كتب ـ حذيفة إبراهيم:
كشف مدير جمعية التعافي من المخدرات خالد الحسيني، عن تعافي 163 شخصاً من الإدمان خلال 18 شهراً من عمل الجمعية، من أصل 192، مقابل 29 عادوا للإدمان لظروف تتعلق باستعجال خروجهم من المركز أو فشلهم في الحصول على فرصة وظيفية.
واتهم في حوار مع «الوطن»، وحدة «المؤيد» التابعة لمستشفى الطب النفسي، بعلاج المدمنين ببدائل علاجية يدمن عليها المرضى مستقبلاً، داعياً القائمين على الوحدة إلى تعديل أسلوبها في التعامل مع المتعاطين بعد ثبوت فشله، ولم يعد مستخدماً في أية دولة بالعالم.
وتوقع الحسيني وجود مدمن واحد بين كل 10 أسر بحرينية، لافتاً إلى أن 90% من العاملين بالمركز مدمنين سابقين، وهم على دراية كاملة في كيفية التعامل السليم مع المتعاطي.
وقال إن المركز قائم على تبرعات المحسنين وأهل الخير، مقابل مساعدات محدودة من وزارة التنمية الاجتماعية، فيما وعدت وزارة الصحة بتقديم الدعم ولم تلتزم.
وكشف الحسيني أن أعداد المدمنات في البحرين لا يستهان بها، مستدركاً «لكن محدودية الإمكانات حالت دون افتتاح مركز لمعالجتهن».
وأضاف أن مصابي الإيدز في البحرين يمنحون دواء «روفترير» المخدر المسبب للإدمان، دون أن يكون له أي فائدة في علاج مرض نقص المناعة المكتسبة «الإيدز».
كيف بدأت فكرة إنشاء مركز التعافي من المخدرات ولماذا؟
جاءت فكرة تأسيس جمعية التعافي من المخدرات ودار الأمل لسد النقص الموجود في وحدة المؤيد بمستشفى الطب النفسي، حيث يخرج المدمن من هناك دون كثير استفادة، حيث يسيرون على طريقة العلاج الدوائي المستمر منذ أكثر من 35 عاماً، وهي طريقة أثبتت فشلها في كل دول العالم.
الدول انتقلت اليوم إلى علاج متكامل يضمن بصورة كبيرة عدم عودة المدمن إلى التعاطي مرة أخرى، من خلال برنامج متخصص يؤهله للانخراط بالمجتمع.
وهنا قررنا مع رجالات منطقة الحد أن نؤسس مركزاً للعلاج من الإدمان، حيث حصلنا على الموافقة يوم 6 مارس 2012، وبدأنا بـ6 أسرّة، وبعد النجاح المحقق قررنا التوسع واستأجرنا المنزل الملاصق، ونحن نملك الآن أكثر من 22 سريراً.
ونسير وفق خطة تقوم على تعيين المدمنين المتعافين لمساعدتنا في العمل بالمركز، حيث تبلغ نسبتهم 90% من العاملين، وهو ما يثمر بشكل أكبر فيما يخص علاج الإدمان، لأن المدمن المتعافي أكثر الأشخاص دراية على كيفية التعامل مع المدمن.
ونستقبل في مركزنا أيضاً مواطنين من دول مجلس التعاون انطلاقاً من مبدأ التعاون المتبادل بيننا.
كم مدمناً قدمتم لهم الخدمات منذ إنشاء الجمعية؟
دخل إلى الجمعية 192 شخصاً تعافى أغلبهم، البعض منهم عاد إلى الإدمان مرة أخرى لظروف مختلفة، ولكن الحمدلله عددهم لم يتجاوز 29 شخصاً. العدد الموجود حالياً في المركز 20 شخصاً تعدت إقامتهم 5 أشهر، مقابل 14 شخصاً يواظبون على زيارة المركز بين الفينة والأخرى، لأن حالتهم الصحية والنفسية جيدة، ومهيئين أكثر للاندماج مع المجتمع. كان هدفنا تشكيل لجنة من 3 أشخاص لتتابع الحالات وإلى أين وصلوا، إلا أننا فشلنا في ذلك بسبب عدم وجود الميزانية الكاملة، فاضطررننا للاستعانة بشخص واحد من المتعافين يعمل تطوعياً في تلك المهمة.
بشكل عام أكثر من 60% ممن تلقوا خدمات عادوا إلى المجتمع بشكل جيد، مقابل 15% لم نستطع التواصل معهم إما لأنهم غيروا أرقام هواتفهم أو سواها من الأسباب، و7% يقضون محكومياتهم في السجن.
البعض انتكست حالتهم لسببين، إما لأنهم لم يقضوا المدة الكافية واستعجلوا الخروج من المركز، أو لم يجدوا عملاً مناسباً بعد ترخيصهم، ما أدى إلى فقدانه الأمل مرة أخرى، فضلاً عن نظرة المجتمع له باعتباره مدمناً سابقاً، وفقدانه ثقة الأهل والأقارب والأصدقاء، وفشله في التعامل معهم.
حاولنا إيجاد العمل المناسب للعديد منهم، إلا أن محدودية الإمكانات وعدم تجاوب الجهات المعنية حالت دون ذلك، وطلبنا مرات عديدة التعاون في هذا الجانب ولكن لا مجيب.
المدمن وفي حال عمله خصوصاً في ميادين علاج الإدمان أو سواها من المجالات، يصبح أفضل من غيره لأنه عايش التجربة، وهو أمر مطبق في جميع دول الخليج والعالم، وأداؤه يكون أفضل في باقي الوظائف، لأنه يستثمر طاقته بشكل أفضل، ويريد الانخراط في المجتمع.
النيابة العامة تساعد في حل القضايا البسيطة العالقة، إلا أن باقي الجهات الحكومية مقصرة تجاه المتعافين.
من يمول الجمعية؟
الجمعية قائمة على تبرعات أهل الخير بشكل أساس، ووزارة التنمية تدعمنا ببعض المبالغ، لكنها فعلياً تكاد لا تسد مصاريف الجمعية إلا لفترة قصيرة لا تتعدى 3 أشهر بأحسن الأحوال، أهل الخير يتبرعون، ولكنهم يدفعون مرة أو مرتين أو ثلاثة، ولكن العديد منهم لديهم التزاماتهم الأخرى.
تنفق الجمعية نحو 7 آلاف دينار شهرياً بين آجار مقر وفواتير كهرباء ومصاريف نقل ومستشفيات وغيرها من النثريات، ونحن وظفنا العديد من المتعافين على نظام المكافآت، والأخصائي النفسي وغيرهم ممن يقدمون المحاضرات للمتعافين يعملون بنظام جزئي، ولا نستطيع الاستفادة منهم بشكل أكبر نظراً لمحدودية الميزانية.
وعند لقائنا وزير الصحة صادق الشهابي، أثنى على الجمعية وبرامجها المقدمة، وقدمنا له خطاباً لدعم الجمعية مادياً، باعتبار عملنا يندرج تحت اختصاصات وزارة الصحة.
بعدها بأسبوعين زارنا الوزير والتقى بالشباب المتعافين، وعبر لنا عن إعجابه بما نقدمه من خدمات، واستمع لأقوالهم وشروحاتهم حول كيفية العلاج لدينا والاختلاف بيننا وبين وحدة المؤيد بمستشفى الطب النفسي، وحينها وعدنا الوزير خيراً بالدعم المادي، إلا أنه منذ أكثر من 4 أشهر لم نر دعماً ولا رداً.
نحن بحاجة إلى 10 آلاف دينار شهرياً، خصوصاً أننا بصدد التوسع واستئجار منزل جديد نظراً لزيادة الراغبين في التخلص من الإدمان.
المدمنون ليسوا فئة قليلة للأسف الشديد، ولا يمكن إنكار وجودهم، ولكننا بحاجة إلى دعم الحكومة والقطاع الخاص، خصوصاً أننا أول مركز من هذا النوع ونعتمد على برامج تأهيل عالمية، وحصلنا على ترخيص رسمي للمركز.
ما الفرق بين أسلوب علاجكم ونظيره في وحدة المؤيد بمستشفى الطب النفسي؟
إن ما نقدمه يختلف تماماً عما يقدمونه، نحن نعتمد على إعادة تأهيل المدمن للانخراط في المجتمع من جديد بعيداً عن الإدمان، ولا نعطيه العلاج الدوائي إلا في الأيام الأولى، ثم تبدأ الأعراض الانسحابية والتخلص من الإدمان، يبدأ بعدها مرحلة التأهيل للخروج بحالة صحية سليمة بعيدة عن الإدمان أو حتى الأدوية البديلة عن المخدرات.
الأعراض الانسحابية لا تأخذ وقتاً طويلاً، وهي ليست خطيرة كما يتم تصويرها، حيث لا يضرب الشخص رأسه بالجدار أو يسعى للانتحار، فقط تتم محاولات جعله نائماً لأطول فترة ممكنة لحين التخلص من عادة الإدمان، أو إعطائه بدائل إن كان مدمناً لأعوام طويلة، ولكن لا تزداد عن 7 ـ 10 أيام كحد أقصى.
وتحتاج فترة إعادة التأهيل ما بين 3 - 6 أشهر، وقد تمتد إلى عام كامل تبعاً لتجاوب الشخص وتقبله للمعلومة ونيته للتعافي، وغيرها من الأمور التي تحكم مدة العلاج.
نحن نقدم لهم من 5 ـ 6 محاضرات يومياً، يضاف إليها أنشطة رياضية داخلية وخارجية، ورحلات برية وبحرية في الصيف والشتاء، إضافة إلى أداء مناسك الحج والعمرة.
ورغم نقص الإمكانات، نحاول جاهدين أن نطبق برنامج شبه متكامل يشمل جميع النواحي للشخص سواء النفسية أو الدينية أو الثقافية أو الاجتماعية، ونسعى لتغيير السلوك المعرفي وكيفية التحكم في التصرفات بالنسبة للشخص، إضافة إلى كيفية التعامل مع المجتمع الذي ينظر للشخص المدمن على أنه مجرم ولن يتوب إلى حين تغيير النظرة.
وخلال فترة وجوده في الجمعية، نرتب إجازات لزيارة أهله تدريجياً للانخراط معهم، وكسر الحاجز بين المدمن وأهله.
البرنامج المطبق لدينا هو الأفضل وهو نفسه المطبق في مجمع الأمل للصحة النفسية في المملكة العربية السعودية حيث عملت هناك، وجميع الدول الخليجية والأوربية، حيث تم الاستفادة من الخبرات الأجنبية في هذا المجال، مع تعديل البرنامج ليصبح ملائماً للبيئة العربية والإسلامية.
الفرق بيننا وبين أغلب دول الخليج، أن الأخيرة تطبق البرنامج التأهيلي من خلال مستشفيات حكومية بإسناد بسيط من الجمعيات الأهلية، بينما في البحرين ننفذه نحن كجمعية أهلية ولا يطبقه مستشفى الطب النفسي.
العلاج الدوائي المطبق في وحدة المؤيد يبقي الشخص مدمناً على المخدرات أو بدائلها طوال حياته، رغم أن الإدمان ليس مرضاً مزمناً بل قابلاً للعلاج والاستغناء عن البدائل بعد فترة التأهيل.
نحن نحتاج في علاجنا للمسكنات فقط لحين التخلص من الأعراض الانسحابية، ونسعى إلى أن يبقى الشخص نائماً طوال تلك الفترة. أما أن يبقى الشخص مدمناً طوال حياته سواء على المخدرات أو بدائلها فهو أمر غير مقبول، خصوصاً أن وحدة المؤيد تعطي المتعافين تلك الأدوية ويأخذها المدمن دون مراقبة الطبيب، ثم يسعى للحصول على المزيد منها من السوق السوداء. وحدثت عدة وفيات من خلال جرعات زائدة لبدائل الدواء، وهي موثقة لدى الجهات المعنية وإن رفضت الاعتراف بها أو التصريح حولها.
ما الإجراءات الواجب اتخاذها بعد تعافي المدمن؟
الإجراءات ليست صعبة، حيث يجب إبعاده عن البيئة التي كان فيها، وجعله شخصاً مسؤولاً، سواء بمنحه فرصة عمل أو غيرها.
وفي بعض دول الخليج، لا يتم حبس المدمن إن كان على رأس وظيفته، ويتم الحكم عليه مع وقف التنفيذ، مقابل أن يتم منحه فرصة للتعافي في إحدى المستشفيات، ويطلب القاضي من جهة عمله تقريراً أسبوعياً أو شهرياً عن حالته والتزامه بالعمل وغيرها، وذلك ليكون شخصاً منتجاً ويبتعد عن السلوك الإدماني بدلاً من أن يكون عالة على المجتمع.
من أين يبدأ الإدمان عادة وما متوسط أعمار المدمنين؟
الإدمان يبدأ خلال المرحلة الإعدادية أو المراهقة غالباً، وأول ما يتعاطى الشخص بدائل المخدرات كمادة «الغراء» أو الكحول أو حبوب يتعاطاها من باب الفضول.
وأقدر عدد المدمنين في البحرين بشخص بين كل 10 أسر. ومن الغريب أيضاً أن العديد يبدؤون بالإدمان في سن 12 عاماً، من خلال الشم سواء الغراء أو «الاستوب» أو غيرها من المواد، وهي ظاهرة يجب علاجها والقضاء عليها بأسرع وقت ممكن، سواء من خلال توعية الأهل أو المدرسين أو حتى الطلبة والمراهقين عن مثل تلك الأمور.
ومن خلال ملاحظاتنا، وجدنا العديد من المدمنات الإناث، وأعدادهن لا يستهان بها، لذا قررنا افتتاح مركز لمعالجة النساء، إلا أن الإمكانات المحدودة حالت دون ذلك.
المصيبة الكبرى في البحرين، هي منح الأدوية المخدرة لمصابي الإيدز مثلاً، حيث يعطى دواء «روفترير» وهو ليس له أي علاقة بالمرض، بل فقط بديل عن المخدرات. حبوب «روفترير» إما تهيج الشخص وتعطيه الجرأة للتصرف بقوة وعنف، أو تجعله خاملاً ونائماً طوال الوقت، والدواء يمنح بكميات كبيرة دون أي داع.
وهناك تساهل أيضاً في منح حبوب «الترامادول» و»الوروفترين» و»الفوليوم»، لأي شخص وبصورة ليست محكمة، قبل أن تشدد الإجراءات في الفترة الأخيرة.
كان سبب الإدمان سابقاً الضيق أو وجود مشاكل، إلا أن أسبابه الرئيسة حالياً هو التقليد وحب التجريب والفضول، فضلاً عن توفر بدائل للمخدرات بصورة كبيرة في البحرين.
هل نظمتم أي حملات توعوية على غرار المراكز التأهيلية في دول الخليج، أم أن دوركم يقتصر على العلاج؟
أعددنا خطة متكاملة لمعالجة الإدمان وكيفية التوعية بخصوصه، سواء بتثقيف المدرسين أو الأهالي وحتى الطلبة، لكننا للأسف نعاني من عدم تعاون الجهات المعنية في وزارة التربية والتعليم بهذا الجانب. وخلال العام الدراسي الماضي، طالبنا منذ بداية العام بالسماح لنا بدخول المدارس وتطبيق البرامج، خصوصاً أننا مركز مرخص، إلا أن الموافقة لم تأت إلا بنهاية العام الدراسي، وكانت هناك العديد من التعقيدات، رغم أن ما نقدمه جهد تطوعي ولا نريد مقابلاً مادياً.
ما خططكم للتوسع؟
خلال الأشهر الماضية ازداد التعاون بيننا وبين وحدة مكافحة المخدرات بوزارة الداخلية، والنيابة العامة متعاونة وتقدم لنا كل مساعدة ممكنة. على المستوى الداخلي لدينا خطة لمركز متكامل، تشمل جميع المرافق من ملاعب وساحات رياضية وبركة للسباحة وصالات للمحاضرات وغرف نوم للمتعافين، ونملك الخطة الكاملة لعلاج المدمنات، ولكن المكان والإمكانات المادية تعيقنا، حيث يجب توفير مكان أكثر أماناً نظراً لخصوصية النساء في المجتمع.
أقدم جزيل شكري للديوان الملكي على منحه قطعة أرض لإشادة مقر الجمعية، وشكرنا الجزيل لشركة «ألبا» لتبرعها بمبلغ 400 ألف دينار للبدء بأعمال البناء، وتسلم فور استلام الأرض، وقدمت «إعمار» عرضاً بتصميم مقر الجمعية وفق أحدث المعايير والمواصفات والإشراف على تنفيذه مجاناً.