أنعش ذاكرتكم بنهاية موضوعنا السابق، ونكمل قضية الطفلة التي ذكرت بأنها كانت المعنفة لوالدتها، طفلة لم تتجاوز الثانية عشرة من عمرها تعامل الأم كأمة بازدراء وتعنيف لفظي ذهلت من مصدره، في نهاية المطاف عرف السبب أتعلمون ما هو؟ هذه الطفلة نتاج تدليل وتسيب وعدم وضع حدود للتجاوزات بالمنزل، تفرعنت وأطالت وتجاوزت بها حدود الأدب، فعندما أصبحت مراهقة رفضت الحدود والالتزام وسيطرة القيم والسلوكيات، لم تحسب الأم حساباتها بصحة، فنسيت هذه المرحلة لتفرض على والدتها علاقات غير مشروعة وأكبر من سنها مع الشباب، واعتبرت توجيهات الأم لها وحمايتها ليست بحق لها، فكانت الأم هي العدو ومحط التعنيف والتطاول.
فيجب أن نؤسس ونعمل، ويجب أن ننتهج العمل المدروس والجاد للحد من هذا النوع من الجرائم ذات الخطر على الطرفين، ومن أساسها، وسنجد أن السيطرة عليها لاحقاً ستؤتي بثمارها. فلابد من تعويد أبنائنا من الأساس على أن هناك حدوداً وقوانين في المنزل يجب احترامها وعدم تجاوزها ولا تقبل معنى آخر وعدم السماح بتأويلها أو الخروج عليها، خصوصاً إذا تذكرنا أن الأطفال أذكياء في البحث وإيجاد الفجوات لينفذوا منها، وإن اضطروا فعليهم باللجوء إلى جهة الاختصاص لطلب المساعدة في حالة الإخفاق في معالجة الحالة، ويجب أن يكون التعامل معها منذ بدايتها ودون تردد، سواء في النيابة العامة أو مركز حماية الطفل أو أي جهات أخرى متخصصة دون إبطاء، فبقدر الالتزام تأتي النتائج.
ومما لاشك فيه، أن جرائم العنف حالياً في مملكة البحرين هي جرائم مستجدة وليست بظاهرة لكنها ستتحول إلى ظاهرة إذا لم يع الآباء أهمية التصدي لها من المنزل، بتثقيف أبنائهم وتوجيههم، فالسياسات في المملكة قد وضعت وكذلك الاستراتيجيات والقوانين، ومهدت دور الحماية والرعاية، فيأتي الآن دوركم كآباء ودورنا في النيابة العامة كموجهين ومرشدين ومعالجين.
كونوا موجودين في حياة أبنائكم بالتواصل معهم وبأي شكل وجهد، من واقع عملي وفي جلسات التحقيق مع الأطفال، وأقولها عن تجربة، نجد أن الطفل سواء المجني عليه أو المتهم يكون منطلقاً معبراً يتحدث بطلاقة الواضح الواثق، يكون هو الطفل القريب من والديه، ثقافة كلامه وتسلسل أفكاره تجدها حرة واثقة، ومن مقابلته مع أسرته تحس أن لغة الحوار بينهم تنعكس على نقاش المشكلة أثناء الحضور وعلى شخصية الطفل وبوضوح، بعكس الطفل المهزوز الخائف الذي يكون دوره في الأسرة تلقي الأوامر وتنفيذها فقط دون ترك أي مساحة لرأي له أو فكرة أو نقاش، ببساطة لم يعوّد.
فلابد أن نحرص على الحوار المستمر مع الأبناء، ويكون هو الأساس الذي تكون عليه العلاقة. فالمناقشات والنشاطات ومشاركة الطفل ميوله والحديث إليه وانتظار ردوده وقراراته تخلق الثقة بالنفس، تبادل الحكايات والأخبار تخلق حميمية بين الأسرة بشكل عام، فليس تنفيذ طلباته هو المعيار، وعدم جعله متلقياً للأوامر فقط لا، بل لابد من خلق مساحة مشتركة بينك وبين الأبناء تسندك بقوة لوضع القواعد والقرارات في الأسرة ويتبعها الأبناء طواعية لوجود علاقة جيدة معهم، فيسهل توجيههم وتربيتهم، كما أنهم يتعودون على التفاوض ووضع الحلول.
وكذلك يمكنكم توجيههم وحمايتهم ليس من العنف فقط، ولكن من جرائم كثيرة كالمخدرات وغيرها، والتي تنتج، لطبيعتها الجرمية، بالتأثر بالآخرين والانقياد لما يملى عليهم، فهل نحن كآباء قريبون منهم ومنفتحون وعلى يقين أننا سنكون أقرب من يلجؤون إليه فيما لو واجهتهم المواقف التي تعجزهم حداثة سنهم عن تفسيره والتعامل معه بإيجابية؟ هل يمكن أن نصل بهم إلى المقدرة على اتخاذ القرار بثقة؟ هل يمكننا الوصول مع أبنائنا إلى هذه المرحلة؟ في الحلقة القادمة سأعين ابني على التعود على اتخاذ القرار.
المحامي العام