الإمارات العربية المتحدة – أبوظبي: أكدت رئيسة مركز الإمارات للسياسات، د. ابتسام الكتبي، أن «على دول الخليج ألا تتوقع أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية باتخاذ إجراءات وفقاً للأولويات الخليجية»، مبينة أن «هذه الأولويات لم تعد تشكل أولويات واهتمامات أو مصالح أمريكية».
وقالت الدكتورة الكتبي، خلال ورشة عمل «تحول التقدير الاستراتيجي الأمريكي للشرق الأوسط وانعكاساته على أمن الخليج» التي نظمها المركز، أمس، في أبوظبي، إن «دول الخليج العربية مازالت مقتنعة بأن تعميق الشراكة الأمريكية – الخليجية يخدم مصالح أمريكا والخليج على حد سواء».
وأضافت أن «استقرار الدول العربية والخليجية عرضة للخطر مع تراجع الدور القيادي للولايات المتحدة الأمريكية، ما لم يتم سدّ الفراغ الاستراتيجي الذي نجم عن تحول التقدير الاستراتيجي الأمريكي في المنطقة والعالم».
وذكرت الكتبي أنه «مع التحول في التقدير الاستراتيجي الأمريكي طرأ إحساس وتقدير عام لدى دول عربية وخليجية تحديداً، خاصة السعودية، بتخلي الولايات المتحدة عنها».
وذكرت خلال جلسة «مستقبل أمن الخليج في ضوء التحول في التقدير الاستراتيجي»: «أدى هذا الفراغ في المنطقة الناجم عن التحول الأمريكي إلى ظهور وجهة نظر ترى أن الدبلوماسية الأمريكية لا تكترث بأي مكاسب روسية في المنطقة، وعلى وجه الخصوص في الملف السوري، الذي سلمته واشنطن لموسكو واكتفت بالإطار التنسيقي معها في إدارة الأزمة السورية وإخراجها بشكل يتم التراضي بشأنه بين الدولتين الكبريين».
وتابعت الكتبي «من المهم لأي مقاربة استشرافية لمستقبل أمن الخليج في ضوء التحول في التقدير الاستراتيجي الأمريكي أن تتوقف عند عدد من الأطروحات هي أن اشتداد المواجهة مع إيران أو خفوتها سيعتمد على نتيجة حسم الأوضاع في اليمن وسوريا والعراق، وعلى اتجاهات أسعار النفط التي تؤثر في الوضع الاقتصادي في إيران، وأنّ التحديات الأمنية وتعزيز السلم الإقليمي في الخليج والشرق الأوسط يقتضيان هيكلاً أمنياً إقليمياً جديداً يسمح بالتفاهم بين دول الخليج وإيران على إدارة ملفات الصراع من دون الاعتماد على لغة السلاح وحروب الوكالة. هذا ملف من المهم أن تمتلك فيه دول الخليج رؤية متسقة وواضحة».
وزادت أنه «من بين تلك الأطروحات أيضاً أنه يمكن الاتفاق المبدئي على خارطة طريق تضع محاربة تنظيم الدولة «داعش» ووقف التدخل الإيراني في الشؤون العربية ودعم المليشيات كمداخل أساسية لبناء هيكل أمن إقليمي جديد بين دول الخليج وإيران، وهذا من شأنه أنْ يعيد الاستقرار للمنطقة ويوقف الصراعات المشتعلة، ويتناغم مع رؤية أمريكا في «تقاسم العبء» و»المشاركة الجماعية» في تأمين الأمن والاستقرار في الإقليم». وقالت إن «اتجاه دول الخليج لتنويع شراكاتها الاستراتيجية وبناء قوتها الذاتية لا يتعارض مع فكرة أن أمريكا حتى الآن هي أهم شريك استراتيجي لدول الخليج على الساحة الدولية».
وأفادت الدكتور الكتبي، بأن «التحليلات الرائجة تشير إلى أن الولايات المتحدة قررت تخفيف ارتباطها وهيمنتها في إدارة ملفات المنطقة الكبرى بعد اكتشاف احتياطي ضخم للنفط على أراضيها، وقرارها بالتحول نحو الصين وجيرانها، وفي أعقاب ثورة الزيت الصخري وبالتالي تراجع قيمة الدول العربية والخليجية كشركاء استراتيجيين للولايات المتحدة».
وقالت رئيسة مركز الإمارات للسياسات، إن «مسار التحولات في العلاقة الأمريكية الإيرانية بدأ منذ سنوات ليست قريبة، وظل يتأرجح صعوداً وهبوطاً، ووضوحاً وغموضاً، وهذا ما يدفع محللين استراتيجيين ومراقبين إلى اعتبار هذا التحول حصيلة تراكمات مديدة من الجدل والحوار والتفكير في أروقة المؤسسات الأمريكية المختلفة وليس وليد رئاسة أوباما فقط».
وأضافت أن «قيمة إيران الاستراتيجية زادت بالنسبة للولايات المتحدة بسبب قربها من بحر قزوين ونفط الخليج وخطوط أنابيب الغاز التي تزود أوروبا بالوقود، وقربها من أفغانستان، واستخدامها في احتواء الصين».
تفشي الأزمات بالمنطقة
بدوره، قال نائب رئيس ومدير مركز برنت سكوكروفت للأمن الدولي التابع للمجلس الأطلسي في الولايات المتحدة الأمريكية، باري بافل، ان «التدخل الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط زاد إبان الحرب الباردة، وزاد أكثر بعد نهايتها، وفي إثر حرب العراق».
وأضاف بافل خلال جلسة «أسباب وسياقات التحول في التقدير الاستراتيجي الأمريكي للشرق الأوسط، وانعكاسات ذلك على توزيع القوة في الشرق الأوسط»، أنه «مع مجيء إدارة الرئيس باراك أوباما إلى السلطة في يناير 2009، كانت الأزمة المالية متفاعلة، وفي ذلك الوقت كانت أولويات الإدارة ترتكز على منع حدوث ركود اقتصادي، والخروج من حربي العراق وأفغانستان».
وأوضح أن «إدارة أوباما أعادت تقييم السياسة الخارجية واستراتيجياتها الدولية، فقامت في يناير 2012 بالإعلان عن استراتيجية «التحول إلى آسيا»، إلا أن الاستراتيجية لم تكن مهيئة ومهيكلة بشكل جيد، لذا لم تتحول إلى خطوات وتدابير عملية».
ولفت بافل إلى أن «الأوضاع الأمنية في الشرق الأوسط شهدت تدهوراً، إذ يعاني الشرق الأوسط من أزمات تاريخية، إلا أن تداعيات هذه الأزمات لا تقتصر على المنطقة بل تمتد إلى العالم بأسره».
وأكد أن «السياسة الأمريكية ساعدت أحياناً في تفشي الأزمات في المنطقة، ومن ذلك الأزمة السورية التي تعاملت معها إدارة أوباما في البداية كأزمة إنسانية، وكانت الإدارة تنطلق في تعاملها مع الأزمة من محاذير عدة، أهمها: «عدم رغبتها في التورط فيها، وعدم رغبتها في إذكاء التطرف، وعدم رغبتها في عسكرة الأزمة، وعدم رغبتها في تمدد الأزمة إلى الدول المحيطة».
وحول الاتفاق النووي الأمريكي مع إيران، قال بافل «مع تأييد إقامة مشاورات مع إيران ومحاولة إدماجها اقتصادياً لخفض التهديد الذي تمثله إيران، إلا أن الإدارة الأمريكية تخطئ إذا تتخذ موقفاً محايداً بين إيران وحلفائها الخليجيين في المنطقة».
ولفت إلى أن «الولايات المتحدة تراجعت في التزاماتها تجاه حلفائها، والوقت ليس مناسباً لانكفاء الولايات المتحدة عن المنطقة، وقد حان الوقت كي تتبنى الولايات المتحدة موقفاً أكثر استراتيجية لقيادة العالم والشراكة مع القوى المهمة والحلفاء في العالم والمنطقة».
وشدد على أنه «يتوجب على الولايات المتحدة أن تعمل بشكل وثيق مع حلفائها في الخليج، لحل الأزمة في سورية، وهذا يعني زيادة نشر القوات على الأرض».
اختلاف توصيف «العدو»
من جهته، قال أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية، الدكتور محمد بن هويدن، إنه «منذ اهتمام الولايات المتحدة بمنطقة الخليج، اتسمت المصالح الأمريكية تجاه المنطقة بالثبات، قائمة على استمرار تدفق النفط، ومنع هيمنة عدا الهيمنة الأمريكية، والوجود العسكري، في حين أن الاستراتيجية مالت إلى المراوحة بين الواقعية والمثالية».
وأضاف «أصبح هناك اختلاف بين الحليفين الخليجي والأمريكي في توصيف «العدو»، فبينما تنظر دول الخليج إلى إيران كتهديد وجودي لدول المنطقة تريد تغيير قيم المنطقة وإنشاء قيم مناقضة، يلحظ أن الولايات المتحدة أصبحت تنظر إلى إيران كشريك، وتدعو إلى «مشاركة النفوذ» بين الطرفين والخليجي».
وزاد أنه «لا يوجد خيار أمام دول الخليج إلا احتواء إيران، من خلال، تعزيز وتقوية «التحالف العربي» الذي تقوده السعودية، عدم إضعاف العلاقة مع الولايات المتحدة، التي تعد شريكاً وحليفاً استراتيجياً لدول الخليج، وفي هذا الصدد يمكن توثيق العلاقات الاستراتيجية مع المؤسسة العسكرية في الولايات المتحدة، الانفتاح على شراكات جديدة في أوروبا، مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا واستمرار الضغط على الولايات المتحدة من أجل تفهم مخاطر السياسات الإيرانية».
تذبذب العلاقات الأمريكية الإيرانية
وذكر الدكتور حسين إيبش من معهد دول الخليج العربية في واشنطن، ما أسماها العوامل التي تؤثر في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، وبين أن «من تلك العوامل الاعتقاد بتراجع أهمية المنطقة للولايات المتحدة بسبب تراجع الاعتماد الأمريكي على نفط المنطقة؛ سواء نتيجة للاكتفاء الذاتي الأمريكي أو لوجود بدائل أخرى لواردات النفط، إضافة إلى أن الإرهاب لا يمثل مشكلة للولايات المتحدة وهو أيضاً كذلك بالنسبة لدول المنطقة.وأضاف أن من بين تلك العوامل أنه مفهوم «الدولة المارقة» لم يعد قائماً في السياسة الأمريكية، ولا توجد دول مارقة في الشرق الأوسط، لاسيما بعد إبرام الاتفاق النووي مع إيران.
ولفت ايبش خلال جلسة «العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة في تغيير أو تعديل التقدير الاستراتيجي الأمريكي الحالي للشرق الأوسط» إلى أن «هناك سياسات ستشهد استمرارية لدى الإدارة الأمريكية بغض النظر عن الفائز في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ومنها استمرار الوجود العسكري في المنطقة، سواء في القواعد القائمة أو انتشار الأصول العسكرية البحرية في البحار ضمن المنطقة وعدم العودة إلى سياسة جورج بوش «الابن» حتى لو كان الفائز جمهورياً والتركيز على تقاسم دول المنطقة المسؤولية وتحمل الأعباء مع الولايات المتحدة والاستمرار في محاربة التنظيمات الإرهابية في المنطقة».
ولفت إلى أنه «فيما يتعلق بإيران، فإن الموقف الأمريكي تجاهها يتسم بالشكوك، وهناك مرحلة من التذبذب في العلاقة مع إيران، لمعرفة ما إذا كانت إيران ستغير سياساتها أم لا، وفي المحصلة لا يمكن أن تكون إيران حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة».
سيناريوهات التقدير الأمريكي للمنطقة
وفي جلسة «السيناريوهات المتوقعة للتقدير الاستراتيجي الأمريكي للمنطقة في العقدين المقبلين»، سعى المستشار في مركز الإمارات للسياسات وأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة جورج تاون، الدكتور زيد عيادات، إلى «التنبؤ بسيناريوهات مستقبل منطقة الخليج في ضوء التغيرات الاستراتيجية، خصوصاً التحول في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة. وانطلق في بناء السيناريوهات المحتملة من واقع السياسات العربية، والخليجية بشكل خاص، وليس بالاعتماد على السياسة الأمريكية».
وأشار الباحث إلى «ثلاثة سيناريوهات محتملة، الأول، السيناريو المتفائل ببناء منظومة خليجية بالاعتماد على الذات أولاً والتحالفات ثانياً، مترافقاً مع حل المشاكل الإقليمية وإعادة تأهيل إيران. والسيناريو الثاني هو المتشائم الذي قد يعود إلى حل إشكالات إقليمية دون بناء إطار أمن إقليمي جديد، بالاعتماد على الذات، والاستمرار في توقع تدخل القوى الأخرى من أجل حماية أمن الخليج، بما في ذلك إسرائيل والهند والصين. أما السيناريو الثالث فهو الأكثر تشاؤماً بحسب وصف الباحث، وهو السيناريو القائم على الإخفاق في بناء منظومة أمن جديد، وفي حل المشكلات الإقليمية، والفشل في سياسات التحول الوطني، وتعاظم التطرف والإرهاب، وتزايد مشاكل الفقر والبطالة والدول الفاشلة».