علي الشرقاوي
استطاع المؤلف الأمريكي المشهور د.واين داير، والذي يعد واحداً من كبار المعملين الروحين في العالم، أن ينقل تجربته الحياتية والروحية وكيفية تطوره الفكري والذهني والروحي عاماً بعد آخر، طامحاً نحو تحفيز الآخرين لتلقي إنتاجه الأدبي، وأن ينهلوا من معين تجربته بغية الوصول إلى مرحلة النجاح التام في الحياة التي يحلمون.
صدر لواين في عام 1976 كتاب بيع منه أكثر من 30 مليون نسخة، واعتبر كتابه هذا من أفضل الكتب التي عرفها التاريخ.
وقضى المؤلف المعروف معظم طفولته وسنوات مراهقته في ملجأ أيتام، بعدها حصل على درجة علمية من جامعة ولاية واين، ثم عمل في تدريس علم الاستشارات النفسية في جامعة القديس جون بنيو يورك.
انصرف واين للكتابة في المجلات، وإدارة عيادة استشارية خاصة، غير أن محاضراته في الجامعة التي ركزت على التفكير الإيجابي وإثارة الحماس جذبت طلاباً من كل مكان، تجول في الولايات الأمريكية وعرض محاضراته الصوتية المسجلة وكتبه.
كتاب واين (سوف تراه عندما تؤمن به) حريّ أن يعرف بتجربته، التي تعتبر إضافة جدية في المسار نحو فهم أكثر لكل ما يجري في الدواخل والعالم. فأن تضيء قلبك بنور إنسان آخر أو أرواح عظماء العالم، لهو بمثابة نقلة نوعية للوصول للأكمل والأجمل والأروع والأرقى في الحياة، ومن أجل التعرف أكثر إلى تجربة واين داير لنطلع على العالم الافتراضي لأخذ ما هو واقعي في حياة هذا الكاتب المفكر المحاضر السابح في ملكوت المحبة الإنسانية.. فمن هو واين داير هذا؟
شيء من حياة واين داير
واين ولتر داير (Wayne Dyer) مواليد 10 مايو 1940 في دترويت في ميشغان، مؤلف أمريكي ومحاضر مشهور.
يقول عن حياته الدينية «إنني أؤمن بأن المسيح لم يكن يعلم المسيحية بل كان يعلم الحب والتسامح والعطف والاهتمام بالآخرين والسلام. وإني أقول للناس: (لا تكونوا مسيحيين بل كونوا مثل المسيح. إذا كنتم تنتمون إلى الديانة البوذية فلا تكونوا بوذيين بل كونوا كبوذا، إن الناس يتربون على تعاليم دينية معينة وهم لا يسألون لماذا، لكن هذه لا تقع تحت تعريفي بالإحساس بالروح).
يعيش في هاواي. تزوج مرتين وله ثمانية أولاد. أصغر أولاده هي بنت تخرجت من المدرسة الثانوية عام 2008.
من مؤلفاته (قوة العزيمة، مواطن الضعف لديك، سوف تراه عندما تؤمن به، أوقف الأعذار، المعلم الأعظم، أمنيات متحققه، وأستطيع أن أرى الآن بوضوح) وغيرها من الكتب الكثيرة التي لم تترجم بعد إلى العربية.
داير وأسرار النجاح
يتحدث وين دير في كتابه عن أهم النصائح التي يعتبرها أسراراً للنجاح وينصح باتباعها إذا ما أردنا تحقيق أمنياتنا. والنجاح كما نفهمه من الكتاب ينطبق على كل مستويات حياتنا المعنوية والمادية، فهناك قانون كوني متكامل يحكم كل شيء في الوجود، و«النجاح» أو «السلام» هي تعبيرات متنوعة تعبر عن «تناغم» مع أنفسنا ومع الآخرين، ومع الأهداف التي نسعى لتحقيقها انطلاقاً من الوعي العميق بأنفسنا ككائنات لها إمكانات رائعة لكننا نهدرها إذا لم نعرف قيمتها، وإذا استنزفناها في صراعات لا جدوى منها. كيف نخرج من دائرة الصراع والإهدار وننطلق إلى تحقيق كل ما نريد من خير وجمال وعطاء فنحقق السلام والنجاح؟ هذا ما يقدمه لنا الكاتب من خلال عشرة مبادئ أساسية.. هي:
المبدأ الأول:
(أن يكون عقلك متفتحاً لكل نشء وأن لا يرتبط بجمود بأي شيء)
يلفت الكاتب انتباهنا إلى أن العقل المتفتح هو وراء كل جديد في حياة البشرية. فبالنظر حولنا نكتشف كم الاختراعات والأجهزة والأشياء التي ننعم بها في عالمنا المعاصر التي لولا العقول المتفتحة غير الجامدة لمن سبقونا لما وصلت إلينا، واستطعنا اليوم الاستمتاع بها، ولما حققت الإنسانية أي خطوة نحو التقدم والمدنية.
ثم يُفسر لنا «وين دير» ما المقصود بالشق الثاني من هذه الفقرة وهو الذي ينص على «أن يكون عقلك غير مرتبط بجمود بأي شيء « فيقول إن معظم المشاكل التي تظهر في حياة الأفراد فيما يخص علاقاتهم ببعض تنجم عن التشدد والارتباط برؤية معينة مُتحجرة لشكل العلاقة مما يخلق المشاكل العديدة التي لا حصر لها والتي تقضي بالطبع على السلام الداخلي وينشغل بها الفرد صباحاً ومساءً، وبذلك يبتعد عن النجاح وينسى أن له رسالة في الحياة وأنه يجب أن يسعى إليها بكل طاقته. ويضيف واين دير إذا نجحت في الابتعاد عن «الارتباط المتجمد» في علاقاتك مع الآخرين فتقول للآخر: «أنا لست مرتبطاً بك بتجمد بل إنني سوف أساندك لكي تتحرر من أي قيود تمنعك من الانطلاق نحو تحقيق ذاتك»، تكون بذلك قد تحررت من مصدر هائل للمشاكل اليومية التي تتسبب في تشتيت أفكارنا وتمنعنا من النجاح وتحقيق أحلامنا.
المبدأ الثاني:
(فاقد الشيء لا يعطيه)
أنت لا تستطيع إعطاء شيء لا تملكه، كيف أستطيع إعطاءك برتقالاً إذا كنت لا أملك برتقالاً. إذا كان قلبك يخلو من الحب، فأنت بالتالي لا تستطيع التعبير عن الحب للآخرين. وقانون الجاذبية يشير إلى أننا نعيد إعطاء العالم ما نجتذبه من العالم. وقد قابلت سيدة واين داير، وقالت له: إنني أجتذب النقص في الرزق وعدم الوفرة. وهي نفس الشكوى الصادرة عن معظم ما يقابلونه. فقال لها: (ألم تكن رسالتك اليومية بأفكارك للكون كله هي «إن حياتي كلها هي معاناة من نقص في الرزق وعدم الوفرة والاحتياج الدائم»، أي أنت مؤمنة بذلك أنت فقط تجتذبين إلى حياتك ما تؤمنين بأنك ستحصلين عليه. ما تؤمنين به يظهر في حياتك. يجب أن تتأكدي أنه إذا كانت رسالتك اليومية للكون كله «أنا في احتياج … أنا في احتياج .. أنا في احتياج» … فإن الاستجابة ستكون «الاحتياج الدائم لك .. الاحتياج الدائم لك».. لأن هذا هو ما تؤمنين به. أما إذا عملت على تغيير رؤيتك بالكامل وتساءلت: «كيف أستطيع العطاء .. كيف أستطيع العطاء .. أو كيف أستطيع خدمة الآخرين أو ما الذي أستطيع تقديمه للآخرين»… تكون الاستجابة الإلهية الفورية لعطائك للآخرين كالآتي «كل العطاء لك.. كل العطاء والخير لك».
المبدأ الثالث:
(لا نستطيع تبرير أي أحقاد «أو كراهية»)
يقول واين داير مهما ظهرت مشاعر الحقد والكراهية من الآخرين تجاهك ومهما تعددت ومهما تنوعت أشكالها، إذا ظللت تفكر في كل المواقف الصعبة والظلم الموجه من الآخرين تجاهك فإنها لن تضر أحداً في النهاية سواك. لا أحد يموت من لدغة الثعبان – اللدغة هي لدغة فقط ولكنه السم الذي يجري في عروقك هو الذي يقتلك في النهاية والأفكار التي تنم عن الكراهية هي السم الذي تسمح بانتشاره في جسدك وهو الذي سيقضي عليك في النهاية. ولكي تتخلص من انتشار هذا السم في جسدك يجب أن تبدأ بالخطوة الأولى كما ذكرها عمر الخيام في الرباعيات وهي الامتناع عن لوم الآخرين. فلنفترض أنك ترى أن علاقاتك سيئة مع من حولك وأن حياتك كلها مثيره للشفقة. يجب أن تأخذ تلك الخطوة الأولى، وأن تعترف قائلاً: كل هذا حدث لي لأن «اللوم يقع عليَّ وحدي». أنا المسؤول عما يحدث لي. أنا لا ألوم أو أكره أحداً. أنا المسؤول الأول والأخير عما يحدث في حياتي.
وينقل واين داير ما ذكره باتانجلي منذ أكثر من ألفي عام في كتابه «باتانجلي سوتراز» عندما قال «إذا امتنعت تماماً عن أي أفكار سلبية تجاه الآخرين كالغضب واللوم أو تمني الأذى لهم فإن كل مخلوقات الله تتمنع عن إيذائك ويُصبح كيانك أهلاً لتقبل النفحات الإلهية ويقول واين داير «أعرف تماماً أن العالم مليئ بهؤلاء الأشرار الذين يسعون دائماً إلى الأذى والضرر لمن حولهم ولكن إذا ظللنا نلومهم فإن تغير الأحوال سيتوقف على مدى اعترافهم بما فعلوا ونضطر إلى انتظارهم إلى أن يفعلوا ذلك، أما إذا امتنعنا تماماً عن لوم الآخرين نكون نحن قد أصبحنا المسؤولين عن حياتنا ونستطيع تحويل مجراها نحو النجاح فوراً لأن في تلك الحالة لسان حالنا يقول: مهما حدث في حياتي فأنا ملتزم بالامتناع عن الأفكار التي تنم عن الأذى تجاه الآخرين. وسوف أجاهد مع نفسي لكي أملأ قلبي بالحب تجاه كل من حولي».
ويضيف واين داير: «عندما تفعل ذلك وتتحول كل أفكارك إلى أفكار إيجابية مشبعة بالحب تجاه من حولك تكون استجابة الكون كله تجاهك بنفس الطريقة بأسرع مما تتصور. وتبدأ في اجتذاب كل ما يدخل السعادة إلى قلبك، وتتحقق أمنياتك واحدة تلو الأخرى.
المبدأ الرابع:
(لا تمت وموسيقاك لا تزال بداخلك)
يقول وين داير يجب أن تنصت إلى موسيقاك الداخلية، ثم تبدأ بالتحرك في اتجاهها. كل فرد منا لديه موسيقى داخلية، أي آمال يريد تحقيقها ولكننا نخاف أن نبدأ في عزفها وتحقيقها.
ويضيف أن موسيقاه هو الداخلية هي تلك الكتب التي يكتبها واللقاءات والكلمات التي يلقيها على جمهوره. وهذه نصيحة يوجهها إلى كل فرد (لا تصل إلى آخر يوم في حياتك دون أن تعزف موسيقاك الداخلية).
المبدأ الخامس:
(اكتشف أهمية الصمت)
يقول واين داير عن أهمية الصمت أن كل شيء في الحياة المادية على الأرض له وجهان الذكر والأنثى، الشمال والجنوب، الارتفاع والانخفاض، ولكن يوجد شيء واحد فقط يخترق كل شيء بلطف وهو الطاقة الإلهية التي تصلنا بخالقنا والسارية في الكون كله. وأقوى سلاح لدى الإنسان على كوكب الأرض هو أن يسعى إلى توسيع حالة الصلة مع هذه الطاقة التي تخترق كل شيء في الوجود. وهذا السلاح هو قدرة الإنسان على «الصمت».
وقد قيل إن صوت الصمت بين الألحان الموسيقية هو الصانع الخفي للموسيقي وقد قيل أيضاً إن الفراغ بين القضبان هو الذي يُمسك السبع. والصلاة هي محاولة لبلوغ حالة السكينة التي تسمح بالدخول في الصمت والوصول إلى حالة «الصلة» مع الخالق .
المبدأ السادس:
(التخلي عن تاريخنا الشخصي)
يقول واين داير إنه تعلم أهمية هذا المبدأ من المفكر العظيم كارلوس كاستندا وهو ضرورة التخلي عن تاريخنا الشخصي. ويضيف أن كل واحد منا يتحرك في الحياة وهو يحمل حقيبة ثقيلة من الكراكيب والسماد والتي نطلق عليها اسم «ماضينا» وبداخلها وقائع كل إنسان أساء لنا وكل واقعة جارحة لمشاعرنا وكل جرح أصبنا به وارتبطنا به ولايزال يؤثر علينا بصورة سلبية. ومن حين لآخر يطيب لنا أن نمد يدنا بداخل حقيبتنا ونخرج السماد ذا الرائحة الكريهة ونلطخ أنفسنا به ثم نتعجب متسائلين «يا ربي لماذا أصبحت رائحة حياتنا بهذا السوء أننا لا نفهم ماذا يحدث ونحزن على حياتنا».
ويؤكد (تخلص تماماً من هذه الحقيبة الكريهة أي تخلص من تاريخك الشخصي الذي يحتوي على كل الأحداث المسيئة إليك).
أقبل هذا التاريخ وسلِّم بأنه قد حدث بأمر الله ثم ضعه خلفك أي القيه بعيداً عنك «وأدمج» نفسك في «الآن» أي في اللحظة الحالية ولا تنظر خلفك وسر إلى الأمام.
المبدأ السابع:
(أنت لا تستطيع حل مشكلة بنفس التفكير الذي خلقها أساساً)
يقول واين داير إنه استوحى هذا المبدأ من البرت اينشتاين «عندما تحدث مشكلة بينك وبين الآخرين وترغب في حلها يجب أن تغير طريقة تفكيرك عنها. أولاً اعترف لنفسك أنك كنت مُخطئاً وهذا ليس شيئاً صعباً، إنه فقط يعني أنك تقول: لقد كنت مُخطئاً في بعض اختياراتي وتصرفاتي وأنا لا أنوي الاستمرار في عمل ذلك. ويجب ألا تشعر بتأنيب الضمير ولا يحتاج الأمر أن تُعلنه على الآخرين بل فقط اعترف به لنفسك. واعرف أن السر في وجود أي علاقة جيدة يكمن في أن تحب وتقبل الآخر على ما هو عليه، لا أن تحبه على الصورة التي ترغب أن يتحول إليها . ولا تسعي إلي تغيير الآخر فقط تعلم كيف تُغير أفكارك عن الآخر».
المبدأ الثامن:
(تعامل مع نفسك في الحياة كما لو كانت بالفعل قد حققت المكانة التي تسعى إليها)
اعمل على تذكير نفسك بأنك قد حصلت بالفعل على كل ما تحلم به. استخدم قدرتك على التخيل على أوسع نطاق ممكن، بحيث ترى نفسك وقد حصلت على كل أحلامك دون لحظة واحدة من «الشك» أي «بيقين» كامل بأنك قد حققت أحلامك، وتبدأ كل يوم في حياتك بحالة من الانشراح الكامل والتفاؤل والاستبشار. ويوضح هنا أن هذا ليس ضرباً من ضروب أحلام اليقظة ولكنه يقين من جانب الإنسان بأن وضع أساس سليم، والقيام بالعمل الجاد والمخلص لابد أن ينتج عنه بناء حقيقي جاء ثمرة للتناغم مع القوانين الكونية الفاعلة.
المبدأ التاسع:
(يجب أن تعمل على تفعيل الجانب المقدس في وجودك واعلم أنك موصول بخالقك)
يقول الكاتب لذلك لا ترفض تلك الأفكار الصادرة من القلب «إنها فقط أفكاري البسيطة التي لا تستحق الاعتبار.. لا تفعل ذلك لأنك لست كائناً وحيداً بل أنت في حالة صلة دائمة مع خالقك بما فيك من روح الله، وبقدر حرصك على إقامة هذه الصلة كما في المبدأ الخامس.
المبدأ العاشر:
(الحكمة الحقيقية هي أن تتعلم كيف تتفادى كل الأفكار التي تضعفك)
يقول إن الأفكار التي يكون مصدرها الخوف والقلق لابد أن تضعفك في النهاية. وعندما تطرأ عليك مثل هذه الأفكار امتنع عنها فوراً وذكر نفسك بأنك كائن في صلة دائمة بخالقك. وتذكر دائماً أن ما يظهر في حياتك ويتسع هو ما تفكر به كثيراً. إن الحديث عن أطروحات واين داير يحتاج إلى العديد من الكتب، فهناك الكثير من الآراء التي تلهم القراء والباحثين في العالم، وتساعد الآخرين إلى أخذ زمام المبادرة للدخول في عوالم جديدة لم يتعودوا عليها في حياتهم المحاصرة بالظروف السلبية، خاصة وهو يؤكد دائماً على ضرورة أن تكون حياتك من صنع أفكارك وأحلامك، لا احد سيمنحك ما تريد أن تكون غير نفسك، فأنت عملياً لا تحتاج إلى أن تغير حياتك كما يطرح الكثير من معلمي تطوير الذات، بقدر ما تعود إلى ذاتك، حيث كل شيء متوفر لك منذ وجودك على هذه الأرض، أنت لا تحتاج إلى أي دعم من الخارج أو من الغير، فكل الأسلحة لديك. ما عليك إلا أن تستعملها لترى ما تؤمن به وتلتقي، بكل ما لا يمكن أن يراه غيرك. واين داير علمني وعلم الآخرين في العالم، أنك أنت وحدك معادل للكون، ما عليك إلا أن تكتشف ذلك، ولا يمكنك اكتشاف ذلك إلا من خلال الغوص عميقاً في ذاتك.