مع هذا النظام سيستخدمه كغطاء وكحافز للإيغال في ممارساته اللاإنسانية ضد الشعب الإيراني.