بدأ المحافظون في إيران معركة كسر عظام المعارضة الإصلاحية مع اقتراب موعد انتخابات «مجلس الشورى» و«مجلس خبراء القيادة» الإيرانيين في 26 فبراير الحالي، برفض ترشح الآلاف للمجلسين بزعم أنهم غير مستوفين للشروط خاصة مجلس خبراء القيادة وهو الهيئة التي تشرف على عمل مرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي ومسؤولة عن انتخاب خلف له، ويعد مجلس الخبراء 88 عضواً، ومدة ولايته 8 سنوات، ويضم رجال دين فقط، ويتوقع أن تصدر قائمة المرشحين النهائية خلال أيام. وبعد دخول الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران مع الدول الكبرى حيز التنفيذ، تعتبر الانتخابات مهمة لتحديد توجه البلاد المستقبلي.
واستبعد مجلس صيانة الدستور الأسبوع الماضي أكثر من 7000 مرشح من بين 12 ألفاً حاولوا الترشح للبرلمان بينهم أغلب المعتدلين والإصلاحيين.
ويبدو أن صراع المحافظين والإصلاحيين في الانتخابات بدأ مبكراً مع تخطيط المحافظين بزعامة خامنئي للإطاحة بحسن الخميني حفيد مؤسس الجمهورية الإيرانية آية الله روح الله الموسوي الخميني، القريب من الساسة الإصلاحيين، فيما يمثل ضربة قاصمة للمعارضة المعتدلة وللرئيس حسن روحاني. وفي ظل الموافقة على عدد قليل من المرشحين فإن من المرجح أن يستمر المحافظون في السيطرة على البرلمان ومجلس الخبراء. ويجهض المتشددون محاولات روحاني لإجراء إصلاحات داخلية منذ انتخابه رئيساً عام 2013.
وكان حسن الخميني أول فرد من عائلته يترشح في انتخابات وهو محسوب على المعتدلين سياسياً ويحظى بشعبية واسعة وسط الإصلاحيين.
وفي خطوة تعكس الخلاف بينه وبين روحاني، دعا خامنئي إلى عدم السماح لغير المحافظين بالترشح للانتخابات التشريعية.
ومع إعلان الإصلاحيين رفض مجلس صيانة الدستور الجهة المشرفة على الانتخابات ترشيح 99% منهم، خرج خامنئي ليعلن أنه لا يجب السماح لمعارضي قيم السلطة الدينية الشيعية في إيران بالترشح لعضوية البرلمان، الأمر الذي يؤكد نية المتشددين لاستبعاد حلفاء روحاني من الانتخابات القادمة وكبح طموحاته لإجراء إصلاحات داخلية.
وكان خامنئي قد دعا إلى فحص سجلات المرشحين بدقة وطمأنه رئيس مجلس صيانة الدستور أحمد جنتي إلى أن مجلسه «لن يتأثر بأي ضغوط».
ورأى مراقبون أن سياسة هندسة الانتخابات واحتمال التلاعب بالأصوات قد تؤدي إلى تكرار تجربة الانتفاضة الخضراء عام 2009 التي خرج بها الإصلاحيون في مظاهرات احتجاجية قمعت بعنف ضد ما وصفت حينها بعمليات تزوير انتخابي لصالح فوز الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد لولاية ثانية.
ويظهر جلياً أنه كلما اقتربت ساعة الصفر لخوض الاقتراعين، يحتدم الصراع أيضاً بين أقطاب نظام الحكم، حيث أطلق رئيس الجمهورية الأسبق ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني النار بشكل مباشر على المتشددين في السلطة من خلال نقده اللاذع لمجلس صيانة الدستور الذي يسيطرون عليه، وذلك على خلفية رفض أهلية أعداد كبيرة من مرشحي التيارين الإصلاحي والمعتدل، وفي مقدمتهم حسن الخميني، محذراً من اندلاع ثورة جماهيرية وعصيان شعبي في البلاد.
في المقابل، شن المتشددون الهجوم المضاد ضد رفسنجاني من كل حدب وصوب، وقال نائب مندوب المرشد في الحرس الثوري، رجل الدين، عبدالله حاجي صادقي، إن تصرفات رفسنجاني «أشبه بتصرفات الأعداء»، مشدداً على أن «أقوال رفسنجاني غير صحيحة».
ولم يكتف صادقي بذلك، بل اتهم رفسنجاني بترجيح فريقه على القانون، في إشارة إلى حسن الخميني، مؤكداً «بات رفسنجاني اليوم يرجح أقاربه وقبيلته على القانون».
وقال أحمد الخميني نجل حسن الخميني إن مجلس صيانة الدستور لم يوافق على والده بحجة أنه غير مؤهل دينياً بشكل كاف لدخول الانتخابات.
وأضاف على موقع «انستغرام» بعدما نشر عليه صورة والده وهو منكب على دراسة النصوص الدينية أن قرار مجلس صيانة الدستور صدر «رغم شهادة عشرات المراجع الدينية» لوالده.
وأوضح أنه «لقد أصبح من المؤكد أن المجلس لم يصنف والده على أنه «مجتهد» أو حاصل على معرفة كافية بالإسلام، ليكون عضواً في المجلس».
وقال عضو في مجلس صيانة الدستور إن الخميني لم يشارك في امتحان فقهي نظمه المجلس مطلع الشهر الماضي في مدينة قم وشارك فيه 400 مرشح، لتأهيلهم لخوض انتخابات المجلس. إلا أن أحمد الخميني شكك في أن يكون ذلك هو سبب استبعاد والده.
وقال «برأيي فإن السبب في عدم إجازة والدي واضحة للجميع خصوصاً بعد أن تمت إجازة «اجتهاد» الآخرين دون مشاركتهم في الامتحان».
وقبل أيام، كشفت وسائل إعلام إيرانية أن الخميني الصغير، قد يستبعد من انتخابات مجلس الخبراء لعدم مشاركته في امتحان متعلق بالفقه، بينما رأى مصدر سياسي إيراني أن هناك تنافساً واضحاً بين حسن الخميني ومجتبى خامنئي ابن المرشد الأعلى، وربما يخطط المحافظون في إيران إلى استبعاد الخميني الصغير لكسر شوكة الإصلاحيين في الوقت الذي حظي فيه حفيد الخميني بمباركة متحفظة من خامنئي، قبل إعلانه الترشح لمجلس خبراء القيادة.
وأضاف المصدر السياسي «كلاهما يريد أن يخلف آية الله خامنئي ولذلك بدأ الاثنان تدريس بحوث في الفقه ودورات متقدمة في الفقه الإسلامي تعتبر ضرورية لمن يريد أن يصبح آية الله».
وحسن الخميني ليس شخصية عامة معروفة، إلا أن ترشيحه مثير للجدل بسبب علاقاته مع الإصلاحيين وبينهم محمد خاتمي الذي تولى رئاسة البلاد من 1997 حتى 2005.
ولم يعد خاتمي يعمل في الشؤون العامة، بسبب أمر قضائي يحظر استخدام صوره أو تصريحاته في الإعلام المحلي.
ويشتد التوتر بين الإصلاحيين والمحافظين منذ الانتخابات الرئاسية في 2009 التي شهدت إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد، رئيساً للبلاد. وأعاد الإصلاحيون تنظيم صفوفهم منذ انتخابات 2013 التي فاز فيها روحاني وكانوا يأملون في العودة من خلال الانتخابات التي ستجرى نهاية الشهر الحالي.
وأثار احتمال ترشيح الخميني الصغير في انتخابات مجلس الخبراء جدال ساخن بين المتشددين والإصلاحيين لأن عضوية المجلس ستجعله في قمة المؤسسة السياسية في إيران.
ومع وفاة أبناء الخميني فإن حسن الخميني يعتبر الوريث الرئيس للأسرة وأضفى قراره دخول الساحة السياسية كثيراً من الصخب والحيوية على عالم السياسة في طهران.
وقال مصدر مقرب من الخميني إنه حظي بمباركة خامنئي في اجتماع عقد قبل أسابيع حذره فيه خامنئي قائلاً إنه «يجب عليه أن يتفادى الإساءة إلى سمعة جده».
وقال المصدر إن خامنئي قال لحسن الخميني «لا مانع من ترشيحك ولكن احذر أن تسيء إلى سمعة الخميني واحترامه».
وبحسب وسائل الإعلام، فقد شارك نحو 400 مرشح في الامتحان الفقهي الذي ينظمه مجلس صيانة الدستور في مدينة قم المقدسة، لكن حسن الخميني لم يكن حاضراً.
وصرح مقرب من حسن الخميني لوكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «ارنا» أن الأخير لم يتلق «دعوة ولا أي رسالة نصية» للتوجه إلى الامتحان. وأضاف «كان عند إجراء الامتحان يعطي درساً» في الفقه.
وكان روحاني وحليفه القوي رفسنجاني يأملان في استغلال شعبية الخميني الصغير لضخ حيوية جديدة في معسكرهم، وفي مساعدة سياسيين ذوي عقلية مماثلة في كسب أغلبية في مجلس الخبراء وفي الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في اليوم نفسه.
ولا ينحاز حسن الخميني علانية مع الإصلاحيين لكن في تحد لموجة الاعتقالات التي أعقبت الاحتجاجات التقى بالسجينين السياسيين علي رضا بهشتي ومحمد رضا جلالي بور بعد الإفراج عنهما في عام 2010.
وقال ناشط سياسي إن «لعائلة الخميني روابط وثيقة بالإصلاحيين من خلال عدة زيجات، وكانت تربط حسن الخميني وخاتمي صداقة وثيقة وقتاً طويلاً، كانا يتريضان معاً ويسبحان معاً». ورفض حسن الخميني طلب بعض الإصلاحيين أن يصبح مرشحاً للرئاسة عام 2012.