زهراء حبيب
أربع ساعات كاملة استغرقتها محكمة الاستئناف العليا أمس لمباشرة الطعن المقدم من أمين عام جمعية الوفاق على سلمان في الحكم الصادر بإدانته ومعاقبته بالحبس مدة أربع سنوات، استمعت خلالها لـ 66 مقطع فيديو ألقاها سلمان في الفترة 2012-2014، دعا خلالها للترويج لتغيير النظام السياسي بالقوة والتهديد، والتحريض علانية على بغض طائفة من الناس بما من شأنه اضطراب السلم العام، والتحريض على عدم الانقياد للقوانين وتحسين أمور تشكل جرائم وإهانة هيئة نظامية، وقررت المحكمة حجز الدعوى للحكم بجلسة 30 مايو المقبل. وقال المحامي العام بالنيابة العامة هارون الزياني إن المحكمة الاستئنافية العليا الأولى عرضت القرص المدمج المقدم من هيئة الدفاع كما تقدمت بالمرافعة وترافعت النيابة كذلك مدللة على الجرائم التي ارتكبها المدان بأدلة قاطعة، وبراهين ناصعة يساند بعضها البعض. وطلبت النيابة في ختام مرافعتها إلغاء حكم محكمة أول درجة فيما قضى به ببراءة المدان من التهمة الأولى، والقضاء مجدداً بإدانته وبإنزال أقصى العقوبة به، كما طالبت بتشديد العقوبات المحكوم بها عليه بالنسبة إلى باقي الاتهامات. كما ترافع الدفاع الحاضر مع المدان. وقبل انعقاد موعد الجلسة قدم سلمان لمحاميته جليلة السيد حزمة من الأوراق مكتوبة بخط اليد من خلف القفص الزجاجي.
وبدأت الجلسة في 11 و28 دقيقة صباحاً وانتهت في 3 والنصف عصراً، تخللتها نصف ساعة استراحة، وباشرت المحكمة جلستها بعرض 66 مقطع فيديو لعدة خطب ألقاها سلمان منذ عام 2012 حتى 2014، مقدم من هيئة الدفاع لمدة ساعة وربع. وتطرقت الفيديوات المعروضة لعلي سلمان بحسب كل تهمة موجه إليه، بدأ من التهمة الأولى وهي الترويج لتغير نظام الحكم بالقوة، وحاول الدفاع أن يبين من خلال 47 مقطع على حرص سلمان وحثه المستمر للحراك السلمي، بتحذيره من استخدام القوة العسكرية أسوة بالأكراد وأنه يجب استخدام القوة الاقتصادية والاجتماعية وغيرها. وعرض على المحكمة مقطع فيديو مقابلة تلفزيونية عبر اتصال هاتفي، تحدث فيها علي سلمان إلى عرض التسليح من مجموعات شعبية بالعراق تدعم الحراك البحريني، منوهاً بأن المجموعات عرضت تسليح المعارضة البحرينية. وجاء في مقطع لخطبة ألقاها علي سلمان بالدعوة للعصيان المدني العام والمقاطعة العامة للنظام بمختلف الوسائل إذا تطلب الأمر.
وانتهى الدفاع من عرض تلك المقاطع التي بلغ عددها 66 مقطعاً، لمدة ساعة ونصف تقريباً.
وبعد ذلك، سمحت المحكمة للنيابة العامة بتقديم مرافعتها التكميلية من المحام العام أسامة العوفي، مشيراً فيها إلى أن النيابة بعد أن عملت بقرار المحكمة بإعادة الدعوى للمرافعة لسماع بعض خطب المدان سواء موضوع الاتهامات، أم المقدمة من دفاعه، تم إدراك رغبه المحكمة في الإحاطة بتفصيل بأدلة الإدانة وأن تحيط بما يريد المدان إثباته مما قدمه.
واستعرض المحامي العام النقاط الرئيسية للمرافعة التكميلية للنيابة العامة، ونصها أن مناط التجريم كما لا يغيب عن المحكمة في الترويج لتغيير النظام السياسي أن يكون التغيير المروج له بالقوة أو بالتهديد أو بوسائل أخرى غير مشروعة، وستبين النيابة للمحكمة أين تكمن القوة والتهديد والوسائل الغير مشروعة في خطب وكلمات المدان.
وأشار إلى أن المدان يرى أن نظام الحكم في البلاد «مستبد»، و»دكتاتوري»، و»ظالم»، و»طائفي»، و»طائفي قبلي»، و»اضطهادي»، و»اضطهادي طائفي»، و»يمارس التمييز»، و»قاتل»، ثم يخلص إلى القول بأنه «فاقد للشرعية» هذه بعض توصيفات المدان لنظام الحكم الدستوري القائم، فذاك إذن رأيه الذي يعكس مدى الكراهية التي يكنها للنظام وعدم اعترافه به.
كما أن آمال المدان وطموحاته بالنسبة إلى النظام هي السقوط والزوال، وهذا هو ما يأمله المدان ويرجوه للنظام السياسي ونظام الحكم القائم، ويستدل على ذلك على سبيل المثال لا الحصر بالخطب والكلمات الآتية: أولاً: كلمته في اعتصام ما يسمى «صامدون» الذي جرى بسترة في 3 مايو 2013، ثانياً: خطبته في صلاة الجمعة الموافق 31 أكتوبر 2014، ثالثاً:خطبة صلاة الجمعة الموافق 12 يوليو 2013، رابعاً: كلمته في اللقاء المفتوح بمأتم الحاج عباس بالمنامة يوم الخميس الموافق 3 يوليو 2014، خامساً: كلمته بمسيرة جنوسان بتاريخ 19 سبتمبر 2014، سادساً: كلمته فيما يسمى بالوقفة التضامنية بعنوان «عامان ومحفوظ وراء القضبان» بتاريخ 4 مايو 2013.
وأكد بأن المدان استغل المنابر على نحو يخالف لأحكام قانون رقم 26 لسنة 2005 بشأن الجمعيات السياسية، تأسيساً على أن القانون حظر استخدام الجمعيات السياسية لدور العبادة في ممارسة نشاطها.
ولفت إلى أن المدان يعتبر أحداث فبراير 2011 ثورة، وأنها مستمرة إلى أن يحصل التغيير، ذلك التغيير الذي فشل أقرانه سابقاً في إحداثه، وما القوة والتهديد بها والخروج على النظام بالمجمل، هي الوسيلة المثلى في التغيير.
وعرض العوفي بصورة تدريجية بشكل تصاعدي، بدأ من كلمته فيما يسمى بوقفة تضامنية بعنوان «عامان والمحفوظ خلف القضبان» بتاريخ 4 مايو 2013 أي بعد عامين من أحداث 2011.
ونوه إلى أن المدان كان يفتخر بالثورة وتنسيقه لها، وتعيينه لأيديولوجيتها وحدد لنا نوعاً من آليات الثورة بأنها «أحداث ليلية كبيرة» فإن الواقع الذي شهدته المملكة ولازالت تشهده بصورة متواصلة والذي لا يخفى على أحد، قد تمثل في إعداد الأكمنة لقوات الأمن وقتل أفرادها والشروع في قتلهم وتفجير العبوات الناسفة، والقيام بتجمهرات غير مشروعة تقع في ظلها أعمال عنف وشغب وقطع الطرق، وجميعها مرصود ببلاغات رسمية ومقيدة بقضايا ضد معلومين ومجهولين، وكل ذلك مظاهر مادية ملموسة تعكس القوة التي يؤكد المدان على التوسل بها في تحقيق فكرته بتغيير نظام الحكم، تلك هي الأحداث الليلية التي تشهدها البلاد، وخطب المدان التالية هي التي تؤكد ذلك، وأقواله بالتحقيقات هي التي تثبت ذات المعنى.
وأضاف أن المدان دعا إلى ما يسمى الجهاد الليلي، وكأنه أدرك مغبة ما ورط نفسه فيه، أو كأنه أدرك ما فهمناه من أن خروج الليل مقروناً دائماً بالجرائم، فتحت وطأة الأسئلة تهاترت إجاباته حسبما هو بالصفحتين 75، 76 من محضر استجوابه واصطدمت مع الواقع واللزوم المنطقي للأمور، وما ذلك إلا لأنها لا يمكن أن تصادف الحقيقة التي يعيها الجميع
وأشارت مرافعة النيابة العامة إلى خطبة المدان الجمعة الموافق 12 ديسمبر 2014 والتي تحدث فيها عن موقفه من التفجيرات التي شهدتها المملكة، وبرر تلك الأعمال الإرهابية وأساغها طالما كان فاعلها بحسب ما جاء على لسانه «قد ظلم ولم تستوف حقوقه».
وأكدت النيابة أن المدان مستمر في ظل الترويج لتغيير النظام على نعته بكل ما يشين، فيزعم، وحسبما جاء في الخطبة أن النظام يتعامل مع شعبه بظلم وتهميش ليخلص من ذلك في النهاية إلى تبرير سقيم لفتواه بإباحة استخدام القوة لتغييره، إلى حد إساغته، بل إجازته إحداث التفجيرات وارتكاب الأعمال الإرهابية إجمالاً.
ولفت إلى أن المدان قال في كلمته بالمؤتمر العام لجمعية الوفاق الذي انعقد بتاريخ 26 ديسمبر 2014 بأن المعارضة قد تلقت عرضاً لأن تنتهج نهج المعارضة السورية وأن تحول البحرين إلى معركة عسكرية، فأي استخلاص تنتهي إليه القناعات من كل هذه التصريحات سوى التهديد، وما الذي يبغيه المدان من تأكيده على أن الخيار العسكري مطروح وما زال مطروحاً، أتراه من دواعي السلمية التي يدعيها، أم أنه التهديد بما هو ممكن؟.
وتساءل العوفي عما يعنيه المدان في تصريحه بأنه قد عرض عليه استخدام القوة لتتحول البحرين إلى معركة عسكرية؟ أنه التهديد ولا شك، ولا يشفع له بعد ذلك أن يخرج علينا بأنه قد أبى أو رجع أو تخلى عن سلاحه فإن التهديد قد بلغ الأسماع وطرق المدارِك، وحسبنا ذلك لقيام الجريمة في حقه.
أما عن الوسائل غير المشروعة المروج لاستخدامها لتغيير النظام السياسي، فقال العوفي إنه يستدل عليها بما تضمنته دعوته المتكررة إلى عدم الانقياد للقوانين بالخروج بالمظاهرات والمسيرات غير المشروعة وبما يخالف الضوابط المقررة بالقانون، ودعوته المجلس العلمائي المنحل بحكم قضائي بأن يستمر في ممارسة نشاطه لإظهار النظام وكأنه فاقد القدرة على فرض أحكام القانون وتحريضه علانية على بعض مكتسبي الجنسية وتهديدهم بإعادتهم إلى بلادهم في توابيت، والقول بأنهم غير منتمين للبحرين، وأنه من الممكن استخدامهم في تفخيخ السيارات وحمل الأحزمة الناسفة، وبأنهم يمارسون القمع ضد الشعب، وأن النظام هو المتسبب في ذلك بإكسابه هؤلاء الجنسية بدعوى محاولته إحداث خلل في تكوين المجتمع البحريني لاكتساب شرعية زائفة بحسب زعمه، وتعمده إهانة سلطات الدولة بشكل غير منقطع في خطبه وكلماته، ووصفه العاملين في بعضها بأنهم مرتزقة وينتمون إلى تنظيمات إرهابية، الأمر الذي يثبت معه أن المدان تعمد الترويج بالوسائل للإخلال بالنظام والأمن العام وإحداث الفوضى وإفقاد الناس الثقة في سلطات الدولة ليكون ذلك أساساً لتغيير النظام الذي يروج له على خلاف أحكام الدستور. وشدد على أنه فيما يقول بأن خطبه تتضمن كلمات تحمل معنى السلمية ما هو إلا دفاع واهٍ ظاهر الفساد وخليق بالاطراح فكلمة السلمية التي يتشدق بها المدان بين الفينة والأخرى لا تستقيم أبداً مع مؤدى المضمون الحقيقي الظاهر من عبارات خطبه ودلالتها الجلية، بل لا تتفق مع سياقها وهو ما يؤكد على أنها لم ترد إلا من أجل التذرع بها لدرء المسؤولية.
وتقدمت النيابة العامة للمحكمة بنسخة من حكم محكمة التمييز الذي حسم تلك القضية كما وتقدم كذلك صورة من صور المدان المتداولة بوفرة على الإنترنت، تجمعه بأولئك الانقلابيين ومن خلفهم لافتة كبيرة مدون عليها هدفهم ألا وهو «إسقاط النظام» وليس إصلاحه كما يدعى المدان، وتشهد عليه صوره المتداولة أمام الملأ على شبكة المعلومات الدولية، تجمعه بالإرهابي حسن نصر الله زعيم ما يسمى بحزب الله ذلك التنظيم العسكري الذي تخابر معه الانقلابيون في محاولتهم الفاشلة ذلك الذي أعلنت المملكة رسمياً أنه تنظيم إرهابي وتسابق العالم في إدراجه ضمن التنظيمات الإرهابية.
كما قدمت النيابة للمحكمة تجمع المدان بالإرهابي حسن نصر الله وأخرى من قرار المملكة باعتبار هذا الحزب العسكري الذي يرأسه ذلك الإرهابي تنظيماً إرهابياً.
وفي ختام المرافعة طالبت النيابة بالقضاء بإلغاء حكم محكمة أول درجة فيما قضى به ببراءة المدان من التهمة الأولى، والقضاء مجدداً بإدانته وبإنزال أقصى العقوبة به. كما طلبت تشديد العقوبات المحكوم بها عليه بالنسبة إلى باقي الاتهامات للأسباب التي تضمنتها مذكرة طعن النيابة ومرافعتها السابقة. وبعد مرافعة النيابة التي استمرت لنحو 45 دقيقة، رفعت الجلسة لاستراحة لمدة نصف ساعة ثم استمعت المحكمة لكلمة علي سلمان التي كتبها بخط يده، وقال إنه دعا إلى حل وطني شامل.
بعدها، استمعت المحكمة إلى مرافعة الدفاع التي استغرقت نحو الساعة، وتكرر فيها ذات الدفوع بأن النيابة ارتكزت على القطع والحذف من خطب علي سلمان، وطالب بإطلاق سراح موكله وإيقاف الدعوى لحين الفصل في الدعوى الجنائية بخصوص التزوير في شهادة شاهد الإثبات ومجري التحريات، والقضاء ببراءة علي سلمان من جميع التهم المسندة إليه.
وترأس الجلسة، القاضي الشيخ محمد بن علي آل خليفة، وأمانة سر ناجي عبدالله.