موسكو - (أ ف ب): يخوض الأتراك والروس حرباً بالوكالة في سوريا حيث تدعم أنقرة فصائل معارضة لنظام الرئيس بشار الأسد الذي تدعمه موسكو، وبات التصعيد الكلامي في الأيام الأخيرة يثير قلقاً إزاء احتمال حصول مواجهة مباشرة بين موسكو وأنقرة. فالمصالح متعارضة منذ أمد طويل بين اللاعبين الهامين في الأزمة السورية. وهي تعود حتى الى القرن السادس عشر مع أولى الحروب الروسية التركية. وفي حقبة لاحقة وبالتحديد عام 1853 تواجهت روسيا مع السلطنة العثمانية التي كانت مدعومة من البريطانيين والفرنسيين في حرب القرم، في تحالف يشبه التحالف القائم حالياً. وبالفعل فدخول الطائرات الحربية الروسية على خط النزاع السوري وإطلاق المدفعية التركية في الأيام الأخيرة النار على مواقع كردية في سوريا، تسببا بأزمة إضافية في إطار القنبلة الجيوسياسية التي تشكلها الحرب في سوريا. وبلغ الوضع الذروة على الأرض حيث تحاول فصائل المعارضة خاصة المدعومة من تركيا احتواء تقدم القوات السورية المدعومة من الطائرات الحربية الروسية. كما يدعم الروس أيضاً الأكراد السوريين الأعداء اللدودين للأتراك. ولاتزال الحرب بين موسكو وأنقرة تقتصر في الوقت الراهن على الحرب الكلامية. ففي انتقاد لاذع للكرملين دان رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو بشدة الضربات الجوية التي تشنها الطائرات الروسية في سوريا واصفاً إياها بأنها «همجية غاشمة وجبانة». وعشية ذلك اتهم أيضاً روسيا بالتصرف «كمنظمة إرهابية» وتوعد الكرملين بـ «رد حازم للغاية». في موازاة ذلك تتحدث أنقرة صراحة عن إمكانية القيام بعملية عسكرية برية في سوريا إلى جانب حلفائها خاصة السعوديين، ما قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع القوات الروسية. أما موسكو فلم تتوان من ناحيتها عن التنديد بسياسة أنقرة «الاستفزازية» بعد قيام المدفعية التركية بقصف مواقع كردية في محافظة حلب السورية الاستراتيجية.وبمعزل عن مصير الأسد، تعتبر القضية الكردية من المواضيع الخلافية الكبرى في سوريا بين البلدين. فتركيا تريد التصدي لأي رغبة لدى الأكراد الذين يسيطرون على قسم كبير شمال سوريا، في الاستقرار بشكل دائم غرب نهر الفرات والتوصل إلى إقامة منطقة تتمتع بحكم ذاتي على الحدود التركية. لكن الأكراد السوريين عرفوا كيف يعقدون تفاهمات ملائمة مع روسيا التي باتت تدافع رغم أنقرة عن رغبتهم في المشاركة في مفاوضات السلام. وفي فبراير الحالي فتحوا مكتب تمثيل لهم في موسكو. وقال المحلل السياسي الكسندر كونوفالوف «اننا عشية مواجهة. ليس لان احدا ما يريد مهاجمة الاخر، بل لأنه مع حشد عسكري على الأرض مثل هذا ومع تباين مصالح إلى هذا الحد فإن الصدفة تلعب دوراً كبيراً». إلا أن الكرملين يرفض في الوقت الحاضر التحدث عن احتمال كهذا. واختصر ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الرئيس فلاديمير بوتين، الحالة بقوله «إن علاقاتنا تمر بأزمة عميقة». ويعود مناخ المواجهة إلى أواخر نوفمبر الماضي عندما أسقطت طائرات أف 16 تركية طائرة عسكرية روسية قالت أنقرة إنها انتهكت مجالها الجوي. ولم يتأخر رد فعل موسكو على ما اعتبرته «طعنة خنجر في الظهر». وفرضت عقوبات اقتصادية تبعتها بتعزيز الترسانة العسكرية الروسية في سوريا خاصة مع نشر منظومات دفاعية جوية فائقة التطور من طراز إس 400. وفي خضم كل ذلك اتهم فلاديمير بوتين نظيره التركي رجب طيب أردوغان بالتورط في تهريب النفط الذي يقوم به تنظيم الدولة «داعش» في سوريا. وبين الرجلين اللذين تتشابه مساراتهما، تحول الحوار إلى اختبار قوة يثير قلق واشنطن وبروكسل. وستحظى تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي بمساعدة أعضاء آخرين في الحلف في حال تعرض أراضيها لهجوم. وهذه القاعدة المنصوص عليها في البند الخامس من المعاهدة المؤسسة للحلف، لا تشمل نظرياً التحركات في سوريا، لأنها تقع خارج الأراضي التركية. وقال الخبير العسكري المستقل ألكسندر غولتز «بالرغم من دعمه رسمياً أنقرة، فإن الحلف الأطلسي يسعى إلى منع الأتراك من القيام بأي تحرك متهور في سوريا بأي ثمن».