ليس من السهولة أن تختار الموسيقى سفراءها، لأن هذا اللقب لا يأتي بمرسوم جمهوري أو بمكرمة حكومية، وإنما يستحقه الفنان بعد أن يثبت حضوره في ساحة بلاده أولاً، ومن ثم في نقل فنها وثقافتها إلى خارج الحدود حتى يصبح علامة دالة على إرثها المعرفي وعمقها الحضاري.

هذا هو ما انطبق على الفنان ناظم الغزالي الذي سمي كأول سفير للأغنية العراقية بعد أن ردد أغنياته العراق بكامله، ووجدت صداها في الوطن العربي، وحتى بات من المألوف أن تعزف الفرق الأجنبية التي تزور بلداننا العربية أغنياته، مثل "فوق النخل فوق" و"طالعة من بيت أبوها" كبطاقة حب لفننا الشرقي.

وبمناسبة مرور 50 عاماً على رحيله، أقام فنانون ونقاد وجمهور عريض من عشاق فنه احتفالية ببغداد لتذكر إنجازاته في تطوير الأغنية العراقية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.

إبداع كبير وعمر قصير

أدار الاحتفالية التي نظمها بيت المدى في شارع الثقافة البغدادي "شارع المتنبي" الملحن والناقد الموسيقى محمد هادي، وتناوب عدد من الباحثين الموسيقيين والمؤرخين في الحديث.

الفنان نجاح عبدالغفور الذي أسس فرقة باسم "فرقة ناظم الغزالي" آثر التحدث باللحن والموسيقى من خلال تأدية أغاني الغزالي الشهيرة والتي استمتع بها الحضور وطالب بالمزيد.

عبدالغفور قال للعربية نت: "أسسنا هذه الفرقة عام 1996، وأعلنا عن انطلاقها في اليوم الذي يحمل ذكرى رحيل الفنان الخالد، لأننا أردنا أن نوصل رسالة لذكراه مفادها أنك حاضر دائماً في كل تفاصيل الغناء العراقي، وسنسعى للمحافظة على تراثك الكبير".
يذكر الفنان والباحث الموسيقي، حسين الأعظمي، في رسالة دكتوراه أن "ناظم الغزالي نادر الشبه، وهو من أبرز الأمثلة لمغنٍّ يفرض غناءه وفنه وإمكانياته على عصره، وقد نفذ نتاجه الفني إلى جيل العقود التي عاشها في القرن العشرين والتي تلتها ولا يزال كذلك، محدثاً انعطافاً فنياً كبيراً في مسيرة الغناء البغدادي والعراقي والعربي على وجه العموم".

ويضيف: "سيظل على الرغم من عمره القصير(1921–1963) رائد حقبة زمنية سميت باسمه ونجح فيها نجاحاً فاق التصور".
تجربة المسرح والسينما

يذكر أن بدايات ناظم الغزالي كانت مسرحية وليست غنائية، فبعد أن قبل كطالب في معهد الفنون الجميلة، انضم إلى فرقة مسرحية اسمها "الزبانية"، وقد قدم معها عدة أعمال، لعل أشهرها مسرحية "مجنون ليلى" لأمير الشعراء أحمد شوقي عام 1942، وكان دوره فيها مزدوجاً يغني ويمثل، لينفصل بعدها نهائياً عن الفرقة حين اعتمد مطرباً محترفاً في الإذاعة والتلفزيون العراقي عام 1947.

أما عن تجربته السينمائية الوحيدة فهي في فيلم "مرحباً أيها الحب" مع نجاح سلام وسافر أيامها إلى بيروت، ليغني أغنيته الشهيرة "يا أم العيون السود ما جوزن أنا".

ولم تكن هذه سفرته الأولى إلى خارج العراق، ففي الحرب ضد إسرائيل شارك الوفد الفني الذي أرسلته المملكة العراقية لدعم جيشها في فلسطين بحرب عام 1948، كما فعلت ذلك غالبية الدول التي لها تمثيل عسكري وفي المقدمة منها مصر والعراق.

أما سفرياته القادمة فقد شملت لبنان والقاهرة والكويت والخليج وبعض الدول الأوروبية، وقد حقق فيها من الشهرة ما جعله نجماً عربياً بامتياز.

ومن أغانيه ذائعة الصيت "يا أم العيون السود ما جوزن أنا – خدك الكيمر أنا اتريك منه" و"عيرتني بالشيب وهو وقار" و"فوق النخل فوق" و"أي شيء في العيد أهدي إليك يا ملاكي" و"خايف عليها ولهان بيها شامة ودكه بالحنك لو تنباع كنت اشتريها" و"أقول وقد ناحت بقربي حمامة أحبك وأحب الورد جوري عبنه (لانه) بلون خدك" و"مروا علي الحلوين وعذبوني".