«الحورة في رمضان كان لها طعم آخر»، إذ يحكي صالح بن علي تفاصيل شهر رمضان في منطقة الحورة في فترة الستينات والسبعينات، ويسرد بعض الذكريات التي تجعل من ذاكرته ذاكرة متفردة بتفاصيل صغيرة غير متكررة في أماكن أخرى، يقول بن علي: «كان لدينا مسلخ في الحورة، كنا نذهب له قبل رمضان لنأخذ الجلود، وكنا نقوم بتجهيزها لعمل طبول القرقاعون، ونتنافس فيما بيننا لصناعة الطبل الذي يكون صوته أحسن، إضافة إلى عملنا وانشغالنا في صناعة الفريسة، كانت كل هذه الأجواء تسبق حلول رمضان، كان كل ذلك بمثابة تجهيز له».
تدمع العين لما تلاشى من عادات
ويواصل صالح بن علي حديث الذكريات الرمضانية قائلاً: «كنا ننظم غبقات للشباب ونحن صغار، كنا ندرس ونحيي تقاليد رمضان.. ولكن مع الأسف ملامح رمضان القديمة قد تلاشت، فالشباب الآن بعيدون كل البعد عن تلك التفاصيل الصغيرة».
ويضيف: «عندما أتحدث عن أيام لول تدمع العين، كان الهريس والثريد واللقيمات ذات الصنع المنزلي تزين المائدة، أما الآن أصبحت المطاعم هي التي تقدم لنا أطايب رمضان، ولم يعد مطبخ المنزل هو الأساس.. لا أتذكر أنه كان في مائدتنا السمبوسة أو البيتزا كما هو الآن، كانت الأطباق التقليدية التراثية هي الأساس».
ويزيد قائلاً: «كان الرجال يتناوبون في إقامة الغبقات يومياً، وكانت فرصة للتجمع والتعارف والتزاور بعد صلاة التراويح ، وكان الصغار يقومون بتوصيل الأطباق بين البيوت، وأذكر أنه كانت بعض الأطباق تنكسر مني في الطريق ولم أكن أصرح بالأمر لوالدتي، وكأن الطبق وصل للبيت الذي يجب أن يصل إليه.. كنا ونحن صغار نتفاخر بكم يوم استطعنا صيامه، حيث كان البيت العود يعود الأطفال على الصيام في ظل مقولة شهيرة أن «شاي الحليب ما يفطر»، فكنا نصوم ، ولكن نشرب أيضاً شاياً بالحليب.. وهكذا تعلمنا الصيام شيئاً فشيئاً».
الأب أساس البيت
للأب مكانته في المنزل، وعنه يقول صالح بن علي: «كان الأب في القدم يحفز أبناء المنزل على الصيام، فمن يصوم يعطيه «خردة» ومن يقرأ القرآن يعطيه «هدية»، وهكذا .. أذكر أننا كنا نساعد المسحر ونجر «الجاري» له، كنا نحيي وداع رمضان، ونصلي صلاة التراويح 30 ركعة وليس كما الآن 4 ركعات ثم يتناقص عدد المصلين في المسجد.. كنا نصلي الفجر في المسجد كباراً وصغاراً، ونجلس ونستمع للقرآن، كان يومنا جميلاً بكل ما فيه من روعة النفحة الدينية، ووسط كل ذلك نذهب للمدرسة، ونحل واجباتنا وننجح، كان يومنا عامراً بالتفاصيل، وحياتنا مليئة بأمور تقتل الفراغ، حيث لا يوجد ما يسمى بالملل بتاتاً.. أذكر أنه كان لدينا في السابق يوماً خاصاً للتجمع في البيت العود، وكانت السفرة الواحدة تجمعنا، ولكن الآن أصبحت البيوت مفككة، وصغرت السفرة مع الأسف».
رمضان بين القديم والجديد
يصمت قليلاً محدثناً صالح بن علي وكأنه يتذكر الماضي الجميل، ثم يقول: «في هذا الزمن أخذنا الترف، ففي السابق كانت الطلبات الرئيسة هي الأساس، ولا مجال للتبذير، أما الآن فأخذتنا المظاهر.. أذكر أننا نحن «عمال ألبا» كنا نعمل في أماكن حارة، وكنا مرهقون فعلاً في العمل، ولكن لأن العمل واجب كما هو الصيام أيضاً، كنا نصبر ونواجه الظروف الصعبة لإكمال صيامنا، أذكر أن الصائم في الحرارة لا يستطع أن يتنفس، كنا نمشي ويميننا ويسارنا مصاهر ألبا، كانت بيئة العمل قاسية جداً، ولكن طوال 35 سنة لم أفطر في العمل خلال شهر رمضان والحمد لله، وأتمنى من الله أن يحتسب لي ولزملائي الأجر والثواب».
ويختم بن علي حديث ذاكرته قائلاً: « أذكر أن الحورة كانت عامرة بالبرامج الأهلية، وكان النادي في منطقتنا عامراً بالأنشطة أيضاً، وأجواء التواصل بين الناس كانت جميلة لا تنسى».