بقلم: مهند النعيمي «القائم بأعمال مدير عام وكالة أنباء البحرين»
المنامة - (بنا): تترقب الأوساط العالمية والإقليمية الزيارة المرتقبة لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى لجمهورية مصر العربية في زيارة جديدة تعكس المكانة التي تحتلها مصر في قلب جلالة الملك حفظه الله، وهو الحريص دائماً على تعزيز وتدعيم العلاقات الثنائية بين البلدين ودفعها للأمام والتي رسخها وأقام بنيانها على مدى التاريخ قادة البلدين والترابط القوي بين الشعبين الشقيقين.
مكانة جمهورية مصر العربية لدى قيادة وشعب البحرين تحتاج إلى كتب وصفحات غير معدودة لتوفي هذه العلاقة التاريخية حقها، ولعل الزيارة القادمة ما هي إلا استمرار لنهج أصيل أسسته القيادة الحكيمة لتعزيز مسيرة التضامن العربي في مواجهة التحديات التي تواجهها الأمة العربية حالياً.
يؤكد أهل مصر من سياسيين وإعلاميين عندما تتحدث معهم عن جلالة الملك حفظه الله أن جلالته يحمل لمصر حباً من نوع خاص وفريد.. فمصر بالنسبة لجلالته هي مهد الحضارة، وتاريخها هو تاريخ الحضارة الإنسانية، وهي كنانة الله على الأرض، ومنبع الأديان السماوية، وهي التي سجل لها التاريخ العديد والعديد من المواقف في نصرة الأمة العربية والإسلامية وقضاياها العادلة ودفع العدوان والاستعمار عنها.
المتتبع لتصريحات وكلمات جلالة الملك السامية يجد دائماً أن مصر تحتل مكانة تاريخية لدى البحرين وقيادتها، وكما يؤكد جلالته دائماً في تصريحاته أن مصر هي بيت العرب، وينظر جلالته لدورها بأنه محوري في الدفاع عن قضايا الأمة العربية ومصالحها وحماية الأمن القومي العربي، وهي العمق الاستراتيجي للأمة العربية بما تمثله من ثقل استراتيجي وأمني لكل شعوب ودول المنطقة، ولذلك فإن جلالة الملك يرى أن مصر القوية هي سند وقوة لكل العرب.
إن هذا الحب الكبير لمصر وشعبها من جلالة الملك تمثل في العديد من المواقف وعبر عنه جلالته في تصريحاته وفي كتبه وأحاديثه ولعل من أبرز الدلائل على هذا الحب الكبير أن مصر تعد من أكثر البلدان في العالم التي يحرص جلالته على زيارتها ولم يسمح جلالته أن يتعكر صفو العلاقات معها في أي مرحلة مرت بها وتحت أي ظروف، فالعلاقات بين البلدين كانت على مر العصور علاقات تعاون وود، حيث ينظر جلالته إلى مصر باعتبارها الشقيقة الكبرى حيث بدأ التعاون بين البلدين منذ القدم‏، وفي العصر الحديث يعود التعاون بين البلدين إلى تاريخ وصول أول بعثة تعليمية مصرية إلي البحرين في عام ‏1919، وتشهد العلاقات بين البلدين الشقيقين منذ ذلك التاريخ المزيد من التقدم والتطور‏.‏ كما يؤكد جلالته أن ما يجمع البحرين بالشقيقة مصر، ليس مجرد علاقات رسمية بين دولتين‏، وإنما تحكمه عوامل التقارب والمحبة،‏ التي تزداد رسوخاً على مدى السنين، ‏فالعلاقات البحرينية المصرية تتميز بالقوة والحميمية دائماً.‏
إن ما يهم جلالة الملك المفدى أن تظل مصر قوية عزيزة دائماً، ففي قوتها قوة للعالم العربي والإسلامي كله.. هكذا وعى جلالته الدور المصري الحيوي عبر التاريخ. ومن المواقف التي تعبر عن ذلك دور جلالته بقيادة جهود مملكة البحرين لمساندة مصر خلال حرب أكتوبر 1973، حينها كان جلالة الملك ولياً للعهد ووزيراً للدفاع، حيث قام بإعداد قوة الدفاع للقيام بمسؤولياتها لدعم خطوط الدفاع والذود عن الأرض والكرامة العربية حيث تم إعداد مجموعة قتالية للاشتراك في هذا الواجب المقدس كدور أساسي للبحرين في التضامن مع دول المواجهة في حرب أكتوبر. وإضافة للدور العسكري، فقد كان للبحرين دورها في التضامن مع مصر في وقف إنتاج النفط ومنعه عن الدول التي تساند العدو.
ففي كتاب الضوء الأول لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة يقول جلالته: «عندما حانت الفرصة قمنا بتشكيل مجموعة القتال الأولى التي شملت الكتيبة الأولى وعناصر الإسناد اللازمة، وكان لهذا الحدث أهمية كبرى، حيث أنه كان أول اختبار فعلي لقدرات قوتنا الفتية، وقامت هذه المجموعة بتطبيق مختلف التمارين التعبوية استعداداً للواجب، وبعد صدور قرار مجلس الدفاع المشترك كانت مجموعة القتال الأولى على أهبة الاستعداد للحركة بعد أن أكملت جميع التحضيرات اللازمة للانتقال إلى الأراضي السعودية، ومنها إلى ساحة العمليات. بهذا التصميم، وبهذه الروح المعنوية العالية وجدت كل التجاوب من زملائي حين كنت أجتمع بهم في معسكر الكتيبة الأولى انتظاراً لأمر الحركة للمساهمة في ميدان الشرف، لقد كان موقفاً مؤثراً وحاسماً بالنسبة لنا، ولا يفوتني أن أبين أن أعمارنا وقتئذ قادةً وجنوداً لم تكن تتجاوز الثلاثين عاماً، وبينما كنت أشارك في إحدى جلسات مجلس الوزراء وصل أمر الحركة، وكانت لحظة تاريخية مازلت أذكرها وأعتز بها وأصدرت الأمر لقائد مجموعة القتال للحركة. إن ما تم إنجازه من فعاليات لقوة الدفاع خلال حرب أكتوبر من حيث التجميع والتدريب والاستعداد والروح المعنوية العالية قد فاق في فائدته وحجمه عمر هذه القوة الفتية التي لم تتجاوز حينذاك الخمس سنوات، أما بالنسبة لي شخصياً فقد كان لمشاركتنا بالاستعداد لخوض المعركة والبطولة التي أبداها المقاتلون العرب نوع من الدواء للجرح الذي خلفته نكسة حزيران 1967».
هذا عدا عن إسهام البحرين أميراً وحكومةً وشعباً بالمشاركة الفعلية بالمجهود المادي والمعنوي، تلك هي حقائق ساطعة وظاهرة للعيان. لقد كانت الأمة العربية كلها في خندق واحد جسد الإرادة العربية والتلاحم العربي في وجه العدوان.
بديهي مع هذا الحرص من جلالة الملك المفدى على تدعيم أواصر العلاقات بين مملكة البحرين ومصر أن تنطلق العلاقات الثنائية نحو التفاعل والتكامل فقد اتسمت بأنها علاقات تاريخية أخوية وطيدة أساسها التواصل والمحبة بين قيادتي وشعبي البلدين الشقيقين والمصلحة العربية المشتركة مما جعلها نموذجاً يحتذى به في العلاقات العربية من جهة تنسيق المواقف والرؤية الحكيمة لأسلوب التعامل مع قضايا الأمتين العربية والإسلامية.
والعودة للحديث عن العلاقات البحرينية المصرية هو حديث عن ماض وحاضر ومستقبل تربط بينهم جميعاً روابط متينة من الود والمحبة والتآلف، فلم تبدأ هذه العلاقات فقط مع بدء التمثيل الدبلوماسي الرسمي بين البلدين، بل ترجع جذورها إلى مرحلة تاريخية عميقة من خلال الترابط التاريخي بين حضارة دلمون والحضارة الفرعونية القديمة. ثم تواصلت خلال فترة الخلافة الإسلامية حيث ضمت الدولة الإسلامية أبناء البحرين ومصر، وفي العصر الحديث كانت مصر من أول الدول التي اعترفت باستقلال البحرين ودعمت قضيتها إزاء المطالبات الإيرانية غير المشروعة. ولن ينسى التاريخ تفاعل شعب البحرين مع ثورة 23 يوليو 1952 وقراراتها الكبرى، كما شهدت مدن البحرين مظاهرات حاشدة تضامناً مع الشعب المصري في مواجهة العدوان الثلاثي عام 1956، ومواقف التأييد والمساندة التي صاحبت بناء السد العالي، وتجاوب البحرينيين مع حملة التبرعات لصالح المجهود الحربي بعد نكسة عام 1967. واشتراك مملكة البحرين في حرب 1973 بالدعم العسكري والمادي وقطع النفط .
ورسخ جلالة الملك التعاون بين البلدين من خلال تشكيل اللجنة المصرية البحرينية المشتركة، بالإضافة إلى وجود لجان أمنية وعسكرية مشتركة بين البلدين. وقد تجسدت الجهود المخلصة والصادقة من قبل جلالة الملك المفدى لدعم العلاقات الثنائية، وحرص جلالته الكبير على الدفع بها إلى آفاق غير محدودة، من خلال تفضل جلالته بمنح قطعة أرض لبناء مركز تجاري دائم للمنتجات المصرية بالبحرين.
وبعد ما جرى في مصر من تطورات منذ العام 2011 حرص جلالة الملك المفدى على دعم مصر فكانت زيارته الأولى التي التقى خلالها المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة‏، والدكتور عصام شرف رئيس مجلس الوزراء، وعدداً من كبار المسؤولين المصريين.‏ حيث أكد جلالته حرص المملكة على تفعيل اللجان البحرينية المصرية المشتركة في كافة المجالات سواء العسكرية أو الثقافية أو التجارية أو المعلوماتية، وأعطى جلالته توجيهات في وضع مصر بالأفضلية بالنسبة للاستثمارات البحرينية الخارجية، بالإضافة إلى التعاون القوي والشامل مع مصر في كافة المجالات.
كما ترأس جلالة الملك وفد البحرين الكبير المشارك في فعاليات مؤتمر «دعم وتنمية الاقتصاد المصري.. مصر المستقبل»، مارس 2015 حيث كان نعم الظهير لمصر في تلك المرحلة الحاسمة التي تمر بها، ولم يدخر جهداً في توفير كل ما من شأنه إنجاح الجهود التي تمكن مصر من العودة لممارسة دورها الإقليمي المنتظر منها في محيطها العربي باعتبارها الشقيقة الكبرى. وقد حرص جلالته أن يشارك وفد من القطاع الخاص ورجال الأعمال البحرينيين في المؤتمر ليسهموا بجهدهم في دعم الاقتصاد المصري. وكانت مشاركة الوفد البحريني المكثفة والثرية في المؤتمر عاكسة لجهود المملكة المبذولة لتكون لها بصمة في هذه التظاهرة الاقتصادية المهمة.
وتشجيعاً للسياحة في مصر يحرص جلالة الملك على زيارة إلى مدينة شرم الشيخ بمحافظة جنوب سيناء، والالتقاء بالسائحين من مختلف الجنسيات العربية والأجنبية وتبادل معهم الأحاديث الودية، كما يحرص جلالته خلال زياراته على أن يقود سيارته بنفسه وعلى التجول سيراً على الأقدام دون أية قيود رسمية أو بروتوكولية وسط ترحيب شعبي وعاصفة من الحب من قبل المصريين والأجانب.
كما شارك جلالة الملك في أغسطس 2015 في حفل تدشين قناة السويس الجديدة برعاية فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية الشقيقة. حيث أكد جلالته أن هذا المشروع الكبير يعد إنجازاً وطنياً لشعب مصر، وصفحة مضيئة جديدة في سجل تاريخه العريق الحافل بالعطاء والإنجازات، ومعرباً جلالته عن التهنئة لمصر بإنجاز هذا المشروع التاريخي الكبير الذي يعد واحداً من أكبر مشاريع القرن، ويؤكد قدرة مصر الشقيقة رغم كل التحديات. وقال العاهل المفدى إن هذا المشروع هو مشروع جيلٍ وشعبٍ ووطنٍ ورؤية قائد حكيم، وإنه سوف يغير خريطة الاقتصاد المصري، ويسهم في تعزيز مكانة مصر الدولية، مشيداً جلالته بدور الجيش المصري في إنجاز هذا المشروع في وقت قياسي تاريخي، وهذا ليس بغريب على الجيش العظيم الذي كان أكبر جيش في التاريخ، وأكبر جيش في الشرق الأوسط في العصر الحاضر. ولا تخفي مصر حبها قيادة وشعباً للعاهل المفدى فقد بادلت مصر جلالته محبة بمحبة ونذكر من ذلك منح مصر جلالة الملك حينما كان ولياً للعهد قلادة الجمهورية من الدرجة الأولى في 24 يناير 1973، وهي أرفع درجة تكريم مصرية، وتمنح للأشخاص الذين قدموا إسهاماً مميزاً يؤثر على حياة المصريين.إلى جانب ذلك كانت زيارات الدعم والمؤازرة لمملكة البحرين التي قام بها رؤساء مصر المغفور له الرئيس جمال عبدالناصر والمغفور له الرئيس محمد أنور السادات، كما زارها الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك أكثر من مرة أبرزها في 16 فبراير 2009، ليؤكد الدعم وإعلان التضامن المصري مع مملكة البحرين أمام أي مساس بـاستقرارها وأمنها، كما زار فخامة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مملكة البحرين في أكتوبر 2015. وتمثل هذه الزيارات صورة من صور التلاحم القوي ودلالة بليغة على عمق العلاقات الأخوية والتاريخية بين البلدين الشقيقين.
وتقديراً لدور جلالة الملك في تشجيع السياحة المصرية تم تسمية أحد أهم الشوارع في مدينة شرم الشيخ المصرية باسم جلالته تقديراً وعرفاناً بدور جلالته في هذا الصدد، وأصبح هذا الشارع أحد أبرز المعالم الرئيسة التي يحرص السياح على زيارته، واسم جلالته محل فخر واعتزاز من قبل أبناء الوطن العربي بشكل عام وأهل البحرين بشكل خاص، كما ثمن نادي الإنجازات بجمهورية مصر العربية بمناسبة الذكرى الأولى لثورة 30 يونيو جهود جلالة الملك في مساندة ودعم خيارات الشعب المصري، وأشاد النادي في بيان أصدره بهذه المناسبة بالدور البارز لجلالته في العمل على استقرار مصر ودعم اقتصادها.
كما أن الجالية المصرية في مملكة البحرين دائماً ما تشيد بدعم حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى الدائم لمصر، مؤكدة أن جلالته صديق لشعب مصر ومحب لمصر وللمصريين، وفي مقدمة الصفوف لمساعدة القاهرة والوقوف بجانبها في مختلف الظروف، مثمنين عالياً تقدير جلالته الكريم إلى أبناء الجالية المصرية في البحرين وإسهاماتها المميزة، مؤكدين أن مملكة البحرين تعد وطنهم الثاني وأنهم بين إخوانهم الذين يبادلونهم وداً واحتراماً كبيرين. كما رحب أبناء الجالية المصرية بالزيارات الأخيرة لجلالة الملك لمصر، حيث تحتاج إلى التضامن والمساندة من قبل الدول العربية وفي مقدمتها مملكة البحرين. وأشادوا بتأكيدات جلالة الملك استمرار مملكة البحرين في مساندة مصر، ودفع جهودها التنموية، مبتهلين إلى الله عز وجل أن يديم الأمن والاستقرار والسلام على أوطاننا، وأن تنجح الجهود العربية المشتركة في تحقيق المصالح العليا لوطننا العربي.
إن هذا الحب المتبادل بين جلالة الملك ومصر وشعبها هو قصة تروى وتعبر عن حب عميق لمصر العروبة والحضارة والتاريخ العريق من قلب ينبض بالحب والانتماء للأمتين العربية والإسلامية ويطمح دائماً إلى عزهما ورفعتهما، باذلاً كل الجهود في سبيل تحقيق ذلك الهدف السامي.