توقع صندوق النقد العربي في تقرير نمو اقتصادات الدول العربية 2.8% خلال العام الحالي لتتحسن إلى 3.1% في 2017، ومن المرجح أن يرتفع إجمالي النمو في دول مجلس التعاون الخليجي إلى 2.6% العام المقبل مقارنة مع 2.5% العام الحالي مدعوماً بالارتفاع المتوقع لأسعار النفط والانحسار التدريجي لأثر سياسات التصحيح المالي.
وتأتي توقعات الصندوق، في ظل التوقعات باتجاه الأسعار العالمية للنفط نحو الارتفاع وبفرض تحسن الأوضاع الداخلية في عدد من البلدان العربية وتعافي النشاط الاقتصادي العالمي.
وفي تقريره بعنوان «آفاق الاقتصاد العربي»، الذي يتضمن توقعات الأداء الاقتصادي للدول العربية خلال عامي 2016 و2017، أكد «النقد العربي» أن من شأن التطورات الداخلية التي تعيشها بعض بلدان المنطقة أن توثر على فرص النمو في 2016.
وفيما يتعلق باتجاهات النمو الاقتصادي في الدول العربية، أشار التقرير إلى استمرار تأثر الاقتصادات العربية في عام 2015 بالتطورات في البيئة الاقتصادية الدولية، خاصة فيما يتعلق ببطء تعافي النشاط الاقتصادي العالمي والتجارة الدولية وانخفاض أسعار السلع الأساسية، وعلى رأسها النفط الذي فقدت أسعاره في عام 2015 نحو 49% من مستواها المسجل عام 2014. إضافة لما سبق، تأثر عدد من الدول العربية خلال عام 2015 بالتطورات الداخلية التي مازالت تؤثر على الأوضاع الاقتصادية في هذه البلدان.
وفي مواجهة هذه التطورات، لجأت بعض الدول العربية المصدرة للنفط، لاسيما دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى الإبقاء على الإنفاق العام عند مستويات داعمة للنمو مع تركيز أكبر على اعتبارات الاستدامة المالية، إضافة إلى لجوء بعضها إلى زيادة كميات الإنتاج النفطي للتخفيف من أثر تراجع أسعار النفط على توازناتها الاقتصادية الداخلية والخارجية.
على الجانب الآخر، تواصل استفادة الدول العربية المستوردة للنفط للعام الثاني على التوالي من عدة عوامل أهمها التحسن التدريجي للأوضاع الداخلية، وما نتج عنه من دعم لمستويات الاستهلاك والاستثمار، إضافة إلى التأثير الإيجابي لانخفاض أسعار النفط والإصلاحات الاقتصادية التي شرع بعضها في تبنيها منذ عام 2011.
وتشير التقديرات إلى تسجيل الدول العربية كمجموعة معدل نمو يقدر بنحو 3.2% عام 2015، مدعوماً بشكل رئيس بالنمو معتدل الوتيرة في كل من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومجموعة الدول العربية المستوردة للنفط، ما سيخفف من تأثير تباطؤ معدل نمو مجموعة الدول العربية الأخرى المصدرة للنفط.
وعلى صعيد مجموعات الدول العربية المختلفة، من المتوقع استمرار تباين الأداء الاقتصادي ما بين الدول العربية المُصدرة للنفط التي من المتوقع أن يشهد نموها تباطؤاً خلال عامي 2016 و2017، وبين الدول العربية المستوردة له، التي من المتوقع أن تواصل تحقيق معدلات نمو مرتفعة الوتيرة خلال تلك الفترة.
ففيما يتعلق بالدول العربية المُصدرة للنفط، توقع صندوق النقد العربي نمو اقتصاداتها بنحو 2.6% خلال العام الحالي وارتفاعه إلى 3.1 % عام 2017. وعلى مستوى الأداء داخل هذه المجموعة، من المتوقع ظهور تأثير تراجع الأسعار العالمية للنفط وسياسات التصحيح المالي على النشاط الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي في 2016، ما يتوقع على ضوئه انخفاض معدل نمو دول المجلس إلى 2.5% عام 2016، فيما يتوقع ارتفاع النمو إلى 2.6% العام 2017 مدعوماً بالارتفاع المتوقع لأسعار النفط والانحسار التدريجي لأثر سياسات التصحيح المالي.
أما البلدان العربية الأخرى المصدرة للنفط، فمن المتوقع أن تنمو 3.8% عام 2016 وبنحو 6.7% في 2017 بفرض تحسن الأوضاع الداخلية، إذ يعكس هذا النمو بالأساس ضعف النشاط الاقتصادي في السنوات السابقة.
على الجانب الآخر، من المتوقع تواصل النمو مرتفع الوتيرة في الدول العربية المستوردة للنفط، حيث من المتوقع أن تنمو بنسبة 3.8% العام الجاري و4.3% عام 2017، في ظل التوقعات باتجاه الأوضاع الداخلية في هذه البلدان نحو الاستقرار وتعافي القطاعات الاقتصادية الرئيسة المولدة للقيمة المضافة نظراً للنمو المتوقع في الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية.
كما سيشكل المضي قدماً في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية في تلك الدول أساساً دافعاً للنمو، خاصة فيما يتعلق بإصلاحات زيادة الطاقة الإنتاجية وتعزيز التنافسية.
وأشار التقرير إلى التحديات التي يواجهها الاقتصاد العالمي خلال العامين القادمين، ففيما يتوقع أن يعود سوق النفط العالمي إلى حالة التوازن نظراً لانحسار إنتاج النفط الصخري واتفاق دول «أوبك» على عدم رفع الإنتاج مجدداً، ويتوقع أن يكون متوسط سعر النفط 40 دولاراً للبرميل خلال العام 2016، إلا أنه في المدى المتوسط قد يصعب تجاوز السعر العالمي مستوى 60 دولاراً للبرميل نظراً لإمكان عودة منتجي النفط الصخري إلى العمل دون الحاجة لاستثمارات كبيرة.
وقال التقرير «يبقى التحدي الأكبر للنمو العالمي هو أداء الاقتصادات الناشئة والنامية في ظل انخفاض التجارة العالمية، وانخفاض تدفقات رؤوس الأموال إليها، بينما يعود انخفاض سعر النفط بأثر إيجابي على الاقتصادات المتقدمة، ما قد يعزز فرص نمو بعض الدول العربية المستوردة للنفط لاعتماد صادراتها على أداء شركائها التجاريين الأساسيين».
وأضاف التقرير «تتجه الأنظار تحديداً إلى الاقتصاد الصيني الذي يمر بفترة من التحول الهيكلي تحاول فيه الحكومة تعزيز الطلب الداخلي ليساهم في استدامة النمو الاقتصادي، ولاتزال هناك دول أوروبية في حاجة لمزيد من الإصلاحات الهيكلية أسوة بإسبانيا التي أدت أداءً إيجابياً بعد تدشين إصلاحاتها».
وواصل «بينما تكون الصورة أكثر تحدياً في الدول المصدرة للسلع الأساسية حيث يتوقع استمرار التحدي للاقتصادين الروسي والبرازيلي، بعكس الهند التي يتوقع أن تواصل أداءها الاقتصادي الإيجابي على خلفية الإصلاحات الاقتصادية التي قامت بها حكومتها خلال الفترة الماضية، بينما يستمر الاقتصاد الأمريكي في مسار النمو رغم انخفاض الصادرات عن مستواها المتوقع».
وذكر التقرير «لعل ارتفاع سعر الدولار الأمريكي يعتبر أكثر ما يؤثر على صادرات الولايات المتحدة الأمريكية إضافة إلى أثره السلبي على كلفة خدمة الدين لدى الدول الناشئة والنامية حيث إن جزءاً من ديونها مقوم بالدولار الأمريكي».
وأوضح التقرير تأثر مستويات التضخم في الدول العربية خلال عام 2015 بمجموعة من العوامل المتباينة، حيث أدى تراجع الأسعار العالمية للنفط والغذاء وارتفاع قيمة الدولار أمام العملات الرئيسة، إلى تراجع أثر التضخم المستورد في بعض الدول العربية.
كما انعكس أثر انخفاض الأداء الاقتصادي والسياسات النقدية المنضبطة في عدد من الدول العربية على معدلات التضخم في تلك البلدان. لكن في المقابل شهدت بعض البلدان العربية ضغوطاً تضخمية ناتجة عن تدابير إصلاح نظم دعم السلع الأساسية. كما أدت الظروف الداخلية التي شهدتها بعض الدول العربية إلى زيادة الضغوط التضخمية الناتجة عن ارتفاع مستويات الطلب.
ونتيجة لتلك التطورات، شهد العام 2015 تراجع معدل التضخم في الدول العربية كمجموعة إلى نحو 6.5% مقارنة مع 8.1% مسجلة العام السابق.
وبالنسبة لمعدلات التضخم المتوقعة في الدول العربية خلال عام 2016، توقع التقرير ارتفاع معدل التضخم في الدول العربية كمجموعة ليبلغ حوالي 7.4%.
ويعزى ذلك بصفة أساسية إلى ارتفاع المستوى العام للأسعار بسبب استمرار الحكومات في مراجعة وتقييم الدعم الحكومي ذلك بما يشمل تعديل منظومة دعم منتجات الطاقة والمياه والكهرباء. إضافة إلى توقع ارتفاع مستويات التضخم المدفوع بعوامل جذب الطلب في بعض الدول العربية خلال عام 2016 نتيجة للزيادة المتوقعة في أجور العاملين. كما أن تواصل انخفاض المعروض من السلع والخدمات، في الدول التي تشهد تطورات داخلية، من شأنه أن يؤثر على المستوى العام للأسعار في تلك الدول.
وقال التقرير «يتعرض سعر الصرف في بعض الدول لضغوط نظراً لنقص المتوفر من العملة الأجنبية واتجاه حكومات تلك الدول إلى زيادة مستويات مرونة سعر الصرف، ما من شأنه أن يساهم في زيادة أثر التمرير الناتج عن تراجع قيمة العملة المحلية لمعدلات التضخم».
من جانب آخر، فإن تواصل تراجع الأسعار العالمية للنفط وانخفاض وتيرة تنفيذ المشروعات الاستثمارية في عدد من الدول، من شأنه أن يخفض من حدة الضغوط التضخمية في بعض الدول العربية خلال عام 2016.
أما في عام 2017، وفي ظل التوقعات بالارتفاع النسبي في الأسعار العالمية للنفط والمواد الخام في ضوء توقع تحسن النشاط الاقتصادي العالمي، فإنه من المتوقع أن يرتفع معدل التضخم في البلدان العربية كمجموعة إلى نحو 8.1%.
وعلى صعيد اتجاهات السياسة النقدية، رفعت جل الدول العربية المرتبطة بالدولار أسعار الإيداع لديها لليلة واحدة «overnight» بحوالي 25 نقطة أساس لكي تواجه الارتفاع في أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية. ويبقى لدى هذه الدول تحدي تفاوت دوراتها الاقتصادية عن الدورة الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية.
وأكد التقرير، أن الدول العربية المصدرة للنفط، تواجه تحديات انخفاض دخل النفط لديها مع احتمال رفع أسعار الفائدة تبعاً لتوقعات رفعها في الولايات المتحدة الأمريكية خلال 2016 و2017، ما يعزز من أهمية الإصلاحات الهيكلية في هذه الدول.
أما في الدول المستوردة للنفط، فإن انخفاض أسعار المواد الأساسية ساهم في خفض معدلات التضخم في معظمها، خصوصاً تلك التي حررت أسعار الطاقة من الدعم كلياً، لكن التحدي لبعض هذه الدول هو في استمرار انخفاض سعر صرف عملاتها ما يضيف ضغوطاً تضخمية بالاتجاه المعاكس.
على صعيد التطورات المصرفية، من المتوقع أن يؤثر انخفاض أسعار النفط وتوقع تباطؤ اقتصادات الدول المنتجة له سلباً على معدل نمو الودائع في القطاع المصرفي العربي، نظراً إلى الحجم النسبي للقطاع المصرفي لهذه الدول.
ويبقى التحدي في السنوات القادمة في الحفاظ على مستوى منخفض من الديون المتعثرة، ومن هنا تبرز الحاجة لاستمرار الإنفاق الحكومي ما قد يدفع تلك الدول إلى إصلاحات هيكلية ومالية تساهم في الإبقاء على مستويات الإنفاق العام قريباً من مستوياتها الحالية.
وعلى صعيد الأوضاع المالية، كان للتغيرات في الأسعار العالمية للنفط تأثيرات على الموازنات العامة في الدول العربية عام 2015، وإن اختلفت تلك التأثيرات حسب مجموعات الدول المختلفة.
فمن جهة تأثرت الدول العربية المصدرة للنفط جراء تراجع الأسعار العالمية للنفط، ما انعكس بشكل كبير على الإيرادات النفطية للدول العربية الرئيسة المصدرة للنفط التي تسهم بالجزء الأكبر من الإيرادات العامة التي تراجعت بنسبة 42% عام 2015.
من جهة أخرى، استفادت الدول العربية المستوردة للنفط من انخفاض أسعاره بما خفف من الضغوط على الموازنات العامة، لاسيما على ضوء ارتفاع كلفة بنود دعم السلع الأساسية في موازنات هذه الدول، ما انعكس إيجاباً على أوضاع المالية العامة.
وكمحصلة لما سبق، من المتوقع ارتفاع العجز في الموازنة المجمعة للدول العربية من 2.8% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014 إلى 11.4% عام 2015 حسب التقديرات.
وكان من أبرز ما اتسمت به ملامح السياسة المالية في الدول العربية خلال عامي 2015 و2016 سواء تلك المصدرة للنفط أو المستوردة له، التركيز بشكل كبير على تنفيذ حزم واسعة النطاق من إصلاحات المالية العامة استهدفت ترشيد الإنفاق العام ودعم الإيرادات بهدف ضبط أوضاع الموازنات العامة وضمان استدامتها، لاسيما على ضوء التحديات التي تواجه السياسة المالية في هذه البلدان.
وفي هذا الإطار، جاء الإصلاح الضريبي على رأس أولويات صانعي السياسات المالية حيث بُذلت جهود عدة لدعم الإيرادات الضريبية وضمان عدالة وكفاءة منظومة الضرائب من خلال مراجعة شرائح الضرائب على الدخل وأرباح الشركات، إضافة إلى تبني أو إصلاح ضرائب القيمة المضافة، وتوجيه النظام الضريبي لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والمناطق الواعدة.
كما تحول الاهتمام نحو ضبط بنود الإنفاق العام من خلال ترشيد الإنفاق الجاري عبر ضبط نفقات الأجور والمضي قدماً في إصلاح منظومة دعم السلع الأساسية، إضافة إلى رفع كفاءة الإنفاق الاستثماري. كما أولت الحكومات العربية اهتماماً كبيراً برفع مستويات شفافية وكفاءة إدارة الموازنة العامة وخفض العجوزات.