باريس - (أ ف ب): يزيد اعتداء أنقرة الذي أوقع أمس الأول 28 قتيلاً وعشرات الجرحى ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنه في حين اتهمت الحكومة التركية المقاتلين الأكراد الذين نفوا ذلك، من تعقيد النزاع في سوريا حيث تتقاطع مصالح مختلفة وتحالفات غير متوقعة.
واتهمت حكومة أنقرة حزب العمال الكردستاني المتمرد ومقاتلين أكراداً سوريين بتنفيذ الاعتداء الذي يضاف إلى اعتداءات أخرى لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنها في حين نفى الأكراد مسؤوليتهم تماماً.
واستهدف التفجير القوي 5 حافلات تنقل عسكريين أثناء توقفها عند إشارة المرور وسط العاصمة مساء الأربعاء الماضي. وأكد الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس الحكومة أحمد داود أوغلو أن حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية في سوريا يقفان وراء الهجوم.
لكن صالح مسلم، رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي، الجناح السياسي لوحدات حماية الشعب، قال «ننفي أي ضلوع في هذا الهجوم»، مضيفاً أن «هذه الاتهامات مرتبطة بشكل واضح بمحاولة التدخل في سوريا».
ونفى المسؤول في حزب العمال الكردستاني جميل بايك بدوره ضلوع حزبه في التفجير.
وأوضح داود أوغلو أن «اسم منفذ الاعتداء صالح نصار وقد ولد في عام 1992 في مدينة عامودا بشمال سوريا». إلى ذلك، قتل 6 جنود أتراك وأصيب عدد من الأشخاص في هجوم على قافلتهم جنوب شرق تركيا، نسبته مصادر أمنية إلى المتمردين الأكراد.
وهناك فرضيتان حول الهجوم، الأولى أن يكون الأكراد نفذوا الاعتداء رداً على قصف الجيش التركي مواقعهم في سوريا أو أن يكون تنظيم الدولة «داعش» الإرهابي ارتكبه بعد أن توقفت الحكومة التركية عن مساعدة المتطرفين بطلب من الولايات المتحدة التي تحاربهم، بحسب مارك بيريني سفير الاتحاد الأوروبي السابق في أنقرة والمحلل لدى مؤسسة كارنيغي اوروبا في بروكسل.
وتقول دوروتي شميت من المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية إن «هذا الاعتداء يبرهن لحلفاء تركيا أنه يستحيل العمل مع الأكراد» لكن الولايات المتحدة تزود أكراد سوريا بالمساعدات لمقاتلة تنظيم الدولة.
أما الفرضية الثالثة فهي أن الاعتداء ارتكبته «الدولة الخفية» أو القوى السرية القريبة من السلطة أو من الحركات القومية التي يتكرر الحديث عنها في تركيا.
وأوضح مارك بيريني أن «الكابوس الذي يؤرق الاتراك على الدوام» هو أن يتمكن الأكراد من الجمع بين المنطقتين اللتين يسيطرون عليهما في شمال سوريا لأنهم بذلك سيسيطرون تقريباً على كامل الحدود السورية التركية الممتدة على 900 كلم. ولهذا السبب يقصف الأتراك المواقع الكردية داخل سوريا.
من جانبه، قال الصحافي والمحلل التركي قدري غورسل إن الأكراد في جانبي الحدود مجتمعون حول «شخصية القائد التاريخي عبدالله أوجلان»، وعلى المدى البعيد، فان خطر «التطويق» الكردي لتركيا قد يحدث من الشرق اذ ان زعيم كردستان العراق مسعود بارزاني أعلن استفتاء حول استقلال الإقليم عن العراق. والهدف الآخر للنظام التركي المحافظ في بلد غالبية سكانه من السنة هو التحكم بمصير سوريا من خلال إسقاط نظام الرئيس بشار الاسد المدعوم من ايران و»حزب الله» اللبناني الشيعيين. واوضح قدري غورسل ان «اردوغان يظن ان بلاده يجب ان تكون حاضرة على الارض والا فانها لن تكون حاضرة عل طاولة المفاوضات». وتتحدث تركيا صراحة عن احتمال القيام بتوغل بري في سوريا وخصوصا مع قوات من السعودية التي تدعم على غرارها المجموعات المقاتلة المعتدلة. مثل هذا الالتزام التركي يضع البلد العضو في حلف شمال الأطلسي في مواجهة مباشرة مع القوات الروسية. وعدا عن هذا التهديد، فإن أنقرة عادت لتطالب بإقامة «منطقة آمنة» على حدودها داخل أراضي سوريا.
وأوضح مارك بيريني أن مثل هذه المنطقة العازلة التي سيتم استقبال السوريين الهاربين من الحرب فيها واحتواء تدفق اللاجئين إلى أوروبا أو تركيا، لها أهمية بالنسبة للأتراك لأنها ستؤدي إلى منع الأكراد من السيطرة على كامل الحدود الشمالية لسوريا.
لكن قدري غورسل رأى أن هذه الفكرة لم تعد ممكنة منذ أن أسقطت تركيا طائرة مقاتلة روسية على الحدود مع سوريا نهاية نوفمبر الماضي لأن روسيا باتت اليوم تسيطر عمليا «على كل المجال الجوي» شمال سوريا بعد نشر صواريخ أرض جو اس 400 وطائرات الاستطلاع توبوليف 214 أر وتفاقم التوتر في العلاقات بين البلدين. ولفت مارك بيريني إلى أن روسيا لن تردد في الرد على أي توغل تركي في هذه المنطقة.
من ناحية أخرى، يستعد نحو 500 مقاتل سوري للانضمام إلى جبهات القتال ضد الأكراد في محافظة حلب شمال سوريا غداة دخولهم من تركيا إلى تلك المنطقة التي تشهد منذ بداية الشهر الحالي معارك عنيفة.