على أنغام (حياك الله يا رمضان، شهر القرع والبيديان)، أي (الباذنجان)، كانت حالة بوماهر تحتفل باستقبال شهر رمضان الكريم، فبين بساطة الحياة والاهتمام بتفاصيل رمضانية لا تتكرر خلال العام ينقل لنا عبدالعزيز عرفة أجواء الشهر الفضيل في مسقط رأسه بحالة بوماهر.
عبدالعزيز عرفة من مواليد سنة 55 يتحدث عن ذكرياته خلال الشهر الفضيل قائلاً: «لرمضان لول قيمة أكبر في النفوس، كان رمضان سابقاً مختلفاً في استقباله وفي التعاطي معه، كنا نستعد له قبل أسبوع من حلوله، حيث نجمع العلب، ونربطها ببعضها البعض، وكنا ندور في الفرجان، ونطوف بين البيوت لننشد كلمات الاحتفاء بالشهر الكريم، حيث نستقبل رمضان بالأناشيد، وفي منتصف الشهر نحيي القرقاعون، وكنا نجمع الحلويات في (خياش) ونمر على الفرجان جميعاً من بوماهر إلى البنعلي وصولاً إلى فريج الزياني وغيرها، كنا نطوف في كل مكان، وفي العيد أيضاً نقوم بالمعايدة حيث كانت العيدية 10 فلوس آن ذلك، ولكن الكل كان يوزع المبالغ البسيطة من أجل فرحة العيد».
رمضان والقرآن
وعن ذكريات أيام رمضان يقول: «كنا ونحن أطفال نستشعر مشقة الصوم في الحر، ففي السابق لم تكن هناك مكيفات، والمجلس الليلي سابقاً كان لقراءة القرآن، حيث يجلس الكل ليقرأ بصوت مسموع، فما إن نطوف على المجالس ونحن صغار من بعد صلاة العشاء حتى تتناهى إلى المسامع أصوات الرجال وهم يقرؤون القرآن.. كانت المجالس عامرة بالأصوات العالية، حيث كانت كدوي النحل».
للأطفال والقرآن علاقة وطيدة، حيث نشأ أطفال حالة بوماهر على ربط الطفل بكلمات الله، وعنها يقول عرفة: «في حالة بوماهر كانت لدينا المطوعة لطيفة والمطوعة جلثم، كانتا تدرسان الأطفال القرآن الكريم، ولكن كانت عملية التدريس تتم في وقت العصر فقط، وكنا حينها نحاسب على الصلاة وعلى الصيام، وكان أهلنا يرسلوننا لتعلم القرآن في رمضان أسوة بباقي أيام السنة، ويحتفلون بنا عند إنجاز (الختمة)، ويلبسوننا (البشت) ويطوفون بنا في الفريج لإعلان الختمة، حيث كانت مصدر فخر واعتزاز».
وعن ذكريات الصوم الأول يقول عرفة: «صمت أول يوم وأنا في الصف الثالث، كان أبي وأمي يشجعانني على الصيام، حيث كانت بداية تعويد الأطفال هي الصيام وقت المدرسة فقط أي نصف يوم، فكنا نذهب للمدرسة بدون إفطار وبدون مؤونة، وعند العودة أجد جدتي تخبز الخبز، فتسألني (يا ولدي أنت صايم) فأقول لها (نعم)، فترى علي التعب، فتقوم بأخذ الخبز ورشه بالسكر، فتعطيني إياه وتقول لي: «خذ هالخبز يا ولدي، هذي ما يفطر، وعقب واصل صيام»، وهكذا يتم التعويد على الصيام شيئاً فشيئاً، وبشكل تدريجي محبب، وعندما أخرج من عند جدتي ويسألني أحد أفراد أسرتي إن كنت صائماً فأرد عليه بأنني (صائم) وأكمل اليوم حتى موعد الإفطار».
بيوتنا عامرة بالخير
يسترسل عرفة في الحديث عن تفاصيل الشهر الكريم قائلاً: «رمضان (هزته هزة)، كان الناس يحيون المولد، ويقرؤون ويذكرون دائماً، في النهار الكل كان يعمل، ويذهب الجميع إلى العمل كل حسب عمله مهما كان شاقاً، ومهما كان الدرب طويلاً ذهاباً وإياباً.. مجالسنا الكبيرة في حالة بوماهر عامرة بالخير، كانت البيوت الكبيرة وبشكل يومي تقوم بفتح المجلس ووضع أصناف الطعام للفطور لمن يمر ولم يستطع اللحاق بفطور بيته، يدخل المجلس ويفطر ويذهب مباشرة إلى المسجد، كانت بيوتنا عامرة بالخير والضيافة والحب، كان الجميع كالأسرة الواحدة، وكانت البيوت أشبه بالبيت الواحد الكبير».
ويزيد عرفة في حديثه عن تفاصيل شهر رمضان في حالة بوماهر: «كان يوزع السمك على أهل المنطقة، لم يكن السمك يباع عندنا، كان «السماجة» يجلبون السمك وكل يأتي ويأخذ حاجته ولا يأخذ أكثر من حاجته، فلم نكن نشتري السمك، بل كان يوزع طازجاً يومياً، وكان السحور طوال الشهر (بلاليط) فهو الطبق المفضل للسحور، ورغم بساطة الحياة كان إيقاع رمضان مختلفاً، كانت الأسواق عامر، وكان برغم قلة الميزانية إلا أن البيوت عامرة بخيرات رمضان، وكانت المبالغ الزهيدة في ذاك الوقت تكفي وتؤمن احتياجات الأسر».
ولا يحلو رمضان إلا بتبادل الأطباق بين البيوت، وعن هذه العادة يقول عرفة: «لدينا أيضاً عادة قديمة تسمى (النقصة)، فكل بيت يوزع من فطوره، وكنا نمشي من حالة بوماهر إلى المحرق في فريج البنعلي، كنا نسير طويلاً ذهاباً وإياباً لنوزع الأطباق على البيوت، أما اليوم فلا نجد هذه العادة في كثير من الفرجان مع الأسف، بل أيضاً كنا نصل فريج الجلاهمة، وغيرها من الفرجان العريقة. أيضاً أذكر أن النساء كن يصنعن المحلبية، ولم يكن لدينا في ذاك الوقت ثلاجات، وكن يضعنها في (الفي) أي في الظل لكي تفتر وتصبح جاهزة وقت الفطور».
بركة البيت العود
وأيضاً يتذكر عرفة بعض التفاصيل في يوميات رمضان لول: «كان بيتنا هو البيت العود، هم أبي وإخوانه ونساؤهم، بحضور الجد والجدة (أبونا العود وأمي العودة) هكذا كانت الجمعة في رمضان، وكانت سفرتنا عامرة بأطيب الطعام، وكان الكل يعمل ولكل شخص دوره وعمله الذي يقوم به، أذكر أيضاً كانت لدينا محطة الكويت ومحطة أرامكو، ولكن نمط الترفيه في ذاك الوقت كان مختلفاً، كان الناس متلاحمين أكثر، حيث كان الليل للبركة والتعبد، وبداية يومنا مع الفجر حيث يحضر الكل للصلاة في المسجد، ولا مجال للتهاون أو التغيب».
ويختم عبدالعزيز عرفة حديثه عن ذكرياته في رمضان قائلاً: «لا يمكن أن أنسى الوداع، كان الناس يودعون الشهر في آخر 3 أيام، وكان الجميع يزيد في الدعاء من أجل عودة رمضان، فالإنسان لا يعرف إذا كان سيشهد الشهر في السنة القادمة أم لا، بل كانت تذرف الدموع بسبب انتهاء الشهر الكريم، أعاده الله على الجميع بألف خير».