جميعنا نعرف أن قوة الأسرة وتماسكها يؤثران في اختيارات الأبناء في حياتهم، ولا شك أن الأسرة المضطربة التي تسبب تغيرات عصبية ونفسية للأبناء - صغاراً كانوا أو كباراً- تجعلهم يبحثون عن وسائل للدفاع عن أنفسهم بطرق خاطئة ضد الاضطرابات العصبية والنفسية.
إن اختفاء المجتمع الأبوي واختفاء الأسرة الذي شاع الآن في العالم، يخلق جواً من التعاسة الداخلية وبذلك قد يعبر الشاب بنفسه بواحدة من هذين الأمرين: التمرد الدائم والغضب، أو حالة من السلبية واللامبالاة يليها الاستسلام واللجوء إلى طرق غير سوية كتعاطي المخدرات أو التوظيف الخاطئ والغير سوي للتكنولوجيا وأنواعها.
إن الدخول التكنولوجي في حياتنا يليه أوضاع مشابهة كالتي سبق ذكرها، فالانغماس في الحياة العملية الآلية (نوم - فطور- عمل أو دراسة) لابد أن يؤدي بصورة أو بأخرى إلى اختفاء الأسرة كوحدة مترابطة، فكل فرد من أفراد الأسرة سوف يعيش يومه كأمسه وغده كيومه برتابة وباستقلالية تامة عن غيره فيما عدا التعامل اليومي المعتاد. ولو جئنا إلى التعريف الذي وضعه البعض للتكنولوجيا فهي تعرف بأنها الاستخدام الأمثل للمعرفة العلمية وتطبيقاتها، وتيسيرها لخدمة العرق البشري ورفاهيته.
إلى جانب ذلك فإني أرى في التكنولوجيا جانباً آخر، أرى تدميراً للإنسان كقيمة في ذاته، فقد كانت منذ ظهورها سبباً لاندثار الروح وتلاشيها ببطء مما يستبعد كونها سبباً لذلك، فقد قضت على الاستشعار بجماليات الطبيعة حين دخلت حياة البسطاء في الأرياف والقرى، وقتلت الشعور بالحرية في المدن بمساهمتها في وضع أيديولوجيات محددة توجه الإنسان لحياة آلية وتسيطر عليه وتكبت شخصيته أكثر فأكثر، صحيح أنها تمنح مستوى معيناً من المعيشة لكنها في الوقت نفسه تحرم الإنسان من الخبرة والإثارة الحقيقية المتلخصة في اتحاده مع الطبيعة والحياة. ومع ذلك، لا يجب أن نغفل أن التكنولوجيا كانت ولا تزال عصباً للعصر الحديث تنميه وتسهله، وتساهم في بنائه بعدة أشكال، إنما الأمر محصور في طريقة تطويعها وأين يتم استخدامها ومتى. بتلخيص ما سبق، نجد أن تماسك الأسر أو تفككها يؤديان إلى تغيرات عصبية ونفسية للأبناء مما يجعلهم يتوجهون نحو طريق نير أو طريق مظلم، وظهور التكنولوجيا في عصر الأيدولوجيات الآلية الرتيبة كان سبباً لتدمير الإنسان كقيمة في ذاته وهو طريق مظلم للأبناء في الأسر المضطربة المتفككة، يلجؤون إليه للحصول على وسائل دفاعية ضد الاضطراب، ولكنه قد يكون طريقاً نيراً حين التطويع بصورة سليمة تخدم البشرية.
سوسن يوسف
نائب رئيس فريق البحرين للإعلام التطوعي