عواصم - (وكالات): تكتسب الانتخابات التي تجري اليوم في إيران لاختيار برلمان جديد وأعضاء مجلس الخبراء - الذي سيختار بدوره الزعيم الأعلى المقبل للبلاد - أهمية تتجاوز المعارك المستمرة بين المتشددين المتشبثين بالسلطة والإصلاحيين الساعين لإبعادهم عنها.
وأعلن قائدة الوحدات الخاصة لقوى الأمن الداخلي الإيراني، حسن كرمي، تجهيز وحدات خاصة لمواجهة أي أعمال شغب محتمل في الانتخابات لمجلسي الشورى والخبراء والتي ستجرى اليوم، وسط أنباء عن نية القوى المتشددة «هندسة الانتخابات» لصالحها وحدوث تجمعات احتجاجية.
فهذه أول انتخابات منذ توصلت طهران إلى اتفاق مع القوى الكبرى لتقييد برنامجها النووي الأمر الذي أدى إلى رفع معظم العقوبات الدولية التي كبلت اقتصادها خلال السنوات العشر الأخيرة. وأعلنت وزارة الداخلية الإيرانية انسحاب 1400 مرشح إلى الانتخابات التي ستجري اليوم لمصلحة اللوائح الرئيسة، ما يجعل عدد المتنافسين على مقاعد مجلسي الشورى والخبراء 5003 مرشحين.
وقال المسؤول عن الانتخابات في الوزارة محمد حسين مقيمي أن عدد المرشحين أصبح 4844 مرشحاً إلى الانتخابات التشريعية مقابل 6229 في البداية، و159 مرشحاً إلى مجلس الخبراء الذي يضم رجال دين مكلفين تعيين أو إقالة المرشد الأعلى عند الضرورة، مقابل 161 أولاً.
ودعي 55 مليون إيراني إلى انتخاب أعضاء مجلس الشورى البالغ عددهم 290 وأعضاء مجلس الخبراء الذي يضم 88 عضواً، في أول اقتراع منذ توقيع الاتفاق النووي في يوليو 2015 الذي يعول عليه الرئيس حسن روحاني لتعزيز موقعه في مواجهة المحافظين.
وحدثت الانفراجة في ظل حكم روحاني صاحب التوجه البراغماتي الذي يرى فيه نقطة انطلاق لإعادة دمج إيران في المجتمع الدولي وعودتها للأسواق العالمية، لكن خصومه المتشددين مصرون على منع هذا التطور من التحول إلى تحرير للنظام المتشدد عن طريق صندوق الاقتراع.
ويرى بعض المحللين أن المنافسات الانتخابية تمثل لحظة فارقة يمكن أن تشكل مستقبل الجيل التالي في بلد تقل أعمار 60 % من سكانه عن الثلاثين. ويبلغ عدد سكان إيران 80 مليون نسمة.
وربما يشوه النتيجة قيام مجلس صيانة الدستور بشطب كثير من المرشحين من مؤيدي الإصلاح. وهذا المجلس مكون من مجموعة من رجال الدين غير المنتخبين وهو مسؤول مباشرة أمام الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي.
والمخاطر كبيرة لكل الفصائل لأن نتيجة الانتخابات قد تحدد ما إذا كان لدى روحاني تفويض بالمضي قدما في الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي سبق أن وعد بها بالإضافة إلى تأثيرها على فرص إعادة انتخابه في عام 2017.
وفي الأيام الأخيرة من حملات الدعاية الانتخابية أخذ الصراع منحى قاسياً.
ففيما يعكس الارتياب في مفاتحات روحاني للغرب اتهم خامنئي الغرب بالتآمر للتأثير في نتيجة الانتخابات وقال إنه واثق أن الإيرانيين سيصوتون من أجل الإبقاء على موقف إيران المناهض للغرب.
وقد نفى روحاني - الذي تعرض حلفاؤه لضغوط متزايدة في الحملة الانتخابية من جانب المتشددين الذين يتهمونهم بوجود صلات بينهم وبين القوى الغربية - هذه الاتهامات ووصفها بأنها إهانة لذكاء الإيرانيين.
ويأمل حلفاء روحاني المعتدلون الذين دعمهم الاتفاق النووي استعادة ما خسروه من مواقع خلال السنوات العشر الماضية. لكن عملية التدقيق في المرشحين وبطء وتيرة تحسن الوضع الاقتصادي كانا من العوامل التي عززت شعورا بين أفراد الشعب بأن إصلاحات روحاني الموعودة لم يتحقق منها شيء مما جعل المعتدلين يواجهون معركة انتخابية شرسة.
وأكدت الإجراءات التمهيدية للانتخابات أن الساسة المنتخبين هم في نهاية المطاف في قبضة رجال الدين وفقهاء القانون ومؤسساتهم غير الشفافة التي يقبع على قمتها الزعيم الأعلى.
وحتى إذا فقد حلفاؤه المتشددون سباق الانتخابات البرلمانية لصالح خصومهم المعتدلين فستظل لخامنئي السلطة النهائية فيما يذهب الرؤساء والنواب ويجيئون.
وقال محلل في طهران «لنفرض أنه أصبح لدينا حكومة إصلاحية تتمتع بأغلبية. لا أعتقد أنها ستحدث فارقاً كبيراً. فالزعيم الأعلى والحرس الثوري يضبطان الإيقاع والحدود ويحددان الاتجاه العام للبلاد».
وأضاف «يجب ألا تكون توقعاتنا كبيرة. فالمحافظون لديهم أدوات السلطة. الإعلام والجيش والمخابرات والموارد المالية الفعلية كلها في أيديهم. فهو نظام مزدوج والجانب الآخر مازال في غاية القوة».
وكانت آخر مرة فاز فيها الإصلاحيون بالأغلبية في البرلمان في عهد الرئيس الأسبق محمد خاتمي واعترض مجلس صيانة الدستور على عدة قوانين أقرها البرلمان حينذاك باعتبارها مخالفة لمبادئ الشريعة الإسلامية.
وقد أزعج احتمال الانفتاح على العالم بهذا القدر وكذلك شعبية روحاني حلفاء خامنئي المتشددين الذين يخشون فقدان السيطرة على وتيرة التغيير بالإضافة إلى التطاول على مصالحهم الاقتصادية المربحة التي كونوها خلال فترة العقوبات.
فالحرس الثوري على سبيل المثال ليس مجرد حارس لإيران بل هو إمبراطورية اقتصادية من الشركات التي تملك مصالح في قطاعات من البنوك إلى البناء والتصنيع.
ومازال الحرس يخضع للعقوبات بسبب دعمه للإرهاب. وأدى ذلك إلى تفاقم الخلافات السياسية داخل هياكل السلطة المعقدة في إيران.
ومنع مجلس صيانة الدستور آلاف المعتدلين من خوض الانتخابات ومن بينهم حسن الخميني حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله الخميني.
وتدور واحدة من أهم المعارك الانتخابية في طهران حيث يتنافس أكثر من 1000 مرشح على 30 مقعداً فقط. ورشح عدد يقدر بنحو 801 رجل من رجال الدين أنفسهم لخوض انتخابات مجلس الخبراء المؤلف من 88 عضوا غير أنه لم تتم الموافقة سوى على 166 مرشحاً. ولم يسمح للنساء بالترشح لهذا المجلس الذي سيتولى اختيار خليفة لخامنئي.
وحتى الآن كان التنافس على هذا المركز من مراكز سلطة رجال الدين حدثاً عادياً لكن الأمر يختلف هذه المرة. فبسبب الحالة الصحية لخامنئي البالغ من العمر 76 عاما من المرجح أن يختار أعضاء المجلس الجدد الذين سيخدمون لفترة ثماني سنوات خليفة الزعيم الأعلى. ومن المحتمل أن يكون الزعيم التالي من بين الأعضاء الذين سينتخبون هذا الأسبوع.
والمرشح الأول للإصلاحيين هو الرئيس السابق آية الله أكبر هاشمي رفسنجاني رغم أنه في الحادية والثمانين من العمر. وهو من مؤسسي الجمهورية وشغل منصب الرئيس في الفترة 1989-1997.
وقد اشتهر عن رفسنجاني الموجود دائماً تقريباً في مركز شبكات السلطة المتداخلة في إيران ميله للبراغماتية وبراعته السياسية. وبتأييد رفسنجاني يأمل الإصلاحيون أن يتمكنوا من خلال التحالف مع المحافظين المعتدلين من منع أبرز 3 مرشحين من المتشددين وهم أحمد جنتي ومحمد يزدي ومحمد تقي مصباح يزدي من خلافة خامنئي.
كذلك فإن رفسنجاني هو رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الذي يتوسط بين البرلمان المنتخب ومجلس صيانة الدستور المعين. لكن سلطته ضعفت في السنوات الأخيرة وتمثل ذلك في سجن اثنين من أبنائه.
واختلف مع خامنئي بعد أن أيد الحركة الخضراء المعارضة في انتخابات الرئاسة لعام 2009 والتي كانت نتيجتها موضع نزاع وأصبح متحالفا الآن مع الإصلاحيين. والرئيس روحاني نفسه هو الرجل الثاني في قائمة المرشحين الإصلاحيين لمجلس الخبراء بعد رفسنجاني.
من ناحية أخرى، أعلنت عائلة سياماك نامازي، رجل الأعمال الأمريكي الإيراني المعتقل في إيران منذ أشهر عديدة من دون أن توجه اليه اي تهمة، ان السلطات الايرانية اعتقلت ايضا والده الثمانيني.
وكانت السلطات الايرانية اعتقلت سياماك نامازي في 2015 من دون أن توجه إليه، ولم يكن في عداد الامريكيين الايرانيين الذين افرجت عنهم طهران في يناير الماضي مقابل إفراج واشنطن عن 7 غيرانيين كانت تعتقلهم.