قال رئيس تحرير جريدة الوطن يوسف البنخليل، إن «تحول السياسة الخارجية للمملكة نحو الشرق يخدم أمن البحرين، ويمهد لها للاستفادة من الشركاء في حل المشاكل الداخلية، من خلال مساهمتهم في معالجة مشاريع تطوير التعليم والبنية التحتية، وفتح فرص استثمارية بمختلف المجالات، وجميعها موجود اليوم في آسيا كما كانت في الغرب سابقاًً». وأضاف، البنخليل، خلال ندوة «الأبعاد الاستراتيجية لزيارة جلالة الملك للصين، التي نظمتها الجمعية البحرينية للتخطيط الاستراتيجي، أن» من يرسم علاقات الدول اليوم هي المصالح بشتى أنواعها، فحتى الديموقراطية صارت أداة من أدوات السياسة الخارجية تستخدم ضد الدول غير الديمقراطية، وممكن التغاضي عنها في دول أخرى يتم التعامل معها وعقد شراكة معها مع أنها دولة غير ديمقراطية».
وأوضح أن «العالم يشهد تحولات في طبيعة القوى داخل النظام الدولي، فبدءاً من 1648 مررنا بمراحل وتحولات كبيرة، بينها مرحلة أحادية قطبية تسيطر فيها قوة واحدة على العالم، ومرحلة أخرى بها قوى ثنائية قطبية تسيطران على العالم، واليوم يتوقع الكثير من الباحثين بأنه ستتركز معظم القوى الكبرى خلال عقد من اليوم، في جنوب الكرة الأرضية». وأشار رئيس تحرير صحيفة الوطن، إلى أن» القوى انتقلت عملياً من الشمال إلى الجنوب، ومن الغرب إلى الشرق، ما يعكس طبيعة التحولات التي تحدث حولنا، وضرورة مواكبتها، موضحاً أن هناك مجموعة من الدول مرشحة لتكون قوى عظمى، مثل الاتحاد الأوروبي وروسيا واليابان والصين والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل».
وقال البنخليل، إن:» مثل تلك التحولات من المهم أن نستوعبها في البحرين، وأن ننظر لما يؤثر علينا في المنطقة، واستعرض رسماً كاريكتيرياً يظهر الوطن العربي بأنه حصان كان يسيطر عليه الغرب، مشيراً إلى أن الثورات العربية التي بدأت ديسمبر 2010، خلقت رفضاً للنفوذ الغربي في أكثر من تلك الدول صاحبة الثورات، كما أن هناك دراسات وأبحاثاً تصدر لباحثين في الولايات المتحدة تؤكد تراجع نفوذ أمريكا في منطقة الشرق الأوسط».
وأضاف، أن» مثل تلك المتغيرات، تدفعنا للبحث عما سيحدث في تلك العلاقات مع الدول الغربية، المستمرة منذ القرن التاسع عشر، ومن سيملأ الفراغ في ذلك الحين؟، مشيراً إلى أن أهم ما يميز التغيرات الإقليمية في الشرق الأوسط، يكمن في رفض الشعوب والنخب الحاكمة للغرب، حتى من الدول التي لم تشهد ثورات، لذلك فإن هناك مراجعات وإعادة نظر لتغيير طبيعة السياسة والعلاقة الخارجية، الذي يدفع بأن تستمر تلك المتغيرات الإقليمية في تنامٍ أكبر، وأوضح أن الفوضى الخلاقة التي اندلعت بعد الثورات العربية، من غير المتوقع أن تنتهي قبل 10 – 15 سنة من اليوم». وأكد رئيس تحرير صحيفة الوطن، أن» الأجواء حول دول مجلس التعاون غير مستقرة، مشبهاً إياها بالدائرة أو الحلقة المفرغة من عدم الاستقرار، ابتداء من إيران، مروراً بالعراق وسوريا ولبنان، وجنوباً باتجاه اليمن، موضحاً أن بعض الدول المجاورة التي تشهد عدم استقرار مثل مصر، تدفعنا للنظر في خياراتنا الاستراتيجية كدول مجلس التعاون، والبحث عن خيارات مختلفة عما كانت عليه في السابق». وقال البنخليل، إن» البحرين تميزت في سياستها الخارجية منذ1971، بالارتباط بتحالف أحادي مع قوة عظمى أو كبرى واحدة فقط، مضيفاً أن البحرين انتهت من الهيمنة البريطانية ودخلت في تحالف قوي مع الولايات المتحدة، زاد بشكل تدريجي حتى وصل ذروته العام 1991 بعد تحرير الكويت وتوقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين أمريكا والبحرين، مشيراً إلى أنه كان لدى البحرين طيلة ذلك، علاقات مع قوى دولية كثيرة، مثل الهند واليابان والصين وتركيا وغيرها».
وأوضح، أن»السياسة الخارجية البحرينية، بدأت خلال العام قبل الماضي، تشهد تحولاً، رغم أن ذلك يندر حدوثه، بسبب طبيعة الآلية التي يتم بها تشكيل تلك السياسة الخارجية، وحتى المصالح التي تربطنا مع المنظومة الخليجية، مشيراً إلى أنه كان واضحاً لدى الرأي العام البحريني وحتى دوائر كثيرة من صناع القرار في البحرين أن هناك مشكلة في علاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية».
وأضاف» يجب أن نكون أكثر صراحة في قول ذلك ولا ندفن رؤوسنا في الرمل حتى لا تستمر المشكلة، التي يعد الاعتراف بها والبحث عن حل، جزء من حلها، موضحاً أنه كان هناك في العام 2011، مسارين، أحدهما خطر لا يعرف عواقبه، وهو الاستمرار في التحالف الأحادي، أو مسار قد يكون أكثر أماناً، باتجاه تحالفات مع مجموعة قوى دولية، يتوقع أن تكون متساوية ومصالحنا معها مشتركة».
وقال البنخليل إن:» البحرين، انتقلت اليوم من التحالف الأحادي مع المملكة المتحدة والولايات المتحدة إلى مرحلة تبحث من خلالها عن مصالح جديدة ومشتركة أهم وأعمق، تمثلت بالاتجاه ناحية القارة الآسيوية ذات القوى الناشئة، مضيفاً أنه إذا تم جمّع عدد الزيارات الرسمية التي أجراها كبار المسؤولين في البلد إلى آسيا منذ 2011 حتى اليوم، فإن عددها يفوق الزيارات لأوروبا والولايات المتحدة، بعكس العرف السائد سابقاً، وأكد أن مثل تلك التحولات في العلاقات والتحالفات قد يعرض أي دولة في المنطقة للوقوع في أضرار مع أمريكا، وليس البحرين فقط».
وأضاف أن» اهتمام المملكة بالصين، يأتي بدافع مواكبة متغيرات القوى في النظام الدولي، ذلك أن هذه الأخيرة مرشحة لتكون قوة عظمى بحلول 2020، وتطوير علاقتنا معها على مدى سبع سنوات من اليوم، سيساعد على مختلف الأصعدة الأمنية والسياسية والعسكرية، مشيراً إلى أن من المهم أن تستفيد البحرين من التجارب التنموية الناجحة في شرق آسيا، مثل الصين واليابان.
وقال رئيس تحرير صحيفة الوطن، إن:» زيارة الملك، تعتبر الأولى باعتبارها زيارة لرئيس الدولة البحرينية للصين، وهي أعلى مقام في الأعراف والبروتكولات الصينية «زيارة دولة لدولة»، موضحاً أنها تعتبر أول قمة بحرينية صينية داخل الجمهورية الصينية، التي تعتبر أكبر قوة بشرية في العالم، وثاني أضخم اقتصاد بعد الولايات المتحدة، وصاحبة حضارة عريقة وقديمة تشابه البحرين، في قاسم مشترك بخلاف القاسم الثقافي الذي قد يكون غائباً في علاقاتنا مع الغرب».
وذكر أن الرئيس الصيني أوضح في كلمته بحضور جلالة الملك ورئيس الوزراء الصيني: «لا تهمنا مساحة الدولة، ولا حجم مواردها، أو عدد سكانها، آو التجربة التي حققتها، بل ننظر لكل دول العالم بشكل متساوٍ، وما يهمنا بناء مصالح مشتركة، وتطوير علاقتنا».
وأوضح أن» ذلك يختصر عملياً النظرة الاستعلائية التي من الممكن أن تكون من دولة تجاه الأخرى، مشيراً إلى أن ما يدفع الصين للاهتمام بالبحرين ترؤسها الدورة الحالية لمجلس التعاون الخليجي، وبالتالي الدفع بشكل رسمي لتفعيل مشروع توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين دول الخليج والصين، الذي تم تجميده قبل فترة لعدة أسباب، وقدمت البحرين وعودها بنقل الطلب الصيني لقادة دول التعاون، بحيث يتم تفعيلها خلال الفترة المقبلة».
وأضاف البنخليل، أن» الاهتمام بالمملكة ينبع من كونها بوابة استثمارية لمنطقة الخليج العربي، بدليل الظهور والحضور القوي للتجار البحرينيين في الصين، مشيراً إلى أن هناك مجموعة أنشطة بالفعل ستتم في الفترة المقبلة، لتدفعهم للاستفادة من البحرين كبوابة للخليج العربي، ما يذكرنا بقصة التاجر آخوند العوضي الذي قرر في الخمسينيات السفر للصين والبحث عن فرص تجارية هناك، واكتشف بضاعة وسلعاً تستحق شراءها وتصديرها للبحرين ومجلس التعاون، ومن خلالها كون ثروة كبيرة».
وأشار إلى أن لدى الحكومة رغبة بالشراكة الاستراتيجية، ومن غير المجدي أن تبني البحرين تحالفاً استراتيجياً مع الصين، بمعزل عن مجلس التعاون، بل يفترض أن تكون الشراكة بين المنطقتين، مضيفاً أن التحدي الأكبر يكمن في تحديد دول الخليج أجندتها وأولياتها من الصين، متمنياً من قادة مجلس التعاون طرح موضوع الشراكة ذلك، على غرار ما طرح من قبل مع الأردن أو المغرب.
وأوضح أن دبي تركز خلال العشر سنوات المقبلة على تعزيز الاقتصاد الإسلامي والسفر والسياحة والطيران، ومد جسور التعاون في تلك المجالات، خصوصاً مع الصين، معتبراً أن ذلك الاهتمام ظاهرة دولية تستحق الاهتمام وتبين أن هناك فرصاً وتحولات يشهدها العالم بسبب الإنجازات التي حققتها الصين خلال العقود الماضية. وأعرب عن شكره للجمعية البحرينية للتخطيط الاستراتيجي على دعوتها للحديث في موضوع من مواضيع الساعة، التي لم يقل بريقها مقارنة بالأسابيع الماضية.