كشف رئيس مجلس أمناء مركز «دراسات» خالد بن إبراهيم الفضالة أن حجم تحويلات العمالة الوافدة بالخليج بلغ 100 مليار دولار في 2014، لافتاً إلى أن الاقتصاد الخفي للعمالة السائبة يفوق 19% بدول «التعاون».
وأشار، في كلمته خلال ندوة بعنوان «العمالة السائبة في دول مجلس التعاون الخليجي: التحديات والحلول»، نظمها المركز أمس، بمشاركة نخبة من الباحثيين المتخصصين والمهتمين، إلى أنه منذ مطلع السبعينيات، أدت حزمة من العوامل والمتغيرات إلى تدفق كبير للعمالة الأجنبية نحو دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، تأتي في مقدمتها الزيادات الكبيرة في معدلات النمو الاقتصادي بسبب الارتفاع المتصاعد في إيرادات النفط.
وقال إنه رغبة في الاستفادة من ذلك الواقع فقد شرعت دول المجلس في إقامة مشروعات وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية تتطلب موارد بشرية كبيرة، لذا كان خيار استقدام العمالة الأجنبية أمراً لا مفر منه، وأصبحت دول المجلس من أكثر الدول في العالم جذباً واستعانة بالقوى العاملة الوافدة.
وأكد أن العمالة الوافدة تستحق كل التقدير لما ساهمت به في تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة في دول مجلس التعاون الخليجي من خلال العمل في مختلف القطاعات.
وأضاف أنه مثلما كان لهذه العمالة ومازال دور حيوي في إرساء البنية التحتية والإسهام في النهضة الحضارية المعاصرة لدول المجلس، فإنها أيضا أدت إلى بروز آثار وتداعيات سلبية على صعد متعددة وأبعاد متشابكة، اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وأمنياً.
ولفت إلي أنه مع تقادم الزمن تحولت قضايا العمالة الوافدة في دول مجلس التعاون إلى هاجس يؤرق الحكومات والرأي العام والمجتمعات، وكان الهدف الرئيس من استقدامها يندرج ضمن الأهداف الاقتصادية، إلا أن التفاعلات التي أثارتها والتداعيات الناجمة عن تزايدها، باتت تشكل خطراً يهدد أمن واستقرار دول المجلس في الحاضر والمستقبل، ولاسيما أن حجم العمالة الأجنبية أصبح من الضخامة، بحيث أمست تشكل النسبة الغالبة لقوة العمل ونسبة عالية من السكان، وأنه بلغت قيمة التحويلات المالية للعمالة الوافدة إلى بلدانها نحو 100 مليار دولار عام 2014.
وبين أنه في ظل التطورات الاقتصادية والسياسية العالمية المعاصرة، أمست قضايا العمالة الأجنبية أداة للضغط السياسي والاقتصادي من جانب بعض الدول المتقدمة ومن الدول المصدرة للعمالة والمنظمات الحقوقية الدولية، ووسيلة للتدخل في شؤون وسياسات دول المجلس بدعوى انتهاكها لاتفاقات العمل الدولي وحقوق الإنسان.
وأوضح أن الندوة تسلط الضوء على العمالة السائبة، والتي يطلق عليها في أيضاً العمالة غير الشرعية، والتي تنتشر في بلدان العالم الغنية، والتي إما أنها دخلت إليها بصورة غير قانونية أو أنها استمرت في البقاء رغم انتهاء صلاحية إقامتها.
ونوه إلي أنه رغم عدم وجود احصاءات رسمية لحصر الظاهرة، إلا أن ثمة أعداداً كبيرة من العمالة السائبة في دول مجلس التعاون، وبدأت ظاهرة العمالة السائبة كحالات فردية ثم ترعرعت في ظل بيئة حاضنة ومواتية ومساعدة لتبرز في السنوات الأخيرة كظاهرة ذات تأثير كبير على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والأمني.
ولفت إلي أنه تبرز خطورة العمالة السائبة من أنها عمالة غير مسيطر عليها، ولا تخضع لضوابط في حركتها وانتقالها وممارستها للعمل، إضافة لعدم وتوفر إحصاءات أو بيانات دقيقة عن أعدادها ونوع المهن التي تمارسها والأموال التي تحصل عليها، مما يؤدي إلى ضعف سلطة الدولة عليه، بحيث يصبح تعقبها أو محاسبتها أمراً صعباً ومكلفاً.
وبين أنه بالنظر إلى الحجم الكبير من العمالة السائبة في دول مجلس التعاون فإن وجودها يؤدي إلى زيادة في حجم تحويلات الأجانب إلى الخارج، وهو ما يفقد دول المجلس أموالاً طائلة.
وذكر أنه تشير بيانات البنك الدولي التقديرية الى حجم هذه التحويلات، والتي تتراوح من 4% إلى أكثر من 10% من إجمالي الناتج القومي، والتي لو صرفت داخل دول المجلس لارتفعت معدلات النمو في إجمالي الناتج القومي بحسب تلك التقديرات.
وقال إن الاقتصاد الخفي في دول مجلس التعاون الخليجي يعد معضلة حقيقة والتي تقدر بعض الدراسات نسبته بأنه يفوق 19% في من حجم الاقتصاد في دول مجلس التعاون، وتعد العمالة السائبة المصدر الأبرز لتكوين الاقتصاد الخفي لحد كبير في دول المجلس. حيث تقدم العمالة السائبة خدمات بأسعار تنافسية تتضرر منها المؤسسات الوطنية على وجه الخصوص، وتواجه منافسة غير عادلة. لذا في واقع الأمر، إن الأنشطة التجارية الخفية للعمالة السائبة تساهم في صعوبة الوصول لإحصاءات اقتصادية صحيحة ودقيقة وشاملة بما في ذلك القيمة الصحيحة للناتج المحلي الإجمالي، وأنه ليس من المستبعد أن يكون الرقم الفعلي للناتج المحلي الإجمالي في دول مجلس التعاون أعلى من ما هو معلن.
وأكد أن دول مجلس التعاون تحاول معالجة ظاهرة العمالة السائبة بشتى الأساليب ومختلف الوسائل، بما فيها الترحيل أو المحاكمة وفق الإجراءات المناسبة، ومنحها بين الحين والآخر فترات سماح لتعديل أوضاعها أو لمغادرة البلاد. إلا أنه ما تزال دول الخليج العربي في محاولات دائمة للتخلص من العمالة السائبة أو إيجاد حلول واقعية لها، وأصبحت اليوم خطراً حقيقياً على الأمن القومي والأمن الاقتصادي، والأمن الاجتماعي.
وقال إن هذا هو ما دفع غرفة التجارة والصناعة بالبحرين إلى التعاون مع مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة «درسات» إلى إعداد دراسة حول الموضوع وتناولها التناول العلمي الرصين وصولاً لوضع حلول يمكن من خلالها التوصل إلى تحقيق آثار ونتائج ذات مردود إيجابي على اقتصاد البحرين، وتنبع أهمية تناول الموضوع من الإدراك المتنامي بخطورة ظاهرة العمالة السائبة وضرورة التصدى لها في الوقت الحاضر بخطط مدروسة وآليات واضحة وأدوار محددة لمختلف الجهات ذات الصلة بها.
وأشار إلى أن أهمّ قناعة يمكن الخروج بها من تاريخ دراسة لسياسات هجرة الأيدي العاملة هو أنّ الهجرة غير الشرعية للعمال أمر حتمي الحدوث مهما كانت سياسة التعامل معها، وهنالك محركات يمكن من خلالها فهم ظاهرة الهجرة عموماً وهجرة العمالة تحديداً. لذا فمن الضروري إمعان النظر في طبيعة القوى المحركة لها ومراقبتها بسبب تعرض هذه القوى لعملية تطور وتغيير باستمرار، وأنه ما كان يعد محركاً دافعا للهجرة بالأمس قد لا يكون هو نفسه ما يدفع للهجرة إلى هذا البلد أو الإقليم اليوم، كما أنه قد لا يستمر في المستقبل.
وذكر أنه منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى اليوم كانت هناك خمس قوى أساسية محركة للهجرة في العالم هي: أولاً: الفجوة في مستويات الأجور وفرص العمل بين البلدان الفقيرة والغنية، ثانياً: الصراعات الإقليمية وعدم الاستقرار السياسي في البلدان النامية، ثالثاً: نسبة الشباب في سكان البلدان المرسلة والمستقبلة للعمالة، رابعاً: أعداد المهاجرين إلى البلدان المستقبلة للعمالة، وخامساً: انخفاض تكاليف النقل والسفر، وبإمكاننا فهم كيف يخاطر العديد من الناس بأمنهم الشخصي، وحتى بحياتهم في محاولاتهم للدخول إلى الدول الغنية.
وأضاف أنّ حلّ المشكلات التي تتعلق بهجرة الأيدي العاملة تحتاج من أصحاب المصالح أن يكونوا على دراية تامة بأنه ليس هناك حلّ جذري وشامل لوقف الهجرة غير الشرعية للأيدي العاملة، أو حل مشكلة العمالة السائبة، إضافة إلى ذلك، فإنّ تبنّي بعض السياسات التي تمّ وضعها لحلّ تلك المشاكل عالمياً سيحمل معه بعض المخاطر التي ربما تأتي بنتائج عكسية؛ بسبب التعقيدات في عملية هجرة العمالة. كما يعدّ حلّ مشكلة الهجرة غير الشرعية للعمال والعمالة السائبة في مملكة البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي أصعب بكثير من الاقتصادات المتقدّمة الأخرى، بسبب أهميّة العمالة الأجنبية فى سوق العمل الخليجي.
وشدد على أنه يجب أن تنظر تلك السياسات في أي خطوة يتم اتخاذها برؤية واقعيّة، وأنه من الصعوبة بمكان حلّ مشكلة العمالة السائبة بشكل تام، إلا أن يمكن لبعض الإجراءات أن تقوم بالقضاء عليها تدريجياً. علاوة على ذلك، يجب على صناع القرار تحقيق التوازن بين الرغبة فى إحداث تغيير فى سوق العمل، مع الرغبة في تجنّب حدوث زعزعة لاستقرار لبعض القطاعات الاقتصادية. وعلى صعيد مجلس التعاون، فنعتقد بضرورة أن يقوم مجلس التعاون بوضع استراتيجية تعاون شاملة ومتكاملة تشتمل على الخطط والإجراءات العملية ذات الرؤية الواضحة والجادة في التنفيذ.
وتناولت جلسات الندوة محاورعديدة هامة أولاً في الجلسة الأولى تطرقت كيف يتضرر أصحاب الأعمال من ظاهرة العمالة السائبة؟ ما هي الخسائر التي تتراكم للشركات المنضبطة التي تتنافس مع الشركات غير المنضبطة؟ هل يعاني المستهلك من جودة منخفضة حينما يشتري خدمات العمالة السائبة؟ هل يشتكي العامل الأجنبي المنضبط من التنافس مع العامل الأجنبي غير المنضبط؟ إلى أي مدى تواجه العمالة السائبة الخداع لإقناعهم بمغادرة بلادهم الأصلية؟ هل تفقد الحكومة إيرادات ملحوظة بسبب العمالة السائبة؟.
وفي الجلسة الثانية ناقشت الندوة معالجة مشكلة العمالة السائبة عبر سياسات داخلية للدول الخليجية حول: التشدد في تطبيق القانون على الحدود، العقوبات للعمالة المخالفة للقانون، العقوبات للشركات والأفراد الذين يتعاملون مع العمالة السائبة تسهيل الانضباط عبر تحرير الأسواق، تحفيز العمالة السائبة على العودة إلى دولتهم الأصلية بعد انتهاء العقد.
أما الجلسة الثالثة والأخيرة فقد تناولت معالجة مشكلة العمالة السائبة عبر التنسيق مع الدول المصدرة للعمالة تطرق فيها طرح النموذج الفلبيني: هل هو ناجح، وهل يمكن تطبيقه في الدول الأخرى؟ مكافحة استغلال الوسطاء لخداع العمالة الوافدة، سبل توعية العمالة الوافدة من مخاطر الهجرة الدولية للأيدي العاملة، التعاون الأمني الدولي ودوره في مكافحة العمالة السائبة.