حذيفة إبراهيم


أجمع المشاركون في الجلسة الثانية بمؤتمر التحولات الجيوسياسية في الفضاء العالمي، على أن الإرهاب الإلكتروني هو من أصعب الأنواع التي يجب مواجهتها حالياً، مشيرين خلال الجلسة التي حملت عنوان «التحولات الجيوسياسية العالمية»، إلى أن التغيير أصبح إلكترونياً ويمكن أن تتحكم الجماعات الإرهابية بالإنترنت.
وقالت المبعوث الخاص بالديوان الملكي سميرة رجب في كلمة بالجلسة، إن عناصر الأسلحة التي يتم استخدامها في الحرب اللامتماثلة المتواصلة في منطقتنا ودورها في نشر الفوضى وزعزعة استقرار دول المنطقة بهدف التغيير الجيوسياسي، تتلخص في إيجاد عدو متمثلاً في الإرهاب وإنشاء قواعد إرهابية محلية أو متعدّدة الجنسيات، واستخدام الضغوط السياسية والاقتصادية والحقوقية والعسكرية لتشكيل حالة من الإرباك وعدم الاستقرار والفوضى، وتفتيت الدولة الواحدة واستخدام تكتيكات التمرد والمليشيات، وأخيراً حرب الإعلام والإشاعات.
سلاح القوة الناعمة
وأضافت أن سلاح القوة الناعمة في نشر الفوضى وزعزعة استقرار الدول، من أهم الأسلحة استخداماً في السياسة الدولية، وازدادت أهميتها مع الانتشار الواسع لوسائل الاتصال الإلكترونية وعلى رأسها شبكات التواصل الاجتماعي.
وأضافت أنه ليس بغريب أن تأتي الولايات المتحدة الأمريكية على رأس الدول الأكثر إنفاقاً في مجال استخدام القوة الناعمة، إذ أكد وزير دفاعها الأسبق روبرت غيتس عن الحاجة إلى تعزيز القوة الناعمة الأمريكية عن طريق «زيادة الإنفاق على الأدوات المدنية من الأمن القومي بالدبلوماسية، والاتصالات الاستراتيجية، وتقديم المساعدة الأجنبية، وإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية»، وهي عبارات برّاقة تعني بالأساس استخدام سلاح القوة الناعمة للضغط على البلدان والتأثير على الرأي العام وإحداث التغيير من الداخل.
وأشارت بن رجب، إلى أنه تم التركيز على القوة الناعمة لوسائل الاتصال الإلكتروني، وتم تدعيمها من خلال انتشار شبكات الإنترنت وتشبيك الكون، وتم الترويج لشبكات الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات على أنها الأسلحة المستقبلية لتحرير ودمقرطة الشعوب.
وإلى جانب المنظمات غير الحكومية، تقوم وسائل الإعلام ومراكز البحوث والدراسات التي تعمل وفقا لأجندات سياسية معينة، إلى ممارسة التضليل الإعلامي أو نشر بحوث وتقارير خاطئة عن الأوضاع الداخلية لبلدان المنطقة، في إطار نفس السياسة، وباستخدام نفس سلاح القوة الناعمة التي تهدف إلى التأثير على الرأي العام من الداخل بطريقة غير شفافة ونشر الإشاعات والفوضى بهدف زعزعة استقرار دول المنطقة بصورة مخملية.
وتطرقت أيضاً إلى سلاح الإرهاب، واصفة إياه بأن له دور خطير في إضعاف وإلغاء دول المنطقة وإعادة رسم حدود دول جديدة ستنبثق في خضم الفوضى العارمة، مشيرة إلى أن الإرهاب يمثل العنصر الثاني في الحرب اللامتماثلة المستخدمة في تغيير الخارطة الجيوسياسية للمنطقة بمسألة إيجاد عدو متمثل في الإرهاب وإنشاء قواعد إرهابية محلية أو متعدّدة الجنسيات.
كما إن أسباب الإرهاب، على تعدّدها، تبقى الوقود الأساسي لمعظم العمليات الإرهابية حول العالم وخاصة في المنطقة العربية، ولكن ما نلاحظه من خلال تحليلاتنا ومتابعاتنا لمختلف العمليات الإرهابية في السنوات الأخيرة، هو وجود ما نسميه بـ»المحفزات الجديدة» لشرعنة تقسيم الدول وإعادة رسم الحدود باسم الخوف من تفشي ظاهرة الإرهاب وانتشارها، أو بحثاً عن حلول جاهزة لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة.
الإرهاب بدأ بعد الحرب الباردة
وواصلت «انطلاقاً من هذه المفاهيم يجب ألا ننسى أن ظاهرة الإرهاب، انطلقت أساساً بعد انتهاء الحرب الباردة القديمة، وهي ظاهرة تحمل هوية دينية، في صراع جديد، ينخر اليوم مجتمعاتنا العربية، ويقسّم مكوناتها ويفتّتها من الداخل مذهبياً عبر استقطاب وأدلجة أبنائنا ليكونوا وقود هذا الصراع في عمليات القتل والانتحار».
وأضافت «هنا يجب التذكير بأن بعض الأطراف ذات المصلحة تحاول أن تعطي هذا الإرهاب صفات ومسميات تزيده خطراً وقوة، فعلى سبيل المثال هناك من الباحثين من يحاول أن يعتبر هذا الإرهاب حرباً طائفية، أو يضعه تحت مسمى «الحرب الباردة الجديدة في الشرق الأوسط»، على اعتبار أن نتائجها ستُحدِّد مصير دول المنطقة عموماً، وشكل النظام الدولي الذي تتنافس من أجله الدول العظمى، للاستحواذ على أكبر رقعة من المصالح والنفوذ والقوة المحصورة في منطقة أوراسيا في آسيا وشمال إفريقيا.
وأوضحت بن رجب «أنه إذا ماتم الأخذ بالاعتبار كل مظاهر القوة المتوفرة بين أيدي المنظمات الإرهابية المتعددة المذاهب والجنسيات، المتزايدة والموجهة ضدّ بلداننا في الخليج والمشرق والمغرب العربي، سواء ضد أفراد أو مجموعات أو حكومات، فإننا لا يمكن أن نبرئ هذا الإرهاب من الرعاية والدعم من قبل قوى دولية وأطراف ذات مصلحة، ممّا يستدعي منّا جميعاً الوقوف العاجل على هذه الظاهرة الخطيرة والعمل على مراجعة شاملة لمختلف جوانبها وحيثياتها».
وأردفت «هناك سياسات دولية جديدة تحاول تنفيذ مصالح دول على حساب دول وشعوب أخرى، وهناك استهداف واضح في تحويل دول عربية قوية إلى دول ضعيفة عبر أسلحة وأدوات متعددة، إن لم تكن بالغزو والاحتلال فباستخدام القوة الناعمة، وكذلك بتوظيف الجماعات الراديكالية المؤدلجة، وثم بالإرهاب، حتى تتحقق درجة الضعف والوهن المطلوبَيْن في عملية رسم حدود جديدة داخلية وخارجية لدول باتت تسقط تباعاً».
وبات الحديث اليوم، عن تقسيم المنطقة العربية ورسم حدود دولها من جديد، على أساس المذهب والعرق، يتزامن مع تصاعد قوّة الإرهاب المدعوم بالعنف والصراعات والاختلافات المذهبية أو الطائفية، بعد أن اضمحلت عديد الدول، وفقدت الكثير من سيادتها وأراضيها وأصبحت غير قادرة على مجابهة ماكينات القوى الإقليمية والدولية.
التفوق العسكري
وقال مدير معهد كاليفورنيا للصراع والتعاون العالمي د.تاي مينغ شوينغ، إن الولايات المتحدة تتخذ سياسة الحفاظ على التفوق العسكري والفجوة العسكرية بينها وبين روسيا والصين.
وأشار إلى أن الروس يسعون لتعزيز نقاط الضعف التي لديهم، فيما وضع البنتاغون ‏مبادرات للإصلاح ‏في مجالات التجارة والابتكار والصناعة، موضحاً أن أحد الملامح الأساسية ‏التي يركز عليها الاقتصاد حاليا هي الذكاء الصناعي والتقني إضافة إلى الأسلحة ذاتية التشغيل.
ولفت شوينغ إلى أن الصين ترى في الفضاء الخارجي مجال المنافسة كبيراً ويجب عليها أن تقتحمه وبكل القوة. وشدد على أن الصين تسعى ‏لتعزيز صادراتها وأن إيران ستكون أولى زبائنها هي و روسيا، مؤكداً أن على دول الخليج تكييف استراتيجياتها لتتلاءم ‏مع المتغيرات على المدى البعيد.
التحديات الناشئة
رئيس برنامج التحديات الأمنية الناشئة في مركز جنيف للسياسات الأمنية جوستاف ليندستورم، قال ‏إن هناك تحديات كبيرة تتعلق بالأمن الإلكتروني من قبل الجماعات الإرهابية والتي تستخدم أكثر من 300 ألف كابل بحري موجود لتزويد ‏خدمات الإنترنت حول العالم.
‏وأشار إلى أن الجماعات الإرهابية مثل داعش، ‏لديها تقنيات تمكنها من تشفير واستخدام البرامج المشفرة لكي توصل رسالتها وتحدث التفجيرات حول العالم مع إمكانية أن تكون تلك التقنية سهلة التناول وصعبة ‏من حيث السيطرة عليها عالمياً من قبل الدول الكبرى.
فيما أكد رئيس مجموعة بحوث الشؤون الشرق أوسطية والدولية ريني ريجر، ‏أن المستقبل بيد التقنية وأنه يجب أن تكون هناك ضوابط لاستخدام الإنترنت حول العالم، بما يضمن استمرار الأمان العالمي، مشدداً على أهمية أن تبقى البلدان بعيدة عن مخاطر تجاوز الاستخدام للإنترنت في حين هناك جماعات تستغله لكي تبقى مستمرة في عملها.