لا تبنى الأوطان، ولا يستقر العيش، ولا يأمن المواطنون على أرواحهم وممتلكاتهم، ولا تطمئن قلوبهم، ولا تعلو وجوههم بسمة البشر، كل ذلك لا يتحقق إلا إذا عم استتباب الأمن كل أفراد المجتمع وربوع البلاد، وآمن المواطنون جميعًا بأنهم هم المستفيد الأول من خيرات بلادهم، ووضعوا أيديهم بأيدي القيادة التي أقسمت على نشر العدل وحماية الحقوق والدفاع عن الوطن، وبناء الإنسان البحريني وتهيئته وتنشئته تنشئة مسلحة بالعلم وصفاء الذهن لتولي مفاصل المملكة المهمة.
هذه الأهداف تمثلت في المشروع الإصلاحي لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى دام ملكه وطال عمره.
إن الهزة الاقتصادية التي أصابت الطاقة وعلى رأسها البترول والغاز، أثرت أيما تأثير على الدول التي تعتمد على البترول والغاز كمصدر أول لاقتصادها، حتى إن بعض تلك الدول أخذت تراجع حساباتها فجأة كأنما استيقظت من سبات عميق قبل أن تفلس!
البترول تهبط أسعاره من 140 دولارًا للبرميل إلى أقل من 40 دولارًا!
بلادنا بقيادة الحكومة الرشيدة أخذت منذ زمن غير بعيد بالتوجه إلى تنوع مصادر الدخل، وأهم هذه المصادر فتح الباب لدخول الأموال العربية وغير العربية لتكون سنداً للتجار البحرينيين وفق قوانين دقيقة تحفظ للجميع حقوقهم وتنميتها، وقيامهم بتأدية ما عليهم من واجبات، ووظفت هذه الأموال بتشييد العمارات والأبراج التي تجاوز ارتفاعها الثلاثين طابقاً وكل طابق يحتوي على العديد من الشقق والمكاتب، إلى جانب المولات الكبيرة التي انتشرت في جميع المدن والقرى والفنادق الفخمة، والمساهمة في التصنيع في المدن الصناعية، وغير ذلك من الاستثمارات التي تعود بفوائد مالية كبيرة على أصحاب رؤوس الأموال تلك، وفتح مجالات جديدة وكثيرة لطلاب العمل من البحرينيين.
في أواخر الستينات تقريباً، فجر المرحوم صالح شهاب وهو رجل كويتي عصامي، درس في مقتبل عمره في مدارس البحرين، وأحب البحرين وقيادتها وشعبها، وكان السند الأول لطلبة البحرين في الجامعات الكويتية، وأطلق هذا الرجل الطيب الذكر، مشروعه الفذ تحت مسمى ( مصانع بلا دخان)، ويقصد بذلك صناعة الفندقة والسياحة، واستفاد التجار الكويتيون من هذا المشروع استفادة كبيرة، ووظف التاريخ والآثار في الكويت، وما تتمتع به دولة الكويت من سواحل بحرية وصحراء ثرية وشعب مضياف، وظف ذلك من أجل تسويق الكويت كبلد جاذب للسياح من جميع أنحاء العالم، ونجح في مشروعه نجاحاً كبيراً.
ونحن في البحرين، حبانا الله بشخصية جليلة ذات همة كبيرة، محبة لبلادها وتقدمها، وهذه الشخصية هي الشيخة مي بنت محمد آل خليفة رئيسة هيئة البحرين للثقافة والآثار، التي أعطت هذا الجانب كل فكرها وطاقاتها ووقتها لتسويق البحرين خليجياً وعربياً ودولياً كبلد سياحي وحضاري، ويملك إرثاً من الحضارة تضرب جذورها في التاريخ الإنساني إلى أكثر من خمسة آلاف من السنين مضت، إن السياحة المدعومة بالبنى التحتية، وتنوع الآثار المحفوظة في المتاحف، والقلاع التاريخية، والمساكن القديمة بعد تحديثها ونفخ الروح فيها، واستثمار السواحل والجزر والبحر كأماكن للترفيه والاستمتاع بها في الفصول المعتدلة، والتي تناسب كل شعب من شعوب العالم، لهي في الحقيقة مصدر اقتصادي، يحرك عجلة النماء، ويسند الدولة برافد من الروافد المهمة في الدخل القومي لمملكتنا الفتية، كما إنها أولت الثقافة والإنتاج الأدبي كل عنايتها ونشره في الداخل والخارج.
وفي هذا السياق يجب أن أذكر بالخير المرحوم طارق المؤيد، الوزير الأسبق للإعلام وهيئة الإذاعة والتلفزيون، الذي أعار الآثار جل اهتمامه وخاصة القلاع القديمة، مثل قلعة البحرين التي كان يطلق عليها قلعة البرتغال – نسبة إلى البرتغاليين الذين احتلوا البحرين لفترة من الزمن، واتخذوا هذه القلعة الحصينة مقرًا لهم، حتى انتهى نفوذهم -، وقلعة الرفاع الشامخة التي أسسها أحفاد القائد الفذ أحمد الفاتح أسكنه الله فسيح جناته، ولمثل هذا فليعمل العاملون، والله الموفق.
يوسف محمد بوزيد
مؤسس نادي اللؤلؤ سابقاً
وعضو مجلس بلدي سابق