^   سبق انعقاد القمة العربية في بغداد، ورافق أعمالها، وتحدث عن قراراتها النهائية التي توصلت لها، نوعان من التغطية الإعلامية، الأول ركز على الأوضاع العراقية الداخلية، فتحدث عن الإجراءات الأمنية المكثفة، التي وصلت تكاليفها، كما قدرتها جريدة نيويورك تايمز الأمريكية، إلى حوالي 500 مليون دولار، “صرفتها الحكومة العراقية من أجل توفير متطلبات الأمن وإقامة الوفود وأعمال تجديد الفنادق والتشجير في طريق مطار بغداد الدولي”، في حين تمحورت تغطيات الثاني على القضايا العربية الملتهبة مثل: تفاقم الحالة السورية، وتطلعات الشعب الفلسطيني، وحيرة المواطن الليبي، ومناشدة المواطن اليمني. الجديد فيما رافق انعقاد القمة العربية، كونها تنعقد وسط الظروف العربية، دع عنك العالمية، المعقدة الطارئة التالية: 1. ارتباك العلاقات الدولية التي تنظم التحالفات الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، وتأزم السياسات التي تسير القوى العظمى تجاهها، وعلى وجه التحديد الولايات المتحدة منها، التي باتت خطواتها مرتبكة، وتسير في طريق ضبابي غير واضح المعالم بالنسبة لواشنطن، التي لم تعد قادرة على فرض شروط أو حتى نسج علاقات استراتيجية مع حليف إقليمي قوي قادر على توفير الضمانات لحماية المصالح الأمريكية من جهة، وتحسين صورتها، ومن ثم سياساتها، في عيون البلدان العربية، شعوباً وحكومات من ناحية ثانية. حتى الكيان الصهيوني، لم يعد، جراء الأزمة الداخلية التي يعاني منها من جانب، وتنامي المعارضة الفلسطينية وتحالفاتها اليهودية داخل فلسطين 1948 من جانب آخر، قادراً على أن يمارس دوره التقليدي الذي قام به منذ الخمسينات، والذي شكل الرافعة الأساسية لتنفيذ السياسات الغربية عموماً، والأمريكية منها على وجه الخصوص في المنطقة. هذا الارتباك الدولي يحرم الجامعة من حضور الحليف الدولي الذي يساعد على بلورة مشروعاتها، أو يضمن إمكانية نقل قرارات قممها إلى حيز التنفيذ. 2. التحولات الطارئة التي هبت رياح تغييراتها على المنطقة العربية منذ مطلع العام 2011، والتي ماتزال، هي الأخرى، هلامية، ولم تتبلور عنها حالة مستقرة يمكن الركون إليها خاصة في البلاد التي عرفت تغييرات في السلطة مثل تونس ومصر، وأسوأ منهما ليبيا، أو تلك التي باتت قاب قوسين أو أدنى من تغييرات مفتوحة مثل سوريا، إلى جانب أخرى وجدت نفسها، مرغمة، أمام مستقبل مفتوح غير محدد المعالم مثل اليمن. هذا وضع القمة أمام خيارات طرقها ملتوية، ونهاياتها يصعب التكهن بها، أو حتى رسم معالمها، وساهم في نشر أجواء من التلكؤ، انعكست بشكل واضح في كلمات الوفود، التي سيطرت عليها العموميات المجترة، وغابت عنها المشروعات المحددة، وتجلت أيضاً في النقاشات التي دارت، وتكرست في القرارات التي تضمنها بيان بغداد بنقاطه الـ 53. 3. شيخوخة هياكل الجامعة العربية، وتشظي آليات صنع القرارات في مؤسساتها، بما فيها تلك العليا منها مثل مجلس الجامعة، بل وحتى قممها، بفضل عدم قدرتها على مواكبة التطورات السياسية والاقتصادية التي عرفتها المنطقة العربية، والتي أصبحت بحاجة إلى مؤسسات من طراز مختلف عن ذلك الذي مايزال يسيطر على الجامعة حتى يومنا هذا، ويحدد آليات صنع القرار فيها من جهة، وفشل الجامعة في فرض قراراتها على أي من أعضائها، مما أفقدها الكثير من مظاهر الحضور في المشهد السياسي العربي من جهة ثانية. هذا التدهور ليس أمراً جديداً طارئاً على الجامعة، لكنه بات أكثر تجلياً، إذ يعود بجذور بداياته إلى النصف الثاني من العقد السادس من القرن الماضي، وعلى وجه التحديد بعد هزيمة العرب في حرب يونيو 1967، وعبرت عنه مؤخراً مجموعة مشاريع الحلول التي اقترحتها الجامعة العربية، سواء في سوريا، أو في ليبيا، أو بغيابها شبه المطلق من ساحات عربية أخرى، كانت في أمس الحاجة إلى جامعة عربية قوية متماسكة مثل اليمن. هذه الحالة غير القادرة على الفعل والتأثير، تثيرعلامة استفهام كبيرة حول دور الجامعة العربية ومستقبلها، إن هي استمرت على العمل بنفس المنوال القائم اليوم، ويرفع علامة استفهام أخرى أكبر حجماً وأشد خطورة حول قمة بغداد العربية التي عجزت أجهزة الجامعة العربية، بفضل هرمها وهزالها من أن تضع لها أهدافاً تتناسب وخطورة المرحلة، وتصيغ لها مقاييس للتعرف على مدى نجاحها أو فشلها، وقادرة، في آن، على تلبية متطلباتها. حتى الهدف المتواضع مثل إعادة دور العراق إلى الحياة السياسية العربية، أو استعادة العراق لمحيطه العربي، أخفقت الجامعة في تحقيقه، ودلل على فشلها الحضور العربي من حيث العدد كماً، والمستوى السياسي نوعاً، ولم تأت القرارت كي تعطي العراق دوراً عربياً ملموساً يعكس الضجيج الإعلامي الذي سبق ورافق انعقاد القمة في بغداد، وحاز على حصة الأسد من قراراتها ليس أمراً سهلاً الإجابة على علامة الاستفهام التي وضعتها القمة العربية أمام رؤساء وممثلي الدول العربية التي شاركت في قمة بغداد، الذين لم يجدوا طريقاً يسلكونه أفضل من ذلك الذي يقودهم إلى متحف القضية الفلسطينية يستعينون ببعض محتوياته، علها تنتشلهم من مأزقهم الذي وضعوا أنفسهم فيه، لكنهم وجدوه هو الآخر شبه مقفل، تغلقه عنجهية السياسة الإسرائيلية التي تصر على المضي قدماً في فاشيتها التي ليس هناك من دليل أقوى على تلك العنصرية من مواجهاتها الوحشية لمسيرات يوم الأرض الفلسطينية المسالمة، التي شاء القدر أن ترافق انعقاد القمة، دون أن ننسى الشلل الذي بنى حاجزاً عالياً، وسداً منيعاً بين الجامعة العربية والقضية الفلسطينية، منذ انتقال المواجهة مع العدو الصهيوني من محيطها العربي الشامل، إلى إطارها الفلسطيني المحض. قمة علامة الاستفهام لا تؤكد تعثر قمة بغداد فحسب، بل تعلن شيخوخة الجامعة العربية هي الأخرى، التي باتت، كما كانت عليه حال قمة بغداد، بحاجة ماسة إلى أكثر من منشط مؤقت يضفي بعض معالم الصحة على جسد متهالك يضم روحاً يائسة، ويكسي عظاماً لم تعد قادرة على حمل جسم بات ينوء بأثقاله الذاتية قبل الموضوعية.