^  البحرين كدولة مطالبة اليوم من قبل فئات عديدة تشكل السواد الأعظم من شعبها بوضع إجراءات محددة وواضحة، والأهم حاسمة لوقف الإرهاب اليومي الذي يعاني منه الجميع. لسنا نتحدث عما يندرج تحت تصنيف حرية الرأي والتعبير، إذ القانون والدستور يكفلان حق التعبير عن الرأي، بل ويبيحان تنظيم المسيرات والفعاليات شريطة أن تكون في إطار القانون. لسنا نتحدث عن ممارسات “سلمية حقيقية” يتم فيها التحرك وفق ما يقتضيه القانون دون أن تشوبها أمور تشوِّه هذا الحق، وتحوِّل حرية التعبير إلى تطاول وتسقيط ودعوات لكراهية النظام والانقلاب عليه، وهي محظورات يجرمها القانون نفسه. نتحدث عن الإرهاب من تخريب للممتلكات العامة وحرقها، وترويع المواطنين والاستهتار بأمن البلد، واستهداف عناصر الشرطة بهدف القتل. كلها أمور لو تحصل في أي بلد ستقابلها إجراءات قانونية توقع العقوبة بحق مرتكبيها، إذ في النهاية المجتمعات لا تدار بقانون الغاب، ولا يمكن ترك بلد بأكمله دون ضوابط تحد من هذه الممارسات، ودون إجراءات تردع من يعبث بأمنه واستقراره. قراءة في القوانين البحرينية تجعلنا نستغرب وجود كل هذه الأمور المذكورة والمبينة. القوانين تبين مساحة الحقوق الكبيرة، وفي جانب آخر تبين مساحة الواجبات، بالإضافة إلى تحديدها الإجراءات والتدابير بشأن الحالات المختلفة التي تدخل في إطار تجاوز الضوابط والقوانين وعقوبة مرتكبي الجرائم. نظرة فاحصة في هذا الشأن ستقودنا للاقتناع بأن عملية تطبيق القانون بحسب النصوص واللوائح هي المحطة المتعطلة لدينا، ولعل العملية الأكثر أهمية مرتبطة بسرعة الإجراءات في حال ثبوتية التهم والتأكد من ارتكاب الجاني لجنايته. هنا وعلى سبيل المثال لا الحصر، لا يعقل أن يتعطل القانون لمجرد أن مؤسسات خارجية -تستقي معلوماتها من جهات معينة وتغض الطرف عن الأمور الأخرى الواقعة على الأرض- تصدر بيانات الواحدة تلو الأخرى لتغلب كفة من بنى علاقات معها منذ سنوات وباتت تؤمن بكلامه دون أدنى شك، على حساب بقية مكونات المجتمع، وعلى حساب الحقيقة الحاصلة. منظمة مثل “هيومن رايتس ووتش” أصدرت بحق البحرين العديد من البيانات كلها ركزت على طرف واحد، هو الطرف المؤزم للوضع في بلادنا، لكنها في المقابل لم تصدر تقريراً يستنكر استهداف أمن المواطنين وينتقد استخدام المولوتوف وحرق الممتلكات العامة، أو بياناً يستنكر استهداف رجال الشرطة بالقتل، أو عملية دهس شرطي حتى الموت أو الاعتداء على العمال الأجانب واقتيادهم كأسرى إلى المستشفى الذي تم احتلاله. مثل هذه المنظمات وغيرها التي تنظر بعين واحدة لا يجب أن يكون لتقاريرها ذاك التأثير، إذ بكل بساطة مصداقيتها محروقة في هذه التقارير التي تقوم على التمييز بعدم رؤية الجانب الآخر، أو حتى الاعتراف بما تعرضت له الفئات الأخرى من ضرر. اليوم من حق المواطنين على دولتهم أن تجيبهم عن استمرار مسلسل الإرهاب اليومي، فإلى متى ستستمر هذه الظاهرة؟! وإلى متى ستعاني مناطق في البحرين تحديداً من حرائق يومية و«أفخاخ» ليلية لاستدراج الشرطة للمواجهات بغية إيقاع ضحايا؟! ألم يقولوا إن المولوتوف وسيلة للتعبير عن الرأي؟! ألم نجد تقارير هذه المنظمات لا تدين أبداً استخدام هذه العبوات الحارقة التي ترمي لاستهداف حياة الشرطة، بل وجدنا على العكس إدانات لاستخدام الغاز المسيل للدموع وتصويره على أنه غاز سام يستهدف قتل الناس؟! وبالتالي إن كان المولوتوف وسيلة مباحة للتعبير عن الرأي، فعلى الشرطة أن تستغني عن استخدام الغاز المسيل للدموع وتبدأ برمي الملوتوفات على من يهاجمها بها! طبعاً حينها ستقوم القيامة وسيقال إن الشرطة تستخدم المولوتوف لقتل الناس، في الوقت الذي لم يذكر فيه إطلاقاً على لسان الجمعيات المعارضة المتسيدة للتأزيم على الأرض أو الجمعيات والمؤسسات الخارجية بأن استخدام المولوتوف من قبل الشباب والمراهقين ليلياً لحرق قراهم، ومواجهة رجال الأمن مسألة خاطئة ويجب أن تتوقف فوراً، وتصنف على أنها إرهاب صريح. ليس موضوعنا معنياً بإجراءات المواجهة على الأرض، بقدر ارتباطه بآليات تطبيق القانون، خاصة أن المعنيين بأجهزة الأمن سيقولون إنهم يقومون بدورهم في حماية البلد ووقف الاعتداءات وضبط المعتدين، في حين أن تطبيق القانون هو من واجب القضاء. فعلى القضاء هنا أن يتعامل مع هذه القضايا بشكل سريع، بحيث تصدر الأحكام بحق من تثبت عليه تهمة التخريب وممارسة الإرهاب، وهذا حق يطبق في كل دولة تحترم القانون الذي وضعته، باعتباره قانوناً وضع ليطبق لا لينظر إليه فقط. انظروا لتجارب الدول الأخرى، انظروا إلى بريطانيا، وحاولوا الاستفادة من تجربتها في التعامل مع الشغب والإرهاب، وكيف أنها لا تتوانى في تطبيق الإجراءات الأمنية على الأرض، في نفس الوقت باعتبار أن أمن المجتمع هو سيد الموقف، وهي الكلمة التي قالها بكل صراحة رئيس الوزراء كاميرون. انظروا لإجراءات المحاكمات هناك بحق المخلين بالأمن، انظروا للتطبيقات الرادعة لمن تثبت عليه التهمة، إذ العرف السائد بأن من يحرق البلد ويرهب ويعبث بأمنها لا يستحق التمتع بالمكاسب والفوائد والخدمات التي تقدمها البلد لمواطنيها. معادلة المواطن الصالح والمواطن الطالح تطبق هناك، لأن المجتمعات الغربية ليست بتلك المجتمعات التي تتأثر ببيانات معلبة تصدرها منظمات تنظر للأمور وفق ما يخدم أجندتها، بل لأنها مجتمعات قائمة على مبدأ “السبب والنتيجة”، عندما تكون عنصراً فعالاً في المجتمع، تلتزم بالقانون وتلتزم بواجباتك، فإنك حينها تستحق الحقوق التي تكفلها لك الدولة، لكن إن كنت مخلاً بواجباتك، وإن تحولت لمصدر تهديد لوطنك، هل تعتقد أنك بعد ذلك تستحق أن تستفيد من هذا الوطن الذي تحرقه يومياً؟! على الدولة أن تحسم هذا الإرهاب اليومي. ضعوا خطة واضحة وصريحة للتعامل الأمني على الأرض، وأعلنوا على كل صعيد إعلامي -داخلياً وخارجياً- عن الإجراءات التي من حق الدولة أن تأخذها مع من يمارس التخريب والإرهاب ومن يهدد الوطن وأهله في أمنهم. عرفوا من يريد العبث بمقدرات هذا الوطن بالعواقب التي تنتظره لو أصر على التحول لإرهابي يحرق بلده ويرعب أهلها يومياً. ولتنفيذ الإجراءات والقانون، لستم عاجزين عن الإتيان بخبراء من تلك الدول المتقدمة ديمقراطياً، وفي نفس الوقت متقدمة في تطبيق القوانين لنعرف منها كيف يجب أن تتعامل الأجهزة القضائية، وما يفترض أن يتخذ من إجراءات بحق المخربين، بحيث لا يكونون في النهاية متساوين مع المتمثلين بالمواطنة الحقيقية بحقوقها وواجباتها. هذا ما يجب أن تفعله الدولة اليوم بالاستناد على القانون. إذ لا يستحق خير البلد من يحرق البلد. فحقوق المواطنة تمنح لمن يلتزم بواجبات المواطنة ويكون عنصر بناء لا أداة هدم.