أعرب نواب وقانونيون ومعنيون بقضايا المرأة عن استهجانهم إزاء ما وصفوه بـ «الهجمة الشعواء» على المرسوم بقانون رقم 70 لسنة 2015 بتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم 5 لسنة 2002 بالموافقة على الانضمام إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة «السيداو»، خاصة أن المرسوم الجديد يتضمن إعادة صياغة تحفظات البحرين على بعض مواد الاتفاقية وليس سحب تلك التحفظات.
كما أعربوا عن استنكارهم قيام البعض عن قصد أو دون قصد بترويج أن المرسوم بشكله الحالي يخالف مبادئ ديننا الإسلامي الحنيف، ويؤدي إلى إشاعة الانحلال الأخلاقي والفاحشة في المجتمع، ودعوا الجميع إلى إجراء مراجعة نقدية هادئة لمواقفهم، وبناء قناعاتهم على الحقائق وليس التهويل والمعلومات المجزأة.
وكشف عضو مجلس النواب د.عيسى تركي أنه أعد دراسة متكاملة بهذا الشأن تحت عنوان «الاتفاقيات الدولية بين الالتزامات والتحفظات»، خلص فيها إلى أن إعادة النظر في الاتفاقيات امر جائز ومحبذ، لافتا إلى أن المادة 26 من اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة السيداو أتاحت الحق لأي دولة في طلب إعادة النظر في الاتفاقية. وأوضح أن إعادة النظر في موقف البحرين من الاتفاقية يأتي مواءمة مع الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، ويتبع تصديق البحرين على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية خاصة المادة (23) منه والتي تنص على المساوة بين الجنسين داخل الأسرة.
وأشار إلى أنه منذ خروج الاتفاقية إلى حيز التنفيذ على مدى سبعة وعشرين عاماً تكون جميع الدول العربية قد صادقت على الاتفاقية باستثناء السودان والصومال. وأكد أن موقف مملكة البحرين من إعادة النظر في التحفظات مع التأكيد على شرط دون الاخلال بأحكام الشريعة الإسلامية يعد خطوة إيجابية في طريق مواءمة وتكييف قوانينها مع القوانين الدولية.
وأكد أن دستور البحرين ينص على المساوة بين المواطنين الرجل والمرأة، فالمادة (18) من الدستور تنص على أن (الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز في ذلك بسبب الجنس او الاصل او اللغة او الدين او العقيدة).
وشدد على أهمية أن تتحمل مختلف المؤسسات الوطنية والصحافة مسؤوليتها في نشر الوعي ببنود اتفاقية السيداو على حقيقتها وأهمية انضمام مملكة البحرين إليها، وعدم ترك المجال أمام كل من هب ودب ليحرم ويحلل على مزاجه، ويحشد الناس ويثير الرأي العام، مستغلاً جانبي الدين والشرف اللذين يعرف الجميع أن لا أحد يتنازل عن ذرة منهما.
من جهته أكد أستاذ القانون الدولي العام المساعد بجامعة البحرين د.خليفة الفاضل أن تعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم (5) لسنة 2002 بالموافقة على الانضمام إلى اتفاقية «السيداو» من شأنه تأكيد التزامات البحرين عالمياً، وتعزيز مكانة المملكة في الأمم المتحدة والهيئات المعنية والأسرة الدولية.
وقال نحن نؤمن كبحرينيين أن جلالة الملك هو الحامي الأمين للدين والوطن، وبالتالي لا يمكن أن يصدر في البحرين أي قانون يخالف الشريعة الإسلامية، وما حصل من لغط وضجة حول السيداو جاء بسبب عدم فهم نص المرسوم بقانون من جهة، والغاية منه من جهة أخرى، وأخيراً الخلط بين المرسوم بالقانون واتفاقية السيداو ذاتها.
وأعرب عن استغرابه للحملة الشعواء ضد المرسوم بقانون.
وأضاف لا نريد أن نشكك في نوايا الأشخاص الذين عمدوا إلى تحشيد الناس ضد المرسوم، ونحن ندرك أن مجتمع البحرين بحسه الواعي المتحضر سيتفهم الأمر ويدرك أين تقع مصلحته ومصلحة وطنه، خاصة أن إقرار المرسوم لا يترتب على البحرين أية التزامات دولية تخالف الشريعة الإسلامية وتضر بالسيادة الوطنية.
بدوره، أكد الأمين العام السابق للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان د.أحمد فرحان أن الهجمة ضد المرسوم بقانون الخاص بالسيداو منسقة وغير مسبوقة وظالمة، وقال إنه انبرى عبر حسابه على تويتر لتوضيح الحقائق للناس بدلاً من المغالطات التي كان يروج لها.
وقال من غير الصحيح مطلقاً القول إن اتفاقية السيداو في مجملها تهدم المجتمع المسلم، وإن كل دولة تنظر إلى اتفاقية السيداو وفقاً لمنظورها الخاص، والبحرين قررت التوقيع بعد أن رأت أن الاتفاقية تتواكب مع الديمقراطية ومتطلبات تمكين المرأة، أمّا الولايات المتحدة الأمريكية فربما لديها رأي آخر ولم توقع على الاتفاقية، ومن هنا لا يصح المقارنة بين الدول لناحية أن هذه الدولة وقعت وتلك لم توقع.
وأشار إلى أن اتفاقية السيداو مثلها مثل كل الاتفاقيات الدولية، فيها إيجابيات دون أن تخلوا من السلبيات، وقال عندما تحفظت البحرين على عدد من بنود الاتفاقية قامت بأبعاد المواد السلبية التي لا تتماشى مع النهج الإسلامي والسيادة الوطنية عبر التحفظ عليها.
وأردف أن الإشكالية الأساسية في بعض مواد السيداو هي أنها تتبنى المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، وهذه النتيجة وصلت إليها بعد حضوري الكثير من المؤتمرات واستماعي لوجهة نظر الغرب، لكن التحفظ على تلك المواد مكن البحرين من الموائمة بين متطلبات الاتفاقية من جهة والشريعة الإسلامية والسيادة الوطنية من جهة أخرى.
وأوضح عندما نأتي إلى المادة التي تطلب منها مساواة المرأة بالرجل في منح الجنسية للأبناء، نجد أن المشرع البحريني اعتبر هذا من أعمال السيادة، وتحفظ على هذه المادة.
وأشار إلى أن الجزء الأكبر من الجدل كان يدول حول أن هذه الاتفاقية تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، حيث بدأ من يعرف ومن لا يعرف بالدين يدلي بدلوه، وصوَّر الحكومة ومؤسسات الدولة على أنها ضد الدين، وهذا تجنٍّ كبير ينم عن جهل.
وتابع د. فرحان بالقول شاهدت عن كثب مدى الجهد الذي بذله المجلس الأعلى للمرأة في فهم بنود هذه الاتفاقية ثم تشكيل فريق متكامل للتعامل معها تحقيقاً لمصلحة البحرين العليا. كما أبدى المجلس تعاوناً تاماً مع مجلس النواب وجميع الجهات المعنية وزودهم بمرئياته بشأن الاتفاقية، لكن تلك الجهود الدؤبة لم تظهر كما يجب وطغى عليها ضجيج الرافضين للاتفاقية.
وأضاف ثقتنا مطلقة في مؤسساتنا الوطنية، ومن بينها المجلس الأعلى للمرأة الذي يراعي الشريعة الإسلامية ويفهم متطلبات المرأة في حدود الدين والعقل والشريعة، خاصة أن القائمين عليه من أبناء الأسر البحرينية المسلمة الغيورة على دينها ووطنها، ولا نقبل أبداً التشكيك به أو بوزارة الخارجية أو برئاسة مجلس النواب وأية جهة وطنية أخرى.
بدورها، قالت رئيسة الاتحاد النسائي البحريني فاطمة بوإدريس إن الاتحاد أوضح منذ البداية موقفه الداعم لإقرار مرسوم السيداو من مجلس النواب، وأنه موقف ثابت وواضح ومبني على رؤية واضحة بشأن أن الانضمام للاتفاقية مكسب للبحرين والمرأة البحرينية، لكنها أضافت أن «إقرار المرسوم بقانون مكسب للمرأة البحرينية، وإن كنا مازلنا نطالب برفع التحفظ عن حق المرأة البحرينية في منح الجنسية لأبنائها».
وأشارت بوإدريس إلى أن الاتحاد النسائي البحريني بنى موقفه من منطلق إدراكه الكامل لعدم تعارض الاتفاقية ـ بعد التحفظ على بعض بنودها- مع الدين الإسلامي الحنيف، وإلا لكان الاتحاد أول من عارضها.
وأشارت إلى أن الهجوم الذي حدث على المرسوم بقانون كان بسبب الجهل بالاتفاقية، فالإنسان عدو ما يجهل، وقالت أكاد أجزم أن من وقفوا ضد المرسوم لم يكلفوا أنفسهم عناء الاطلاع على تفاصيل الاتفاقية.