نوه وزير المالية الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة بالتقدم الملموس الذي تم إحرازه في مجال حفز النمو الاقتصادي بالمملكة، والاستمرار في تحقيق معدلات إيجابية مرضية في هذا المجال على امتداد السنوات الماضية، وحصر البطالة في نطاق محدود للغاية.
وأكد في كلمته خلال الجلسة الافتتاحية لاجتماعات الهيئات المالية العربية والتي تعقد لأول مرة في البحرين برعاية صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، أن البحرين تنبهت منذ مرحلة مبكرة لحتمية تنويع مسارات الاقتصاد الوطني بحيث لا يتمحور حول عائدات النفط دون غيرها.
وقال الوزير «من هنا كان إطلاق مشاريع عملاقة في العديد من القطاعات الحيوية كالألمنيوم، البتروكيماويات، الموانئ، الخدمات اللوجستية والاتصالات وغيرها، مع عدم إغفال قطاع الخدمات المالية والمصرفية الذي يمثل أولوية أساسية في هذا المجال».
وقدم الوزير شكره، إلى صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء على تفضله بإحاطة الاجتماعات السنوية المشتركة للهيئات المالية العربية برعاية سموه الكريمة.
وحول المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر في المملكة، أكد الوزير أن دعم هذه المشاريع ليس مجرد أولوية ضمن أولويات، بل سياسة حكومية معتمدة مفادها أن هذه المشاريع تمثل أحد المحركات الرئيسة لعجلة النشاط الاقتصادي وإطلاق أفكار خلاقة جديدة. ونوه في هذا السياق، بالشراكة الإيجابية القائمة بين برنامج التعاون الفني في ترويج الاستثمار «ITAP» الذي تديره المؤسسة الإسلامية لتأمين الاستثمار وائتمان الصادرات التابعة لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية، والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا، والمركز العربي لريادة الأعمال والاستثمار التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية في البحرين، وصولاً إلى بلورة آليات مبتكرة في مجال تحفيز الاستثمار والتمكين الاقتصادي للشباب والمرأة ولمفهوم ريادة الأعمال بوجه عام عبر أنظمة الحاضنات الصناعية.
وأكد الوزير أن أي نجاح حققته وتحققه البحرين في القطاع المالي والاقتصادي يرجع إلى توافر الإطار التشريعي المشجع للاستثمار والمحفز للنشاط الاقتصادي من ناحية، والاهتمام الكبير الذي توليه الحكومة لتأهيل وتدريب العنصر البشري باعتباره ركيزة أساسية لعملية التنمية من ناحية أخرى.
وأعرب الشيخ أحمد بن محمد عن اعتزاز المملكة باحتضان اجتماعات الهيئات المالية العربية لأول مرة، واستقبال هذا الجمع الرفيع من صناع القرار وكبار المسؤولين والخبراء في دوائر المال والاستثمار والعمل المصرفي في العالم العربي.
ونوه بالدور الرائد للهيئات المالية العربية في إرساء مقومات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية وتثبيت دعائمها، والعمل على تعزيز التعاون والتكامل الاقتصادي العربي.
وأشار الوزير، إلى أنه مع الأخذ في الاعتبار الجهد الذي بذلته هذه المؤسسات في الارتقاء باقتصاداتنا العربية على مدار السنوات والعقود الماضية، فإن هناك حاجة ماسة لتقويتها وتوسيع وتعميق دورها بالنظر لما تشهده المنطقة العربية من تطورات بالغة الأهمية، وصولاً إلى الارتقاء بخدماتها وبرامجها على النحو الذي يلبي الاحتياجات التنموية المتزايدة للدول العربية والتطلعات والطموحات الكبيرة في هذا المجال.
وأشار الوزير إلى أن الدول العربية قطعت خطوات لا يستهان بها في مجال الإصلاح الاقتصادي، حيث بادرت الدول المصدرة للنفط باستجابات سريعة حيال التراجع المستمر في الأسعار من خلال إصلاحات هيكلية في المالية العامة دون الاكتفاء بالاعتماد على الاحتياطيات النقدية المتوافرة لدى البعض منها.
وأوضح أن الأولويات الأساسية في هذا الصدد تكمن في مواصلة استراتيجيات التنويع الاقتصادي، والعمل على زيادة الإيرادات غير النفطية، وضبط نفقات الأجور والرواتب، والخروج التدريجي من سياسات دعم الطاقة، إضافة إلى تقوية كفاءة الاستثمارات العامة، الأمر الذي يتطلب خططاً متوسطة وطويلة الأجل تحقق أوضاعاً مالية مستدامة وتخلق البيئة المحفزة لنمو وازدهار القطاع الخاص.
وأضاف وزير المالية «على الرغم من الحيز المالي المتاح للدول العربية المستوردة للنفط من جراء انخفاض الأسعار العالمية من جهة، والتحسن في النشاط الاقتصادي في منطقة اليورو من جهة أخرى، إلا أن هذه الدول معنية بمواصلة اتباع سياسات اقتصادية ومالية فعالة واستمرار اتخاذ الإصلاحات الهيكلية المناسبة لتعزز من قدرة اقتصاداتها على مواجهة الصدمات الخارجية».
وقال إنه يتعين أن تشمل هذه السياسات جهوداً لتحقيق العدالة الضريبية، وتطوير نظم وآليات الدعم، وبناء شبكات الحماية الاجتماعية، بما يحرر الموارد اللازمة للاستثمار في البنية التحتية والتنمية البشرية.
وأوضح أن الاقتصادات العربية تواجه تحديات في ضوء استمرار تباطؤ النشاط الاقتصادي العالمي وحركة التجارة الدولية، وانخفاض الأسعار العالمية للسلع الأساسية، وفي مقدمتها النفط، إلى جانب تواصل تأثر عدد من الدول العربية بتطورات داخلية تنعكس على النشاط والاستقرار الاقتصادي لديها.
وأبان أن هذه التطورات تزيد من صعوبة ضبط الأوضاع المالية في مجملها وتضاعف من تحديات تحقيق استقرار أسواق التمويل والصرف، كما تلقي بظلالها على مساعي إرساء النمو الشامل والمستدام، حيث إن تقديرات النمو للدول العربية -رغم تحسنها النسبي- لاتزال دون المستويات المطلوبة لمواجهة ارتفاع معدلات البطالة خاصة بين فئات الشباب، والتي تعد الأعلى بين المجموعات الإقليمية المماثلة.
وأكد أنه يتعين أن تحظى السياسات الرامية إلى مواجهة مشكلة البطالة وتحقيق الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية بأولوية قصوى في اهتمامات صانعي السياسات والمؤسسات المالية والتنموية، دون إغفال الحاجة لضرورة إعمال الانضباط المالي والنقدي وما يتطلبه ذلك من إصلاحات هيكلية شاملة.
الوزير أكد في كلمته، أن هذه التحديات لا يجب أن تدفعنا إلى اليأس، بل علينا أن نتخذ منها قوة دافعة للتطوير والتقدم، بحيث نمضي في نفس الوقت في تعزيز القطاعات الاقتصادية القائمة، واستحداث قطاعات جديدة واعدة، وإرساء قواعد اقتصاد معرفي مواكب للمعطيات الحديثة، مع زيادة إنتاجية مرافقنا الصناعية والخدمية المختلفة وتكريس مفاهيم الأمن والسلامة البيئية والاستخدام الأمثل للطاقة باعتبارها ركائز مكملة لعملية التنمية المستدامة، لا تعوقها ولا تتعارض معها بل هي في حد ذاتها وسيلة لاستشراف آفاق اقتصادية جديدة وتوفير بيئة صحية آمنة لجيل اليوم وللأجيال القادمة.
وركز الوزير على أن تحقيق هذا كله ليس مستحيلاً، خاصة مع وجود بنية مؤسسية داعمة للعمل التنموي العربي المشترك ممثلة في هيئاتنا المالية العربية.
وأكد الشيخ أحمد بن محمد وجود حاجة ملحة لجهود إضافية كبيرة من هذه المؤسسات خاصة فيما يتعلق بدعم سياسات التنويع الاقتصادي والإصلاحات الهيكلية، وبناء القدرات.
ولفت إلى أن زيادة معدلات النمو الاقتصادي ورفع المستوى المعيشي للمواطنين وإيجاد فرص عمل جديدة تتطلب خطوات واسعة في مجال تهيئة البيئة الاقتصادية المحفزة للقطاع الخاص والجاذبة للاستثمار، وتقوية أسواق التمويل المحلية، والاهتمام بدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتطوير أسواق العمل وزيادة مرونتها، بالإضافة إلى تعزيز التكامل الاقتصادي العربي بوجه عام كوسيلة لتشجيع الاستثمارات العربية البينية التي تخدم احتياجات التنمية المستدامة، وفي كل هذه المهام هناك دور فاعل وإسهام لا غنى عنه من جانب الهيئات المالية العربية.
وشدد على أن تضافر الجهود ووحدة الهدف لا يمكن إلا أن يؤديا إلى نتائج إيجابية وأهداف محققة على أرض الواقع، نتائج تبني على ما سبق وتسهم في إعادة صياغة هوية الاقتصاد العربي بما يجعله أكثر قدرة على التكيف مع التحديات الراهنة، نتائج تجعلنا نشعر بأن العمل العربي المشترك في جانبه التنموي مستمر وآخذ في التقدم رغم العوائق والتحديات، وبأننا به ومعه نمضي على الطريق الصحيح.